من عهد المؤسس الى عهد المعزز .. أردن صافح المجد مستقلا ، ليصافحه التاريخ وطن الأوفياء
25-05-2008 03:00 AM
عمون و بترا ـ \"\" اشكر شعبي العزيز وحكومتي المؤتمنة لما بايعا به وما حقق بما أيدنا ووفقنا من أمل البلاد وأماني الثورة العربية التحررية وذلك بإعلان بلادنا الأردنية دولة مستقلة استقلالا تاما تعتز بأن تظل الوفية لميثاق الوحدة القومية والمثل العربية \"\"
بهذه الكلمات التي جاءت ضمن خطابه أعلن المغفور له الملك عبدالله الأول بن الحسين إستقلال المملكة الاردنية الهاشمية ، ليعيد التاريخ الى فجره ، ويجتر المجد الى زهوه ، ويبني دعائم دولة أصبحت في سنين قليلة الأولى في الإقليم والأعز في منطقة الشرق الأوسط ، حيث بقيت رايته خفاقة تعانق سماء المحبة والإخلاص والعروبة والتلاحم والوفاء ، في وطن يزهو بثوب الفخر ، حين يعبر في كل يوم الى مرحلة جديدة من مراحل التطور والإنجاز ، بسواعد مخلصة استنبطت عزائمها من ثوابت أرساها الرعيل الأول من البناة أهل العقد والمشورة من الاردنيين الأبرار ، عبر وطن كان حلما عربيا ، فغدا أمل العرب جميعا في أن يبقى هو الذراع الساند لقضاياهم ، والكف التي تداوي جراحهم ، والحضن الذي يأوي خوفهم ، واليد التي تمسح دموعهم .. وهاهو الأردن بعد اثنتين وستين عاما من المجد ، يلف ذراعيه محبتة ليطوق بها أعناق الأشقاء في بلادهم العربية ، لتلتئم الجراح ، وتتصافى النفوس ، وتتوحد الأهداف ، وتتضافر الجهود نحو غد مشرق ، لعالم أجمل ، مستشرفا آفاق المستقبل الذي يصنعه من يحبون الله ويخلصون لأوطانهم ويزرعون العزيمة في أنفسهم .
وها هم الاردنيون اليوم الخامس والعشرين من شهر أيار إذ يحتفلون بالذكرى الثانية والستين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية حيث إعلن الاردن دولة مستقلة ذات حكم نيابي ملكي وراثي ، تتجدد معاني الاعتزاز والفخر لدى كل نشامى ونشميات الأردن بتحمل مسؤولياتهم تجاه وطنهم لحماية مكتسبات الاستقلال ومستقبل الوطن في ظل عميد آل البيت وراعي المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين .
ويستذكر الأردنيون بهذه المناسبة الغالية جهود القيادة الهاشمية في إرساء قواعد الاستقلال العربي منذ الثورة والنهضة العربية الكبرى ونقل العرب إلى مرحلة الدولة والسيادة بعد قرون من التغييب والتجهيل وليكون الأردن كمملكة أردنية هاشمية النموذج في بناء دولة المؤسسات القائمة على الشورى والمحافظة على الثوابت ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار .
ويتطلع الأردنيون اليوم بقيادة مليكهم الحكيم الهاشمي جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين إلى المستقبل وهم على العهد باقون متمسكون بمبادئهم القومية واعتزازهم بالانتماء إلى وطن كان على الدوام مثلا يحتذى به، ومثار إعجاب العالم لتمكنه من تحقيق انجازات هائلة مقارنة مع عمر الدولة وحجم التحديات التي واجهته عبر أكثر من ستة عقود .
وعاش الأردن عبر تلك العقود وطنا للعرب الأحرار وموئلا للشرفاء وأنموذجا في توحيد المواقف العربية والسعي نحو حل الخلافات داخل البيت العربي.. وكان وما زال وبفضل قيادته الهاشمية الحكيمة الحاضر الفاعل في شتى القضايا العربية القومية والمساند دوما لأشقائه العرب والداعم والسند القوي لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية باعتبارها المحور الأساس لإحلال السلام في دول منطقة الشرق الأوسط التي ما انفكت تواجه مشكلات وأزمات داخلية وخارجية أثرت في حاضرها وباتت تهدد مستقبلها.
وكان بناء قدرات الموارد البشرية هو الاستثمار الأجدى الذي يعتز الأردنيون به حيث تحققت لهم وبفترة قياسية نقلة نوعية في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والإسكان، وأثبتت المملكة بمواردها البشرية والإنسانية وعلى الرغم من محدودية الموارد الطبيعية أنها دولة قادرة على المنافسة في شتى الميادين، وقادرة على تحقيق نمو اقتصادي متزايد وتحقيق مستوى معيشة أفضل مع استمرارية عجلة البناء والعطاء التي لم تتعطل يوما حتى في أصعب الظروف.
واثبت الأردنيون على الدوام قدرتهم على صون الاستقلال والمحافظة على ارث كبير وتعزيز معاني المواطنة والانتماء الصحيح وقيم الولاء للقيادة الهاشمية التي قادت الأمة نحو الاستقلال والسيادة منذ تاريخ وصول سمو الأمير عبدالله بن الحسين إلى البلاد الأردنية وتحديدا إلى معان وإعلان تأسيس الدولة الأردنية باسم حكومة الشرق العربي بعد أن تمكن من تجنيب الأردن كل المخططات التي استهدفت سيادة الأرض وعروبتها .. وبدأ اهتمامه يتركز على بناء المؤسسات الرسمية التي تساعد على تثبيت دعائم الدولة، وصدرت الإرادة السنية بتأليف أول وزارة أردنية في 11 نيسان 1921 برئاسة رشيد طليع أطلق على هيئتها اسم مجلس المشاورين
وفي العشرين من شباط عام 1928 وقعت في القدس المعاهدة البريطانية الأردنية ومن أهم بنودها توسيع سلطات الأمير، ومنح الحكومة صلاحيات واسعة في الإدارة والتشريع، وفي الخامس والعشرين من شهر تموز عام 1928 عقد في عمان مؤتمر وطني أردني حضرته 150 شخصية وطنية وتم خلاله انتخاب حسين الطراونة رئيسا ووضع أعضاء المؤتمر ميثاقا وطنيا اشتمل على بنود من أهمها .. إمارة شرق الأردن دولة عربية مستقلة ذات سيادة بحدودها الطبيعية المعروفة.. تدار بلاد شرقي الأردن بحكومة دستورية مستقلة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن الحسين المعظم وأعقابه من بعده ولا تعترف بلاد شرق الأردن بمبدأ الانتداب.
ونتيجة للحوار الوطني وما تمخضت عنه سلسلة المؤتمرات الوطنية تم وضع دستور الدولة الاردنية في 26 شوال 1346 هجرية الموافق 16 نيسان 1928 ميلادية تحت اسم القانون الأساسي لشرقي الأردن..واشتمل على فصول ثمانية عالجت حقوق الشعب والأمير وحقوقه والتشريع والقضاء والإدارة ونفاذ القوانين والأحكام وضم فصولا لإجراء الانتخابات التشريعية التي بموجبها جرت الانتخابات الأولى، وانعقد المجلس التشريعي الأول في الثاني من شباط عام 1929 بعد انتخابات تشريعية فاز فيها عن لواء عجلون:نجيب الشريدة..عقلة المحمد النصير ..عبدالله الكليب ..نجيب أبو الشعر، وعن لواء البلقاء:سعيد المفتي..علاء الدين طوقان ..شمس الدين سامي ..سعيد الصليبي.. محمد الانسي ..نجيب الابراهيم وعن لواء الكرك :عطاالله السحيمات.. رفيفان المجالي ..عودة القسوس وعن لواء معان : صالح العوران وعن بدو الجنوب:الشيخ حمد بن جازي وعن بدو الشمال الشيخ مثقال الفايز . وقد مثل هذا المجلس البداية لحياة سياسية تقوم على الشورى من منطلق الدستور الذي يسمح بالمشاركة الواسعة لكل الشعب في صنع القرار.
ونهضت البلاد بسرعة ملحوظة بعد إجراء أول انتخابات تشريعية وإقرار وصدور أول دستور ينظم أعمالها..وعلى الرغم من الظروف الصعبة والتحديات السياسية تمكنت الحكومة الأردنية من تمتين بنيان المؤسسات التعليمية والاقتصادية والعسكرية فأنشأت على سبيل المثال أول وزارة للمعارف في 24 أيلول عام 1940 وفي عام 1939، تم تعديل القانون الأساسي وأصبح يطلق على مجلس الوكلاء مجلس الوزراء .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تقدم الأردن بطلب إلى الدولة المنتدبة بريطانيا لإنهاء الانتداب ومنح الأردن الاستقلال التام، وقررت بريطانيا الاعتراف باستقلال الدولة الأردنية وتمت دعوة أمير البلاد لزيارة بريطانيا للسير في خطوات الاستقلال. وفي شباط 1946 قام سمو الأمير عبد الله ورئيس الوزراء آنذاك إبراهيم هاشم بزيارة رسمية إلى بريطانيا، نتج عنها توقيع المعاهدة البريطانية الأردنية الثانية في الثاني والعشرين من آذار 1946 والتي نصت على إلغاء المعاهدة الأولى المبرمة في عام 1928 واعتراف بريطانيا بالأردن كدولة مستقلة ذات سيادة وبسمو الأمير عبدالله ملكا عليها وإنهاء حالة الانتداب للبلاد .. واستقبل الشعب الأردني هذه التطورات بفرحة عارمة عبرت عن أمانيه وطموحاته وتطلعاته للمستقبل وبتلك الأماني عقد المجلس التشريعي الخامس اجتماعا في الخامس والعشرين من أيار 1946 أعلن بعده قرار المجلس التاريخي بإعلان استقلال شرق الأردن استقلالا كاملا لتصبح الدولة باسم المملكة الأردنية الهاشمية في 25 أيار 1946وتوج جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملكا دستوريا،وفي نفس ذلك اليوم ازدانت عمان والمدن الأردنية بالأعلام وصدحت أنغام الموسيقى العسكرية في أرجاء الوطن حين خرجت هيئة الوزارة كاملة إلى شرفة المجلس التشريعي، وتلا وزير الخارجية آنذاك محمد الشريقي قرار المجلس التاريخي المقترن بالتصديق السامي وجاء فيه :
\" فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الأردني أمر إعلان استقلال البلاد الأردنية استقلالا تاما على أساس النظام الملكي النيابي مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها ( عبدالله بن الحسين ) المعظم كما بحث أمر تعديل القانون الأساسي الأردني على هذا الأساس بمقتضى اختصاصه الدستوري ، ولدى المداولة والمذاكرة قرر بالإجماع الأمور الآتية أولا : إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالا تاما وذات حكومة ملكية وراثية نيابية .. ثانيا : البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية ( عبدالله بن الحسين ) المعظم بوصفة ملكا دستوريا على رأس الدولة الأردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة : ( ملك المملكة الأردنية الهاشمية ) ..ثالثا : إقرار تعديل القانون الأساسي الأردني على هذا الأساس طبقا لما هو مثبت في لائحة ( قانون تعديل القانون الأساسي ) الملحقة بهذا القرار ..رابعا : رفع هذا القرار إلى سيد البلاد عملا بأحكام القانون الأساسي ليوشح بالإرادة السنية حتى إذا اقترن بالتصديق السامي عد نافذا حال إعلانه على الشعب وتولت الحكومة إجراءات تنفيذه ، مع تبليغ ذلك إلى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية.
وجرى في اليوم ذاته استعراض عسكري كبير في مطار ماركا \"والذي حمل فيما بعد اسم قاعدة الملك عبدالله الأول وألقى جلالة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين كلمة بمناسبة الاستقلال قال فيها :
\" ابدأ بحمد الله على نعمائه واصلي واسلم على سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين جميعا صلاة دائمة طيبة مباركة.. ثم اشكر شعبي العزيز وحكومتي المؤتمنة لما بايعا به وما حقق بما أيدنا ووفقنا من أمل البلاد وأماني الثورة العربية التحررية وذلك بإعلان بلادنا الأردنية دولة مستقلة استقلالا تاما تعتز بأن تظل الوفية لميثاق الوحدة القومية والمثل العربية وانه لمن نعم الله أن يدرك الشعب بان التاج معقد رجائه ورمز كيانه ومظهر ضميره ووحدة شعوره \"..
وفي السابع من كانون الثاني عام 1947 صدر الدستور الأردني الثاني والذي هو طبقا للقانون الأساسي لإمارة شرق الأردن، ونصت المادة الثانية منه على أن المملكة الأردنية الهاشمية دولة مستقلة ذات سيادة دينها الإسلام وهي حرة مستقلة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه ونظام الحكم فيها ملكي وراثي.
وبعد إقرار الدستور جرى تغيير حكومي حيث تشكلت أول وزارة في عهد الاستقلال برئاسة سمير الرفاعي، وجرت أول انتخابات نيابية في عهدها، والتأم مجلس الأمة الأول من النواب والأعيان والذي انعقدت أولى جلساته يوم 20 تشرين الأول 1947 .
وقف الأردن إلى جانب الأقطار العربية ضد استهداف أراضيها، وشارك الجيش العربي إلى جانب أشقائه العرب في الدفاع عن الأراضي العربية الفلسطينية في حرب عام 1948 وقدم المئات من الشهداء على اشرف واطهر بقاع الأرض أرواحهم دفاعا عنها وتمكن الجيش العربي رغم إمكانياته المتواضعة من المحافظة على الجزء المتبقي من فلسطين بما فيها القدس الشريف.. وفي وداع القوات الأردنية عندما كانت تستعد لاجتياز نهر الأردن ليلة 15 أيار 1948 خطب الملك المؤسس في الجيش بحضور عبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية قائلا:
\" اطلب إليكم جميعا أن تستعدوا إلى الخدمة في عملية إنقاذ فلسطين وان تتأهبوا لكفاح الشرف وان تربطوا حاضركم بماضي أجدادكم الذين احتفظوا بالكرامة القومية والشهامة العربية فتقدموا برعاية الله عز وجل لتنضموا إلى إخوانكم المحاربين في الحرب المقدسة وقوات الدول العربية الشقيقة \" .
وفي حديث لجلالة الملك عبدالله المؤسس خاطب فيه شعبه عبر أثير هيئة الإذاعة البريطانية بعد حرب عام 1948 قال ...\" أما فيما يخصنا نحن فقد توقفت الحالة في الوطن العربي في فلسطين بعد نزاع لم ينته إلى ما كان يظنه القائمون به ولكن الأمل الآن منصرف نحو إيجاد سبل الاستقرار بهذا الجزء المقدس من العالم بصفة ثابتة ولذلك فالهمة متجهة اليوم نحو من ترك داره ووطنه من أهل فلسطين ..وفاء إلى البلدان العربية المجاورة على أمل العود السريع، وفيما يخصنا في الأردن فالناس عندنا سواسية، الأصيل منهم ومن فاء إليهم من إخوانهم \" وفي كانون الأول عام 1948 بدأت مفاوضات إعلان وحدة الضفتين والتي تعتبر أول وحدة تستند إلى الثقافة الواحدة والدم ووحدة المصير.. وتمت إجراءات الوحدة رسمياً في عام 1950، وأجريت انتخابات نيابية في الضفتين بتاريخ 11 نيسان 1950 مثل المملكة فيها 20 نائبا من الضفة الشرقية ومثلهم من الضفة الغربية وشكلت أول وزارة أردنية موحدة برئاسة سعيد المفتي بتاريخ 12/4/1950 وضمت عشرة وزراء من فلسطين.. وفي 24 نيسان 1950 اجتمع مجلس الأمة الجديد الممثل للضفتين ووافق على قرار الوحدة بين ضفتي الأردن بالإجماع في دولة واحدة هي المملكة الأردنية الهاشمية على أساس الحكم النيابي الدستوري والتساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين وعلى أساس المحافظة على كامل حقوق الشعب الفلسطيني.
في يوم الجمعة العشرين من تموز عام 1951 كان الملك عبدالله الأول على موعد مع الشهادة عند عتبة المسجد الأقصى المبارك قبالة قبة الصخرة المشرفة ، التي أحب ويحرص على أداء صلاة الجمعة فيها وقد افتداها وأنقذها في حرب عام 1948م ،ليستشهد جلالة الملك المؤسس وارث النهضة العربية الكبرى عبدالله بن الحسين.. وقبل استشهاده بلحظات وقف سمو الأمير الحسين آنذاك وعمره لم يتجاوز الستة عشر ربيعا أمام المأساة القاسية المريرة كما وصفها في كتابه \"مهنتي كملك\" متذكرا ما قاله له جده قبيل سفرهما إلى القدس \" أرجو أن تعرف يا ولدي أن عليك في يوم ما أن تتحمل مسؤوليات جساما وإنني لاعتمد عليك أن تصنع المستحيل لكي لا تضيع جهودي سدى .. إنني اعتمد عليك في الاستمرار في خدمة شعبي\".
الملك طلال بن عبدالله :
وفي السادس من أيلول عام 1951 انتقل الحكم إلى جلالة المغفور له الملك طلال بن عبدالله الذي أكد استقلال المملكة بانجاز دستور حديث وعصري، ما زال معمولا به حتى وقتنا الحاضر .
ونص الدستور في مادته الأولى على أن \" المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه والشعب الأردني جزء من الأمة العربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي\". وأرسى الدستور القاعدة العامة في تنظيم أمور الدولة حيث جاء في مادته الرابعة والعشرين \"الأمة مصدر السلطات \" كما بين في مواده التشريعات الناظمة للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلاقتها ببعضها البعض.
واشتمل الفصل الثاني من الدستور على حقوق الأردنيين وواجباتهم حيث كفل الدستور حرية الرأي ولكل أردني أن يعبر بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون .. وأكد الدستور كذلك على قواعد احترام الواجبات والحقوق والمساواة بين الأردنيين حيث جاء في مادته السادسة: \"الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين\".
وشهدت تلك الفترة انطلاق الأحزاب السياسية وتأليف الجمعيات.. وكفل الدستور للأردنيين حقهم في ذلك على أن تكون غاية تلك الأحزاب والجمعيات مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور.
وأولى جلالة المغفور له الملك طلال اهتماما بالتعليم، حيث نصت المادة 20 من الدستور الأردني على أن التعليم الابتدائي إلزامي للأردنيين وهو مجاني في مدارس الحكومة.
وأرسى جلالته رحمه الله قواعد المساواة والعدل في تولي المناصب العامة وفقا لما جاء في الدستور الذي كفل أيضا حق الأردنيين في العمل وعلى الدولة أن توفره للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به ..ووضعت الدولة تشريعات تقوم على مبادئ تحمي العامل وتحدد ساعات عمله وتقرر تعويضه في أحوال التسريح والمرض والعجز والطوارئ الناشئة عن العمل، كما وضعت شروطا خاصة بعمل النساء والأحداث وسمحت للعمال بتنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون .
لم يستطع جلالة المغفور له الملك طلال البقاء في الحكم طويلا بسبب ظروف صحية ألمت به.
ـ الحسين بن طلال :
واستنادا إلى الدستور اتخذ مجلس الأمة يوم الحادي عشر من آب عام 1952 قرارا بالإجماع بإنهاء ولاية الملك طلال والمناداة بسمو الأمير حسين ملكا دستوريا على المملكة الأردنية الهاشمية ..وبالنظر إلى عدم إكمال جلالته السن القانونية فقد تقرر تعيين مجلس وصاية ضم كلا من إبراهيم هاشم وسليمان طوقان وعبد الرحمن ارشيدات .. وفي الثاني من أيار عام 1953تسلم جلالة الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية وفي كتاب التكليف السامي لفوزي الملقي- أول رئيس حكومة في عهد جلالته- بتاريخ 5 أيار 1953 ظهر واضحا اهتمام جلالته بحاجات الشعب ورعاية مصالحه وأمانيه .. وتشديده على تمكين وتقوية السيادة الوطنية والمحافظة على الحقوق العربية بالتفاهم والتآزر التاميّن مع الدول العربية.
كان النهج القومي الذي سار عليه جلالة المغفور له الملك الحسين استمرارا لنهج الثورة العربية الكبرى، وكان تعامل جلالته مع دول العالم يتسم بنهج خاص يمتاز بالاعتدال والمحافظة على علاقات الود والصداقة مع الدول الحليفة والصديقة، وفي بدايات عهد الحسين انضم الأردن إلى هيئة الأمم المتحدة وذلك في كانون الأول من عام 1955 .
وفي الأول من آذار عام 1956 اتخذ جلالة المغفور له الملك الحسين قرارا وطنيا استند فيه إلى إرادة شعبه وحرصه على تأكيد الاستقلال التام ، وذلك بتعريب قيادة الجيش العربي وإعفاء الجنرال \"جون باغت كلوب \"من منصبه كرئيس لهيئة أركان الجيش العربي.. أتبعه جلالته في 13 شباط 1957 بخطوة جريئة أخرى تمثلت بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية وإخلاء القواعد الأجنبية .
وشهدت مرحلة الستينيات من القرن الماضي اضطرابات داخلية على مستوى الوطن العربي في الوقت الذي كانت إسرائيل تعد خططها العسكرية لاستكمال مشاريعها التوسعية على حساب الأراضي العربية إلى أن وقعت حرب الخامس من حزيران 1967 وانتشرت قوات الجيش العربي الأردني المؤلفة من تسعة ألوية مشاة ولواءي دروع لتدافع عن الأرض العربية ببسالة وشجاعة وقدم الجيش العربي أكثر من ستمائة شهيد في القدس ونابلس والخليل وجنين وقلقيلية..وما شهيدنا الجندي الأول حمود محمد صالح الحكوم العبيدات الذي قضى شهيدا دفاعا عن القدس عام 1967وبقي في ثراها إلى أن تم تشييع رفاته في بلدته \" يبلا \" بمحافظة اربد نيسان الماضي ما هو إلا واحد من أبطال الجيش العربي الذين رووا بدمائهم الزكية ارض فلسطين وخاضوا المعارك في القدس واللطرون وباب الواد والشيخ جراح عام 1948 وفي معركة العزة والكبرياء الكرامة الخالدة عام 1968م التي سطر الجيش العربي الأردني فيها أروع البطولات في الدفاع عن ثرى الأردن الغالي، وليكون ذلك اليوم يوما للكرامة الأردنية والعربية ..وجاءت الكرامة كنقطة تحول أعادت للعرب الكرامة والاعتبار وقدمت أعظم الدروس وبعثت الثقة في النفوس العربية.
والأردن عبر تاريخه لم يكن إلا حاميا ومدافعا عن القضايا العربية، ويستجيب لكل المتطلبات حين تكون مطلبا عربيا من اجل البناء والوحدة والمستقبل، ويقدم الأردن رؤيته من منطلق الحل الشامل والعادل الذي يضمن الحقوق خاصة في مسألة الدولة الفلسطينية
وبناء على توصيات مؤتمر القمة في الرباط عام 1974 اعترف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وفي الوقت ذاته استمر الأردن بواجباته القومية استنادا إلى ثوابته ورؤى قيادته الهاشمية خاصة في رعاية المقدسات التي هي في الوجدان الهاشمي .
وعلى الصعيد الداخلي جاء شعار الحسين \" الإنسان أغلى ما نملك\" ليكون منطلقا ثابتا في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويكاد لا يخلو بيت أردني من ذكرى أو موقف للحسين مع احد أفراده .. لقد استطاع رحمه الله بسياسته الحكيمة وحرصه على مصلحة شعبه أن يكسب قلوب الأردنيين جميعا وان يقدم كل غال ونفيس من اجل نهضة الأردن ودوام عزه واستقراره.. و أراد الملك الحسين طيب الله ثراه للديمقراطية أن تستأنف مسارها الطبيعي في الأردن بعد انقطاع استمر لأكثر من عشرين عاما بسبب ظروف الاحتلال للأراضي الفلسطينية فشهد عام 1989 عودة الحياة البرلمانية في انتخابات حرة ونزيهة شاركت فيها كافة الأطياف والقوى الوطنية .
وشهدت المملكة في عهد الملك الحسين طيب الله ثراه، نهضة تعليمية وصناعية واقتصادية وعمرانية لمس أثارها المواطنون الذين تحسنت ظروفهم المعيشية وحياتهم الاجتماعية.. وكان الإنسان الأردني على رأس أولويات جلالته مما أسهم في تحقيق الكثير من النجاحات .. وغني عن القول ان الأردن تمكن وخلال فترة حكمه رحمه الله والتي امتدت نحو 47 عاما من انجاز الكثير من المشروعات التنموية وتحقيق قفزة نوعية في العديد من المجالات وخاصة في مجال التعليم ..ففي عام 1960 كانت نسبة المتعلمين تصل الى 33% من الأردنيين ، أما في عام 1996 فوصلت النسبة الى 85.5% ، كما ارتفع عدد المدارس في المملكة من ( 958 ) مدرسة عام 1952 / 1953 إلى (4808) عام 1999 / 2000 ، أي أن عدد المدارس تضاعف خلال هذه الفترة بنسبة (502% ) ، أي حوالي خمسة أضعاف .
وكان هناك الكثير من دلالات النجاح متمثلة بالاهتمام الكبير كذلك بالرعاية الصحية بإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير الرعاية الاجتماعية وخدمات البنية التحتية من طرق وكهرباء ومطارات وموانئ واتصالات وتوجيه العناية إلى القطاع الزراعي وقطاع الإسكان.
في السابع من شباط عام 1999 كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى بان يودع الأردنيون مليكهم وباني نهضتهم جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، بعد معاناة مع المرض، ولن ينسى الأردنيون أيضا تلك اللحظات العصيبة والتاريخية .
وفي ذات الوقت تجاوز كل أردني حزنه والتفت الى مرحلة مقبلة من مستقبله ومستقبل أبنائه .. حين بايع الأردنيون مليكهم ووارث العرش الهاشمي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل العطاء وخدمة الوطن وإعلاء شأنه مستبشرين بمستقبل مشرق مستند الى ارث مشرف وحاضر كريم .
ـ عبدالله الثاني .. ملك معزز وحامي ثمار الاستقلال ..
منذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مقاليد الحكم أدرك الأردنيون ملامح المرحلة المقبلة التي خطها جلالته في فكره وبانت في خطب العرش وكتب التكليف السامية وفي التوجيهات المباشرة التي كان جلالته يسديها الى حكوماته خلال زياراته المتكررة لمواقع العمل ولقاءاته مع أبناء شعبه في المدن والقرى والبوادي والمخيمات .. حيث انتهج جلالته أسلوب اللقاء المباشر مع أبناء الوطن على اختلاف مواقع سكناهم للاطلاع على كل ما من شأنه دعم مسيرة التنمية للمشاركة في وضع الاستراتيجيات الرامية إلى تحسين نوعية الحياة ونمو الاقتصاد بهدف تحسينها وزيادة مساهمتهم في نماء وبناء الوطن.
وكثيرا ما قام جلالة الملك عبدالله الثاني ومن خلال متابعته الشخصية لما يبث من قضايا وقصص إنسانية تتعلق باحتياجات المواطنين عبر أثير الإذاعات ومحطات التلفزة الأردنية أو الصحف المحلية بالمبادرة في إيجاد حلول سريعة لها وتوجيه الجهات المختصة لمعالجة تلك القضايا بما فيها عدد من الحالات الإنسانية التي تحتاج إلى معونة عينية أو علاجية .
وكانت شواهد ودلالات المرحلة الجديدة ظاهرة من خلال مبادرات ملكية أطلقها جلالته عالجت العديد من القضايا والأمور الحياتية للمواطنين ومن ضمنها \" على قدر أهل العزم\" و\" الأردن أولا\" و \"كلنا الأردن\"، والعديد من المبادرات الاقتصادية والاجتماعية، التي هدفت إلى تكريس مبادىء تكافؤ الفرص والمساواة وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين.
واستطاع الأردن في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني تمتين علاقاته مع الدول الشقيقة والصديقة واخذ دور محوري في العديد من القضايا التي تهم الوطن العربي خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والوضع في لبنان والعراق .. ولم يتخل الأردن عن واجباته القومية إزاء هذه القضايا المؤثرة كما لم يتوان عن مواصلة الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي وخاصة الدول ذات التأثير على الامن والسلم العالميين .
ـ النهضة الاقتصادية والعمرانية :
وشهدت المملكة في عهد جلالته الميمون نهضة عمرانية متميزة وتنفيذ مشروعات مهمة في القطاعات الصناعية والتعليمية والاقتصادية وأمر جلالته بتمويل مشاريع وبرامج إضافية لمساعدة موظفي القطاع العام على امتلاك مساكن ملائمة توفر متطلبات الحياة الكريمة لهم كما جاءت مبادرة عيش كريم لسكن كريم والتي كانت باكورتها في مدينة الشوبك آذار الماضي لتوفير السكن الكريم لشرائح كبيرة من المجتمع الأردني حيث سيتم من خلال هذه المبادرة بناء 100 ألف شقة سكنية خلال السنوات الخمس المقبلة. عدا عن الاستثمار في مدينة الشرق ومدينة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود السكنية في منطقة الزرقاء بما يزيد عن 3 مليارات دولار.
وفي خطاب العرش السامي في الثاني من كانون الأول من عام 2007 في افتتاح الدورة الأولى للبرلمان الأردني أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن عام 2008 سيكون عام الإسكان وأطلق جلالته في 26 شباط من العام الجاري مبادرة سكن كريم والتي ستشمل بناء أكثر من نصف مليون سكن للمواطنين.
ووضع جلالته الحكومة أمام منهاج عمل هدفه زيادة دخل المواطن في مختلف الشرائح زيادة تكفل له ولأسرته العيش الكريم والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتوفير الحاجات الأساسية مثل المسكن، وشمول شريحة أوسع في مظلة التأمين الصحي ليشمل جميع المواطنين.
ـ حرية الصحافة والاعلام ودعم الثقافة :
وشهد الأردن خلال الفترة الماضية تطورا في المجال الإعلامي وخاصة فيما يتعلق بالحريات الإعلامية إذ حرص جلالة الملك عبد الله الثاني على التأكيد دوما أن حرية الصحافة سقفها السماء ..وفي الثالث من أيار الحالي وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة وجه جلالته رسالة الى حكومة نادر الذهبي قال فيها \" وأبدأ بالتذكير بالارتباط التاريخي والوثيق بين نشأة الأردن كحمى عربي أصيل وموئل لأحرار العرب، وبين دوره في رعاية واحتضان أصحاب الكلمة الحقّة والرأي الصواب. فالأردن وبحكم ما بني عليه من أصالة وقيم نبيلة، سيبقى منذوراً وملتزماً بحماية الحريات ليكون واحتها، وصيانة الكلمة الصادقة ليبقى بستانها. وهنا نؤكد حرصنا على أن يبقى فضاء الحرية المسؤولة للصحافة بلا سقف، لتمكينها وتعزيز دورها في التعبير عن ضمير الوطن وطموحات بناته وأبنائه، في إطار يستند إلى الدقة والموضوعية والمهنية العالية\".
واهتم جلالته كذلك بالثقافة والفنون.. من خلال رعايته واهتمامه الشخصي بأوضاع الكتاب والأدباء والفنانين تقديرا لعطائهم وإسهاماتهم في تدعيم وتطوير النشاط الثقافي والفني وازدهاره. وكان من بين المكرمين في مناسبات عدة عدد من الأدباء والكتاب والمثقفين والمؤرخين تقديرا لعطائهم لهذا الوطن، وقد تبرع جلالته بمبلغ عشرة ملايين دينار للبدء بصندوق دعم الحركة الثقافية، باعتبارها وجها حضاريا أردنيا وصورة عن الثقافة الأردنية التي هي ثقافة الانفتاح والتسامح.
ـ الرعاية الصحية والخدماتية : ـ
وشهدت المملكة تطورا كبيرا في المجال الصحي والرعاية الصحية إذ يتم تقديم الخدمات الصحية على امتداد مساحة الوطن، من خلال المستشفيات المنتشرة في محافظات وألوية المملكة البالغة نحو مائة مستشفى ما بين عام وخاص، ومن خلال المراكز الصحية.
ودخلت في عهد جلالته ثقافة جديدة في مجال العمل إذ أصبحت لدى الشباب الأردني قناعة اكبر بأهمية العمل المهني .. وفي إطار ذلك خاطب جلالته في الأول من أيار العام الحالي عمال الوطن في عيد العمال قائلا \" إن توفير التدريب النوعي للعامل الأردني، وتمكينه وتأهيله، إضافة إلى موقع الأردن الجغرافي وعلاقاته الاقتصادية والسياسية مع مختلف الدول في العالم، هو الأساس في تعزيز الميزة التنافسية للاقتصاد الأردني، وقدرته على استقطاب الاستثمارات العالمية، التي تسهم في توفير فرص العمل المناسبة للإنسان الأردني.\"
وفي قطاعات حيوية مهمة مثل قطاع المياه كانت التوجيهات الملكية السامية بإنشاء لجان متخصصة تعمل على وضع استراتيجيات وخطط جديدة للنهوض في هذه القطاعات بما يتناسب وواقع شح الموارد الطبيعية التي يعاني منها الأردن وتزايد الكثافة السكانية في عدد من مناطق المملكة من اجل وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ ضمن فترات زمنية محددة .
ـ تطوير التعليم :
وفي ظل المستجدات العالمية وتغير أساليب العمل والإنتاج ومواضع اهتمام أسواق العمل والموظفين، بات تطوير البنية الفكرية والذهنية للطلبة وتعزيز ثقافة الإبداع والتميز لديهم مطلباً أساسياً يناط بقطاع التعليم العام بالدرجة الأولى وانطلاقاً من هذا الواقع جاءت الرؤية الملكية بتشكيل لجنة ملكية استشارية متخصصة تأخذ على عاتقها رفد الجهات المشرفة على التعليم العام بالأفكار والخطط والمقترحات لترشدها في تطوير سياسات التعليم العام لتكون متفقة مع الرؤية الإستراتيجية المطلوبة لهذا القطاع، والتي يرى جلالته أن أبرز مقوماتها: تطوير التنمية الفكرية لدى الطلبة والمعلمين، بتطوير المناهج وحوسبتها وتحسين طرق وأساليب التدريس، وتعزيز مبدأ التكافؤ في فرص التعليم ونوعيته في مناطق المملكة كافة، وتشجيع ثقافة الإبداع والتميز لدى الطلبة، وبلورة ثقافة المواطنة الصالحة وتضمينها في العمليّة التعليمية والتربويّة.
لقد أعطى جلالته العلم والتعليم أولوية وطنية متقدمة، فكانت خطط تطوير العملية التربوية والتعليمية محور اهتمام وطني واسع .. فأدخلت مناهج تعليم اللغة الانجليزية من الصف الأول الابتدائي ووصلت أجهزة الحاسوب إلى جميع مدارس المملكة من خلال برامج تطوير التعليم من أجل اقتصاد المعرفة والتعليم الالكتروني.. وفي رسالة ملكية لجلالته وجهها في بداية العام الدراسي 2007 - 2008 قال جلالته: \" ندعو في مطلع هذا العام الدراسي أسرتنا التربوية الأردنية الواحدة إلى معاهدة الوطن على التميز والتنافس البناء وعلى الإقبال على العطاء والحرص على نيل المعرفة .. واعلموا أن مشوار الرفعة والازدهار يبدأ بكم ولا يتم إلا بجهدكم \"..
واستنادا للنتائج التي توصل إليها تقرير البنك الدولي حول إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي صدر في شهر شباط الماضي، فلقد احتل الأردن المرتبة الأولى من حيث مستوى التعليم على مستوى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولتفعيل دولة القانون والمؤسسات وفقا لرؤية جلالته الثاقبة تم إجراء عدد من الإصلاحات التشريعية من خلال تعديل مجموعة من القوانين والأنظمة مثل قوانين العمل والشركات وحقوق الملكية الفكرية والاتصالات حيث رافق ذلك إصلاحات قضائية وإدارية ركزت على تحديث المحاكم وتدريب القضاة.
ـ تطور القطاع الاقتصادي : ـ
وشهد القطاع الاقتصادي في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني نموا ملحوظا وكان للقاءات والمنتديات الاقتصادية التي حضرها الأردن أو استضافها في عهد جلالته اثر كبير في تسويق الأردن عربيا وعالميا وجذب العديد من الاستثمارات..
وفي عهد جلالته بدأت أرقام نسبة البطالة في التراجع بفضل ما أنجز بتوجيهات ملكية من مشروعات استطاع الكثير من أبناء الوطن خاصة فئة الشباب الاستفادة من توفر فرص عمل لهم، حيث كان من بينها مشروع استخدام مدنيين في القوات المسلحة الأردنية للعمل بقطاع الإنشاءات ليصل في مرحلته الأولى إلى خمسة ألاف مستفيد حيث ينفذ من خلال الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب. وفي آيار الماضي، وجه جلالته بزيادة أعداد المتدربين ليصل إلى \"15\" ألفا في نهاية العام الحالي، في مختلف القطاعات المهنية. ومن المتوقع أن يصل عدد المتدربين خلال السنوات القادمة إلى نحو \"30\" ألفا.
وفي خطاب لجلالته أمام المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الرابع الذي عقد في دولة الكويت الشقيقة نيسان الماضي قال جلالته \"كلنا يعرف الحقيقة والواقع: فالإمكانات الكامنة في بلداننا، والتي لم تُستغَل بعد ما زالت كبيرة جداً. فالدول السبعة والخمسون الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي لديها ناتج محلّي إجمالي لا يزيد على ربع الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا؛ بل لا يزيد على الناتج المحلّي الإجمالي لفرنسا وحدها. وحصتنا من التجارة العالمية ما زالت بسيطة؛ وهو أمر لا يمكن قبوله على الإطلاق. وما زالت التنمية غير منجزة، والتحدّيات أمامنا في اضطراد مستمر\".
وشهد الأردن خلال السنوات العشر الماضية تطورات هامة في مختلف المجالات الاقتصادية تمثلت بتعديل أنظمة وقوانين الاستثمار وتوقيع اتفاقيات مع دول عربية وعالمية فتحت أسواقا تصديرية جديدة وسياسات نقدية ومالية حافظت على استقرار الدينار الأردني.
وشهد الأردن في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني تطورا مضطردا في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية حيث غدا الأردن في مصاف الدول التي يشهد له الكثيرون في منطقتنا وفي دول العالم الأخرى بتطبيق السياسات التنموية المتميزة والتي كان لها الأثر الإيجابي في رفع مستوى معيشة المواطن . واستطاع الاقتصاد الوطني في عهد جلالته أن يحقق نموا نتيجة زيادة حجم الصادرات الوطنية والتدفقات الاستثمارية مما ضاعف من أجواء الثقة بالاقتصاد الأردني.
وكانت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ترجمة لرؤى وأهداف جلالته في الوصول إلى بيئة استثمارية جاذبة تسهم في إيجاد المزيد من فرص العمل وتعزز من الحلول المطروحة لمكافحة مشكلتي الفقر والبطالة وقد ازداد حجم الاستثمار ليشمل مشاريع عملاقة في الثغر الأردني وصلت إلى 6 مليارات دولار.
وبهدف تطوير منطقة المفرق، أطلق جلالته في تشرين الثاني 2006 منطقة المفرق التنموية على مساحة أولية تبلغ 9 كيلو مترات مربعة لإقامة مشروعات استثمارية متنوعة، من شانها توفير فرص عمل وهي الأولى من سلسلة مناطق تنموية سيتم إطلاقها في عدة محافظات في المملكة أعلن منها للان منطقتا اربد ومعان وتتجه النية لإعلان منطقتي جرش وعجلون كمنطقتين سياحيتين هذا العام 2008 بغية إيجاد حلقات تنموية متكاملة.
ويدعو جلالته إلى الاعتماد على الاستثمارات الخاصة لإدامة النمو الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مشروعات البنى التحتية الرئيسة كالمياه وتوليد الطاقة والإسكان وتطوير القطاع التجاري، إضافة إلى تشجيع الصناعات التصديرية للاستفادة من اتفاقيات المناطق الحرة المختلفة.
كما استطاع الأردن المحافظة على معدل نمو اقتصادي مرتفع، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتوقيع اتفاقيات تجارة حرة مع دول عربية، وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي زادت بموجبها الصادرات الأردنية إليها والتي بلغت عام 1999، حوالي 16 مليون دولار، لتتجاوز خلال العام الماضي أكثر من مليار دولار. كما دخل الأردن في اتفاقية الشراكة الأوروبية المنبثقة عن مؤتمر برشلونة مما أرسى أساسا صلبا لإدماج الأردن في الاقتصاد العالمي، وتوجت تلك النجاحات بانجاز مبادرة الملك بتأسيس مجموعة الدول الإحدى عشرة والتي عقدت اجتماعات لها في الأردن العام الماضي.. وتضم \"الأردن، كرواتيا، الباكستان، هندوراس، الإكوادور، سيريلانكا، جورجيا، اندونيسيا، المغرب، باراغواي والسلفادور\".
وبلغة الأرقام استطاع الأردن في عهد جلالته تحقيق انجازات اقتصادية هامة لعل أبرزها قدرته على تخفيض المديونية، حيث وصلت المديونية عام 1990 إلى 170% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما وصلت نسبة المديونية الخارجية العام الحالي إلى 29% من الناتج المحلي الإجمالي. وتم خلال شهر نيسان الماضي، تحويل مبلغ 2140 مليون دولار سدادا لجزء من ديون نادي باريس، تنفيذا للاتفاقية التي وقعها الأردن من 10 من الدول الأعضاء، والتي جاءت تتويجا للجهود التي بذلها جلالة الملك مع الدول الصديقة الدائنة للأردن. ومع تسديد قيمة الديون التي تم شراؤها يكون الأردن قد قلص ديونه الخارجية إلى 3.789 مليار دولار.
لقد وضع جلالة الملك عبدالله الثاني في سلم أولوياته القضايا الاقتصادية. وبتوجيهات ملكية عمل الأردن على تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي وتعظيم دور القطاع الخاص في التحرر الاقتصادي لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة وتوفير فرص العمل وتأمين مستوى معيشي أفضل لأبناء شعبه الأردني. وارتفعت معدلات التجارة الخارجية خلال العامين الماضيين فبلغت نسبة الصادرات 11 و 13% على التوالي، أما المستوردات فقد ازدادت بنسبة 28و 9% خلال السنوات 2005 و2006م أما خلال عام 2007م فقد ازدادت الصادرات بنسبة 10% تقريبا، وتتميز التجارة الأردنية بتنوع تركيبها السلعي وسعة توزيعها الجغرافي ويأتي كل هذا نتيجة لجهود جلالة الملك عبد الله الثاني في تعزيز عالمية الاقتصاد الأردني، وإقامة العلاقات الواسعة مع الاقتصاد العالمي الحر.
وحقق الأردن العام الماضي المرتبة الخامسة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تصنيف التقرير الدولي لممارسة أنشطة الأعمال لعام 2007 كما بلغ حجم الاستثمارات في المدن الصناعية الأردنية الخمس نهاية العام 2006 مليارا و139 مليون دينار موزعة على 463 مشروعا استثماريا وفرت نحو 41 ألف فرصة عمل . ونشير إلى الاستثمار في سوق عمان المالي الذي وصل عدد المساهمين فيه إلى مليون مساهم وبحجم تداول وصل إلى حوالى 12 مليار دينار أردني، إضافة إلى وجود احتياطي جيد من العملات الأجنبية وصل إلى 6 مليارات دولار مع تأكيد استقرار سعر صرف الدينار.
ـ الحياة البرلمانية :
وباستمرار النهج الديمقراطي الذي اختطه الأردن منذ تأسيس الإمارة اثبت الأردنيون حرصهم على ممارسة حقهم الدستوري في انتخاب من توسموا فيهم الخير لصالح وطنهم حيث جرت في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني الانتخابات النيابية في عام 2003 وعام 2007، والتي امتازت بالمشاركة الواسعة لجميع الأطياف السياسية ودور ملحوظ للمرأة، حيث شكلت الحياة الديمقراطية محورا هاما وقاعدة أساسية في بناء الوطن وازدهاره .. وتضمن خطاب العرش السامي الوعد والتأكيد والإيمان بشعار الأردن أولا ودائما والدعوة لتكريس مجتمع التكافل والتعاون وتفعيل طاقات المجتمع وتعميم الثقافة الديمقراطية.
ونستذكر قول جلالته في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة في الأول من كانون الأول عام 2003 .. \" إن رؤيتنا لأردن المستقبل تقوم على أساس راسخ قوامه أن الأردن بلد ديمقراطي عصري وجزء أصيل من أمته العربية والإسلامية يعتز بانتسابه إليها وبهاشميته العريقة وهو ملتزم بقناعة تامة بإبراز هذه الصورة المشرقة والحقيقية للإسلام عقيدة وممارسة وذلك في سبيل تعميم الأردن كنموذج حضاري في التسامح وحرية الفكر والإبداع والتميز \" .
ويحظى الشباب باهتمام بالغ من جلالته باعتبارهم عماد المستقبل ورجاء الأمل في تقدم الوطن وازدهاره .. وجلالته يضع في سلم أولوياته توفير فرص العمل لهذا القطاع الذي يشكل نسبة كبيرة من إجمالي عدد السكان، حيث اثمرت جهود استقطاب الاستثمارات إلى توفير عدد كبير من فرص العمل، خاصة للشباب المؤهل والمدرب. وجلالة الملك يحرص على مشاركة الشباب في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذلك الاستثمار في تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم، بهدف إعداد جيل من الشباب المؤهل والقادر على تلبية احتياجات سوق العمل ومتطلباته.
وبرز في عهد جلالته واضحا تطور دور المرأة في المجتمع الأردني، من خلال تحقيقها لنجاحات على الصعد المختلفة، فقد استطاعت الفوز بمقعد تنافسي عدا عن المقاعد الستة المخصصة بموجب الكوتا النسائية. وتضم الحكومة الأردنية الحالية أربع سيدات وزيرات، إضافة إلى وجود المرأة الأردنية في مجلس الاعيان والمؤسسات الأخرى، ومن ضمنها سلك القضاء الذي دخلته كقاض في مختلف المستويات.
ـ الجيش رمز الفخر وحامي الاستقلال :
وبقي الجيش العربي الأردني الباسل في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني سياج الوطن كما كان منذ تأسيسه عام 1921 حينما خاطبه المغفور الملك المؤسس قائلا :
\"يا جنودنا ويا أبناءنا انتم سياج وطنكم ويوم الاستقلال هذا هو الفجر اللامع من بريق سلاحكم واني لمغتبط لما شهدت من حسن نظامكم وتدريبكم وارجو ان تكون العاقبة لكم ما دمتم المثل الذي يحتذى في التضحية باسم الامة العربية وفي البسالة والطاعة واداء الواجب كان الله معكم وأعزكم واعز الوطن بكم\"
.. وما زال هذا الجيش يحمل اسما عروبيا انطلاقا من مبادئه التي تأسس عليها منذ فجر تاريخ الأردن \" الجيش العربي \" ..وتحظى القوات المسلحة الأردنية باهتمام ورعاية خاصين من قبل جلالته من حيث الدعم والتجهيز والتسليح ورعاية منتسبيه .وقد اكتسبت قواتنا المسلحة ثقة وسمعة دولية جعلتها تحتل الترتيب الثاني في حجم قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة.. وتفخر هذه القوات بإنجازاتها في مجالات التنمية المحلية وكذلك التصنيع العسكري خاصة وان جلالته يرعى سنويا معرض سوفكس العسكري الذي يضم جناحا خاصا للتصنيع العسكري الأردني من خلال مركز الملك عبدالله للتصميم والتطوير .
ويوضح جلالته دائما الصورة النقية والحقيقية للدين الإسلامي الحنيف ..وجاءت رسالة عمان التي تمت ترجمتها إلى لغات عدة لتكون رسالة إلى العالم اجمع تخاطب العقول وتدعو لتعزيز التسامح ونبذ الإرهاب والتطرف.
وللقدس الشريف والمقدسات الإسلامية مكانة خاصة في عقل وقلب جلالة الملك عبد الله الثاني كما كانت على الدوام في عقول وقلوب الملوك من آل هاشم حيث أزيح في شباط 2007 الستار عن منبر صلاح الدين الأيوبي داخل المسجد الأقصى المبارك والذي أعيد تصنيعه بمكرمة ملكية هاشمية سامية عكست حرص الهاشميين على المحافظة على المقدسات والآثار الإسلامية في مدينة القدس .
وبقي الأردن على الدوام مناصرا للقضية الفلسطينية ومطالبا بإحقاق الحق وإحلال السلام الشامل والعادل.. وفي كل لقاءات جلالته مع قادة دول العالم كان يؤكد على ضرورة العمل على إنهاء الحصار الظالم والمعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وتأمين المساعدات التي يحتاجها والتي تجنبه الوقوع في أزمة إنسانية جراء الظروف الصعبة التي يعيشها.
ومن هنا فإنه ليحق لنا في أردن العروبة و الكرامة والشرف والإيثار .. أن نطلق لرؤوسنا العنان لتعانق ضياء الشموس ابتهاجا بهذه الذكرى التي نحتفل بها لأنها رمز كرامتنا و تجديد لعهود المحبة والوفاء لوطننا وقيادتنا المظفرة .. وأن نطوق الوطن بأكاليل الغار والياسمين ، فحق لنا أن نزهوا في كل يوم تشرق فيه شمس الخامس والعشرين من أيار تاريخ الوجود الاردني الحر ، حين كسر قيد الطامع والحاقد ، واعلنها أردنية خالصة شماء ، كانت مع الله دائما ، والله نرجو ان يكون معها ويحفظ الاردن قيادة وشعبا .. وكل عام وانتم بخير