facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حزب الله بين الخطيئة والاعتراف


فيصل سلايطة
14-12-2025 09:07 AM

لم يكن دخول حزب الله إلى سوريا مجرّد قرار عسكري عابر، بل لحظة مفصلية شكّلت واحدة من أكبر الإشكاليات الأخلاقية والسياسية في تاريخه الحديث. لحظة انتقل فيها الحزب من موقع المقاومة المرتبطة بأرضه وقضيته المباشرة، إلى طرفٍ مشارك في حرب ليست له، على أرض ليست أرضه، وفي صراعٍ لم يكن يومًا محسوم المعنى أو الشرعية.

لقد ارتُكب الخطأ حين تم تبرير التدخل بوصفه ضرورة وجودية أو دفاعًا استباقيًا، بينما كانت الحقيقة أكثر تعقيدًا وأشد قسوة. فالحرب السورية لم تكن ساحة واضحة بين حق وباطل، بل مستنقعًا دمويًا تشابكت فيه المصالح الإقليمية والدولية، وكان السوريون أنفسهم وقودها الأول. دخول حزب الله هذا المستنقع جعله شريكًا في نزاع أهلي، وأدخله في مواجهة مباشرة مع مجتمعٍ عربي كان يرى فيه سابقًا رمزًا للمقاومة لا طرفًا في القتل والانقسام.

خلال سنوات التدخل، تكبّد الحزب خسائر بشرية فادحة. مئات، وربما آلاف من الشبان اللبنانيين عادوا إلى قراهم في توابيت، أو لم يعودوا أصلًا. هؤلاء لم يسقطوا على حدود لبنان دفاعًا عنه، بل في مدن وبلدات سورية لا يعرفها أهلهم إلا من خلال أسماء الأخبار. ومع كل جنازة، كان السؤال الصامت يكبر ....ما الذي نفعله هناك؟ ولمصلحة من يُقتل أبناؤنا؟

الأخطر من الخسائر البشرية كان الشرخ العميق الذي أصاب النسيج السوري–اللبناني. فبدل أن تبقى العلاقة بين الشعبين قائمة على التاريخ والجغرافيا والتداخل الاجتماعي، تحوّلت إلى علاقة مشحونة بالدم والاتهام والكراهية. أصبح حزب الله، في الوعي الجمعي لقطاع واسع من السوريين، طرفًا في قمعهم لا نصيرًا لهم، وأصبح اللبناني، ظلمًا أو حقًا، متهمًا في هذه المتاهة.

ثم جاءت التسريبات المنسوبة إلى بشار الأسد، لتضيف بعدًا أكثر إيلامًا للمشهد. تسريبات كشفت، ببرودة فادحة، كيف كان النظام السوري ينظر إلى من قاتلوا دفاعًا عنه:
أدوات، مستهلكة، يمكن الاستغناء عنها أو السخرية من تضحياتها. حين يسمع أبٌ لبناني فقد ابنه، أو أمٌ لبنانية ودّعت فلذة كبدها، هذا الكلام، لا يمكن إلا أن يتردّد في داخله سؤال موجع: لأجل من خسرت ابني؟ لأي قضية؟ ولأي رجل؟

هذه اللحظة، بكل ما تحمله من قسوة، تفرض سؤال الاعتراف. اعتراف حزب الله بأن دخوله سوريا كان خطيئة سياسية وأخلاقية. ليس اعتراف ضعف، بل اعتراف مسؤولية. الاعتراف بأن النظام السوري لم يكن حليفًا وفيًّا، بل نظامًا استغل الجميع، من حلفائه قبل خصومه، وأدار الحرب بمنطق البقاء الشخصي لا بمنطق القضايا أو المبادئ.

إن الاعتراف بهذا الخطأ لا يعني التخلي عن تاريخ الحزب أو محو ما قدّمه في سياقات أخرى، لكنه يعني فصل تلك الصفحات عن واحدة من أكثر الصفحات سوادًا. بل إن هذا الاعتراف، إن حصل، قد يكون فرصة نادرة لإعادة ترميم صورة الحزب التي تآكلت عربيًا وداخليًا، ولإعادة فتح نقاش صريح مع جمهوره ومع اللبنانيين عمومًا حول معنى المقاومة وحدودها.

ومع اقتراب انتهاء المهلة الأميركية المتعلقة بسلاح الحزب، يصبح الاعتراف أكثر من مجرد واجب أخلاقي.... يصبح خطوة سياسية ذكية.

فحزب يعترف بخطئه، ويعيد تقييم خياراته، قد يربح تعاطفًا مفقودًا، ويثبت أنه ليس تنظيمًا جامدًا أسير قرارات ماضية، بل كيانًا قادرًا على المراجعة والمحاسبة الذاتية.

بين الخطيئة والاعتراف، يقف حزب الله اليوم أمام اختبار تاريخي. إما الاستمرار في إنكار ما لا يمكن إنكاره، أو امتلاك شجاعة القول:
أخطأنا. وفي السياسة، كما في الحياة، لا يطيل عمر الأخطاء إلا إنكارها، ولا يفتح باب الخلاص إلا الاعتراف بها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :