facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إطالة أمد إجراءات التّقاضي * د.محمود عبابنة


28-01-2016 02:07 PM

المحاكم هي بيوت العدل وتكريماً لها أطلق عليها قصور العدل وهي ملجأ الضعيف والمظلوم المحتمي بالقانون الذي يتصف بقواعده المجرده والعامة فلا يهاب متنفذ أو عشيرة أو غني أو صاحب سلطة.

وحق التقاضي للجميع من الحقوق المكفولة بالدستور، كما أن أبواب المحاكم مفتوحة لجميع الأفراد للمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها والمحاكم التي نص الدستور في الدولة المدنية الديمقراطية على قدسيتها واستقلالها هي القضاءالعادل الذي يقوم على توطيد اركانه فرسان العدالة السادة القضاة. ومن المألوف والطبيعي أن تتوقّف المجتمعات الحية عند حال قضائها سواء على مستوى قضاء الموضوع، اوقضاء التنفيذ لمراجعة تطورهما، والتيقن بين الحين والآخر من صحه وسلامه كل منهما، حيث قيل أنّ "الدعوى تُربح مرتين: مرة أمام محاكم الموضوع، ومره أمام قضاء التنفيذ".

وفي الأردن شُكّلت أكثر من لجنة للإصلاح القضائي، وكذلك لا تخلو خطابات العرش السامي من تأكيد جلالة الملك وتوصيته على تحسين مرفق القضاء لتسيير إجراءات التقاضي وتنفيذ أحكامه، ولنا أن نستذكر قول جلالته لأحد رؤساء المجلس القضائي: "….كما لا بد من التذكر بأهمية دعم مرفق القضاء لضمان فصل سريع للنزاعات يحمي أحوال المتقاضين، ويرتبط بهذه الجهود ضرورة إعادة النظر في بعض التعديلات القانونيّة الناظمة للعمل القضائي ومواءمتها مع التعديلات الدستوريّة التي من شأنها تسريع الفصل في الدعاوى والإسراع في تنفيذ الأحكام....".

وهذه هي النظرة المثالية لعمل المحاكم، التي تتسابق الدول الديمقراطية الراقية على تجسيدها فعلاً لا قولاً، ولما لذلك من أثر في طمأنة أفراد المجتمع وتعزيز ولائهم لبلدهم، وتوطين الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، إلا أن الواقع على غير هذه الصورة الزاهية في كثير من الدول، فعندما تتردّد عبارات على ألسنة الناس مثل: (حبال المحاكم طويلة) أو (صلح خاسر خير من قضية رابحة)، أو أنّ (العدالة البطيئة أشد عاقبة من الظلم)، أو (روح على التحكيم وادفع... الله بعوضك) ندرك الوجه الآخر لعمل المحاكم

وممّا لا شك فيه أن السمة الغالبة على قضائنا هو النزاهة والحيدة، وهو يزخر بالكفاءات التي نعتز بها، إلاّ أن الكمال لله وحده ولا يضيرنا أن نتلمس بعض أوجه القصور هنا وهناك، وتلك التي تسبّبها بعض التشريعات القاصرة عن تحقيق المطلوب منها. وفي مقدمة ما يُجمع عليه عدم الرضا هو بطء إجراءات التقاضي وإطالة أمد الفصل في المنازعات المدنية على وجه الخصوص، كما يتبع ذلك الخضوع للنصوص والآلية الرّخوة في تنفيذ الأحكام التي تكَّفل بها قانون التّنفيذ رقم (25) لسنة 2007، والذي كشف تطبيقه عن ثغرات وعيوب تستدعي تعديلاً تشريعياً طارئا يقوم على مخرجات التجربة ومبعث الحاجة، والانسجام مع التّطور لإكمال الدورة الطبيعية الناجزة لصدور الأحكام من مختلف درجات المحاكم وتنفيذها بيسر وسهولة في دولة القانون والمؤسسات.

إن موضوع إطالة أمد التّقاضي أمام المحاكم ليس جديداً وطارئاً، بل هو قضية مزمنة وعامة منذ عقود، وهو سلبية تواجه الكثير من أصحاب الحقوق، وهو مسؤولية اجتماعية تتكفّل الدولة وذوي الاختصاص والمجتمع بحل معضلتها. ولا يتحقق ذالك إلّا بالفصل في المنازعات بعدالة وبوجه يتّفق مع نصوص القانون ،و بصدور الأحكام بالسرعة المطلوبة، لأن بطء العدالة قد يعتبر إنكارٌ لها، وربما يؤدي التّأخير بالفصل في الحقوق إلى تفويت الفرصة على صاحب الحق من الاستفادة الكاملة لحقه المسلوب، وهذا ينسحب على مرحلتي التّقاضي والتّنفيذ. فما هي الفائدة من الحكم بمبلغ مالي حكماً قطعياً مع إمكانية مماطلة المحكوم عليه لسنوات يموت خلالها صاحب الحق أو الحكم القطعي!!؟

مشكلة إطالة أمد التقاضي لا تعزى إلى جهة معينة من الجهات المختصة وذات العلاقة بإجراءات التقاضي، فلا يتحمّلها القضاة الأجلاء وحدهم، أو الموظفون العاملون في المحاكم، وكذلك لا يتحملها المحامون وحدهم، ولا نصوص القانون الرّخوة، ولا المحضرون المتقاعسون عن العمل ولا الخبراء الغائبون. بل إن جميع هذه الأطراف المشار إليها جميعاً مع المتخاصمين في دعاوى التقاضي والتنفيذ هم مسؤولون بالتكافل والتضامن عن هذه المشكلة. فلا يجوز تأجيل قضايا القاضي المجاز، كما لا يجوز للمحامي أن يطلب التأجيل لعدم استعداده بحجة موت قريب له (لم يمت)، ولا يجوز للشّاهد التّخلف عن الحضور لأول مرة، ولا يجوز للمحضر أن يتراخى بالتبليغ لأي سبب كان، وإن قام به يتوجّب عليه أن يقوم به على أفضل وجه مع تدوينه اسم الشاهد بوضوح، وعنوانه على تباليغ الالصاق، ولا يجوز للخبير أن يتسلم الملف ويغيب لعدة شهور، أما بالنسبة للنصوص القانونية فقد طالبنا بتحديد حالات الاستئناف وإتاحته لمرة واحدة فقط. وما زلت أعجب كيف يتم استئناف قرار قطعي في مرحلة التنفيذ، هل المقصود زيادة استيفاء رسوم للدولة !!! ما الذي سيتغيّر بهذا الحكم سوى وقف التنفيذ لعدة شهور ثم عودة القضية مردودة لوجود حكم قطعي.

إن مسألة المماطلة والتسويف من خلال طلبات التاجيل المتكررة للتلبيغ،و تقديم البينة ، واحضار الشهود ، و دراسة الملف ، وطباعة القرار ، و التأكيد على الخبيرللمرة الثالثة أو الرابعة لإحضار تقرير الخبرة وتأجيلات أخرى غير مبررة هي من أبرز معالم مشكلة إطالة أمد التقاضي، ومن أحد الطرائف التي تروى عن مماطلة أحد المحامين والإسهام بتأجيل القضايا، أن أحد المحامين الحديثي التخرج ذهب إلى والده المحامي ليخبره بإنتهاء القضية التي ذهب لتمثيله بها لأول مرة، فما كان من والده إلا أن اعتراه الحزن والذهول
وقال لولده المحامي الشاب، ألا تعلم أن هذه القضية صرفت على تعليمك وإخوانك على مدى السنوات السابقة.

وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذه القصة، إلّا أنها أصبحت من التراث الأدبي القضائي وترمز إلى مشكلة إطالة أمد التقاضي ممّا دعى الكثير من الأفراد إلى المصالحة على حقوق منقوصة بدلاً من اللجوء إلى المحاكم. كما أسهم ذلك في تسويق التحكيم الذي أخذ بالازدهار في الأردن، والتّحكيم هو طريق مشروع لتسوية النزاعات بطريقة اسرع ولكنه للقادرين على تكاليفه الباهظة، فهو كمن يتعالج في مستشفى خاص وبرفاهية غرفة مكيفة مع تلفزيون، بدلاً من الاستشفاء في غرفة بسيطة وبدون شباك يجلس بها قاضٍ عفيف يحقق العدالة للفقراء والأغنياء على وجه سواء.

إنّ إستفحال ظاهرة بطء إجراءات التقاضي ليست من سمات الدولة الديمقراطية (دولة القانون والمؤسسات)، ومعالجتها والتصدي لها هو على جانب كبير من الأهمية، ولا سيما ونحن نعيش حالة الربيع العربي إن كان ربيعاً، فضمان العدالة الناجزة التي لا يشوبها ظلم إطالة أمد التقاضي, يهدئ من روع المظلومين، ويعزز من حس المواطنة الصالحة، كما يسهم في البناء الاقتصادي السّليم والقائم على السرعة والائتمان، ويساعد على جذب الاستثمار الأجنبي والذي بدوره يساعد على مكافحة ظاهرتي الفقر والبطالة.

ويقع على كاهل مؤسساتنا المختصة وقضاتنا ومشرعينا ومحامينا وأفراد مجتمعنا أن يسعوا بخطى ثابتة لكبح جماح هذه الظاهرةالسلبية.

قاضي سابق وأستاذ في كلية الحقوق / الجامعة الاردنية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :