* محادين: التجارة والمسؤولية لا تجتمعان في العمل العام

* شخصيات تسللت إلى أرض الوطن ومن جدرانه كالأفاعي

* أكره الصالونات السياسية

* هيبة الدولة من هيبة رئيس حكومتها

* لم أتوافق مع عبدالله النسور

* الحكومات لم ترق لرفع سوية الاعلام

عمون - سعد الحمد - تشرب الصلابة من تاريخ الكرك وارتشف روح الوطن من عروق مولده "سمرا" حتى خط بالوان ريشته عشقا سرمديا لأرض "الهية".

تربى الوزير الأسبق والعين والسياسي والمعماري الدكتور كامل عودة الله فالح محادين بين اكناف والديه حيث تعلم حب العلم وعشق الوطن ومحبة الناس ونصرة المظلوم من والده الذي امضى عمرا طويلا في الترحال يخدم وطنه، ومن مدرسته الأولى في الحياة من والدته شركسية الاصل والمنبت تعلم الصبر والمثابرة والرسم وحب الخير للآخرين.

"عمون" حاورت العين محادين، تالياً:

شخصيته

كان يرغب بأن يكون حاكما اداريا، إلا أن القدر شاء له أن يكون مهندسا معماريا، لا يطلب المنصب، لا يطعن برئيس حكومة كان فيها وزيرا، يعشق العمل الميداني اثناء تحمله المسؤولية، لا يناكف لكنه يوصف بأنه "دقر وليس سهلا لا يقبل ان يأتي شخص على كرامته".

لا يحب الصالونات السياسية ولا النميمة السياسية التي لا تجلب إلا المضرة للوطن، لأنه يعتقد أن العمل هو الاساس لأي نجاح والانتقاد الايجابي مطلوب ومسموع.

رفض وابناؤه العمل في الولايات الأمريكية المتحدة كما لم يسعا الى الجنسية، لأنهم فضلوا الخدمة في وطنهم.

رحلته بين ضفتي قلب النهر

ولد محادين عام 1954 في نفس قرية والده فتربى برعاية والدين كريمين، حيث ولد في قرية سمرا في الكرك وترعرع ودرس فيها ثم انتقل إلى السلط لينهي فيها المترك وبعدها انتقل إلى بغداد للالتحاق بالكلية الحربية إلا أنه لم يمض على ذهابه إلا 6 اشهر فأعاده والده إلى المملكة لينضم للعمل الحكومي".

والده امضى ثلاثين عاما في العمل الحكومي وتدرج فيه من مأمور جوازات إلى مدير ناحية إلى قائم مقام إلى أن وصل إلى مرتبة متصرف حتى انه تنقل بين 16 مركزا اداريا.

محادين لم يعش في قريته مسقط رأسه بسبب طبيعة عمل والده، حيث انتقل والده للعمل حاكما اداريا في عام 1958 في قرية سلفيت في محافظة نابلس، وكان حينها عمره لم يتجاوز الـ4 سنوات.

وتنقل ابو كامل بين ضفتي قلب نهر الأردن فمن سلفيت إلى كفرسوم التي بدأ فيها دراسته الابتدائية فكان البرد والجمال يجتمعان فيها.

لم يطل المكوث في كفرسوم حتى لبى والده نداء العمل ليخدم 5 سنوات اضافية في الضفة الغربية من قلب نهر الأردن إلى اريحا ثم رام الله وبيت لحم، ومن بعد هذه الرحلة تدفعهم رياح العمل إلى الطفيلة الهاشمية ليتسلم فيها والده قائم مقام وكان الدكتور محادين في الصف السادس واستمر العيش فيها حتى عشقها قرية قرية وحجرا حجراً وشجرة شجرة ولا ينسى معلميه محمد شبيلات وفؤاد العوران وماجد العوران وعبد الحفيظ الخمايسة.

لم يتوقف ترحال والده عند هذا الحد فانتقل إلى بقعة جديدة من الوطن احتضنت اعمام والده لأنهم استقروا فيها وهي الزرقاء المدينة الصاخبة واستمر فيها عامين إلى أن حان الرحيل للمفرق الهادئة في عام 1971.

رافق محادين العديد من الشباب في محافظة المفرق التي انهى فيها الثانوية العامة من بينهم عبد الكريم الدغمي، سامي الحايك ومحمد جروح وغسان النمري، إلى أن حصل على بعثة إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وهنا بدأ محطة جديدة من حياته.

ويصف محادين هنا شخصية والده ويقول "والدي صلف وحازم ويحب العدل بين الناس لا يقبل التعدي على حقوق الناس، يحب الهاشميين ولا يقبل أحد أن يتعدى عليهم، عاشق لتراب الوطن ولا يقبل أحد أن يدوس كرامته مهما كلفه الأمر".


مذكرات الأب والأبن

ورث الدكتور محادين من والده عشق كتابة مذكراته حيث جمع والده مذكراته منذ عام 1942 واحتفظ بنحو 4 آلاف صورة جمعها من خلال الكاميرا التي كانت بحوزته.

ولهذا شابه اباه في كتابة كل لحظة يمر فيها فكتب مذكراته في 100دفتر، ليرصد كل حركة اقدم عليها أو حوار شدَّه في كل مراحل حياته.

واحتفظ بـ48 رسالة ارسلها له والده خلال دراسته في بيروت فكانت وصايا لا تنسى طبقها في تربية ابنائه.

والده ووصفي التل

لوالده قصة مع الشهيد المرحوم رئيس الوزراء الاسبق وصفي التل، كما يروي لـ عمون، حيث احيل إلى التقاعد 3 مرات واستمر إلى ان تقدم هو بطلب التقاعد.
بدأت القصة عندما قرر التل احالة والده إلى التقاعد ثاني مرة إلا أن التل تلقى 38 برقية من الطفايلة من بينهم عبد الله العوران لإبقاء والده في الخدمة، حتى انه رفض التخلي عن المركبة الحكومية حينها، واستجاب وصفي لطلب المواطنين واصر والده البقاء في الطفيلة ورفع ترفيعا استثنائيا.

وبعد هذه القصة طلب والده احالته إلى التقاعد لأنه لم يستطع الاستمرار براتب شهري مقداره 250 ديناراً حينها ورفضت الحكومة زيادة راتبه، ثم انتقل لعمله الخاص فافتتح محلا لبيع ادوات الصيد.

وعند سماع والده باغتيال وصفي التل قال "لقد فقدنا اتزاننا"، لأنه يعرف أن وصفي من الرؤساء الذين اجندتهم الوطن ولا يوجد له اجندة شخصية.


من بيروت للولايات المتحدة

بعد أن تفوق بالثانوية العامة في المفرق التحق الدكتور محادين "ابو طارق" بالجامعة الأمريكية عام 1972 بعد اصرار والده على ذلك، وبعد أن بدأت دراسته اقتنع واحب هندسة العمارة فدرس فيها 4 سنوات، إلا أن الحرب الاهلية اللبنانية حالت دون اكماله لدراسته هناك فعاد إلى ارض الوطن، ليحاول اكمال بعثته، إلا أن اصحاب النفوذ ارسلوا ابناءهم من زملائه إلى الولايات المتحدة، إلا أنه تأخر 7 أشهر لحين الموافقة على اكمال دراسته اسوة بزملائه.

بيروت اثرت في محادين كثيرا وعلمته الكثير في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وكان والده يحذره من الانتساب للأحزاب فكثف تركيزه في دراسته.

وفي عام 1979 تخرج محادين مهندسا معماريا من جامعة ولاية كنساس الأمريكية الرسمية بتقدير جيد جدا.


الجامعة الأردنية بدلاً من التربية والتعليم

عاد لأرض الوطن لكنه صدر تعيينه في دائرة المشاريع بوزارة التربية والتعليم لأنه مبتعث من الحكومة وعلى نفقتها بدراسته الجامعية وعليه الالتزام معها، إلا أنه رفض لرغبته أن يكون معيدا في قسم هندسة العمارة في الجامعة الأردنية.

وتطلب منه الأمر مشقة جديدة لكي ينقل التزامه من التربية إلى الجامعة الأردنية وهو ما تم فعلا.


الولايات المتحدة مجددا مع شريكته

عاد محادين إلى الولايات المتحدة لإكمال دراساته العليا ولكن هذه المرة برفقة زوجته ابن خالته "ام طارق" التي تزوجها في عام 1982.

وانتقلا إلى ولاية لويزيانا لينضم إلى كلية هندسة المواقع المعمارية، إلى ان اصبح عضوا ممارسا لهندسة تنسيق المواقع وعضوا في الجمعية الامريكية لهندسة المواقع.

ايام لا ينساها مع رفيقة دربه التي قدمت له ولأبنائه كل الدعم والصبر والتحمل لنجاح منقطع النظير حتى حقق 4/4 في دراسته وحصل على 8 جوائز وشهادات علمية.


اكاديمي ومزاول

عاد إلى الأردن في عام 1987 وعين استاذا مساعدا في قسم العمارة في الجامعة الأردنية، وعلى الفور قرر أن يزاول التصميم المعماري فأسس "محادين للاستشارات الهندسية" وهي الأولى من نوعها في المملكة.

واستمر بإعطاء الدورات والاستشارات في الجامعة الأردنية وامانة عمان ومؤسسات أردنية مختلفة في مجال "اللاند سكيب". وأصبح رئيساً لقسم الهندسة المعمارية لمدة خمس سنوات واستمر في الاردنية حتى حصل على رتبة الأستاذية عام ٢٠٠٥.

وقدم تدريبات في دول عربية متعددة، كما ألّف العديد من المؤلفات ومن كتبه "البحث عن النوعية"، و"ذكريات مرسومة"، اضافة إلى ٥ كتب خرى.


العمل العام

لا يدري محادين كيف التحق بالعمل الحكومي لكنه على يقين أن اجتهاده في مجال تخصصه لعب دورا اساسيا في ذلك.

والتحق بالعمل في وزارة السياحة كمستشار في تصميم المواقع الأثرية حتى اصبح مديرا لأقليم البترا وبعد 3 سنوات من العمل الجاد صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه وزيرا للمياه في حكومة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة في عام 1999 وهي اول حكومة في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني وهي الفترة التي انقطع فيها عن التدريس.

يعتبر محادين تعيينه وزيرا في عهد جلالته فترة متميزة ومرحلة جديدة في حياته اضافت لها خبرات متنوعة رغم انها سرقته من عمله الذي يحب وهو التدريس.

ولا يخفي أنه خرج مديونا من المناصب العامة لأنها شغلته عن عمله الخاص، إلا أنه كان سعيدا في خدمة وطنه ومليكه.


العودة لريشته وصومعته

بعد عام ونيف من العمل كوزير في الحكومة عاد واعتكف في صومعته الجامعية والاستشارية ليبحر في الكتب والمعرفة والتدريس مجددا، حاملا ريشته ليرسم حاضره وماضيه ومستقبله برفقة زوجته وابنائه.

وكان جل تركيزه على العمل المعماري والتأليف حتى اصبحت كتبه تدرس في أم الجامعات الجامعة الأردنية والجامعة الامريكية في بيروت.

محادين يعتبر رسمته كلمته وقلمه سيفه وعمله عنوانه، عشق الوانه المائية التي يخط فيها اجمل المحطات الانسانية في وطنه.


مع الروابدة مستشارا ووزيرا

عمل محادين مع رئيس الوزراء الاسبق عبد الرؤوف الروابدة في محطتين الأولى عندما اعجب به الروابدة ودعاه ليعمل مستشارا في الأمانة بعد القائه محاضرة في الجامعة الأردنية ابان عمله امينا لعمان.

وطلب حينها الروابدة منه المساهمة في تجميل عمان من خلال العمل على العديد من المواقع بأقل التكاليف، اضافة إلى تدريب العديد من موظفي الأمانة وتحديدا في دائرة الحدائق.

وفي المحطة الثانية كان لقاؤهما في تشكيل أول حكومة في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني وزيرا للمياه والري.


حكاية العقبة

عين محادين رئيسا لسلطة العقبة الاقتصادية الخاصة قبل تكليف رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله النسور برئاسة الحكومة اي في شهر 8 من عام 2012.

وكان الكثير يراهن على عدم استمراره في العقبة خصوصا في ظل اجواء الربيع العربي التي سادت في تلك الفترة، إلا أنه استمر في العقبة اكثر من عامين و4 اشهر وهي ثالث اطول خدمة لرئيس سلطة.

ولا ينكر أنه تقدم باستقالته من العقبة لأنه عاش فترة طويلة من عدم الوفاق مع رئيس الحكومة السابق عبدالله النسور وبعض من فريقه الوزاري، اضافة إلى مطالب النواب الشخصية التي لا تتوقف، إلا أن بعض النواب انتصروا له حقا لإنصافه كالعودات والضلاعين، هاكوز، الشرفا والزوايدة من النواب السابقين.

ويستهجن أن يقال إن العقبة مستقلة بقرارها وهي تعاني من تدخل وزراء عمان بشكل مستمر، حتى وصلت برئيس الوزراء التدخل بسفر رئيس السلطة.

ولم يلب طلبا شخصيا لنائب بل كان يلبي كل ما فيه مصلحة عامة فقط، بالمقابل انصف ١٠٠ مفصول من العمل من الطبقة الفقيرة وانتصر لهم وعين 18 شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتحققت العديد من الانجازات في عهده كانت متعثرة سابقا، ولا يتردد بالقول بأن التعقيد في العقبة من عمان وليس من اهلها.

ولم يمنح اي شخص قطعة ارض في العقبة ولا للقطاع الخاص وحرص على الحفاظ على 12 كم من الشاطئ ان تبقى للناس.

ويعتبر أنه من اول المسؤولين الذين تضرروا من اداء حكومة الدكتور عبدالله النسور لكن جلالة الملك اكرمه بالعينية في مجلس الاعيان.

المسؤول بين الأمس واليوم

يرى أن هيبة الدولة من هيبة رئيس حكومتها، وبرعمة المؤسسات اضعفت العمل العام، ولا يعتقد أن هيبة المسؤول من طول لسانه بل بعمله وانجازه ونزوله للميدان والاحتكاك بالمواطن وفتح ابوابه امامهم فمن يحب النظام عليه ان يلتقي الناس يحاور ويتعامل مع المواطن بحس كبير من المسؤولية.

وينتقد برعمة المؤسسات وتغليب دور المدراء في المحافظات على دور الحاكم الإداري الذي يمثل جلالة الملك في المحافظة.


ويستهجن ان تقوم حكومة بقرار بالموافقة على منع مزدوجي الجنسية بتولي المنصب العام ثم تعود وتسحب كلامها.

ويعتبر أن القيادة تختلف عن الادارة ولا يرى هذه الايام وزيرا ميدانيا الا ما ندر كما كان في سنوات سابقة.

وبخصوص الادارة يقول :"لا يوجد موظف سيئ لكن يوجد مسؤول سيئ لا يقدر الامور وقت الايجابيات أو السلبيات، لهذا على المسؤولين ان يكونوا على قدر كبير من الكفاءة تعلمهم أنه يوجد في الحياة الثواب والعقاب.

ويستذكر المسؤولين القدامى في الأردن الذي اختطوا قاعدة "سلطة الذكاء لا ذكاء السلطة"، في عملهم وتعاملهم مع المواطنين، لأنهم اعتمدوا على مخزون خبرتهم وثقافتهم.

ويريد أن يذكر المسؤولين أن الأردن ليست فقط عمان سواء غربها أو شرقها، الأردن دلاغة وصبحا وصبحية وغيرها من قرى الأردنيين.

ولايخفي أن هناك شخصيات تسللت إلى ارض الوطن ومن جدرانه كالأفاعي لا يعرفون قيمته ولم "يسفوا من ترابه"، فعاثوا فيه فسادا.

وغير مقتنع أنه التجارة والمسؤولية في العمل العام يجتمعا سويا، قائلا :"لا تجتمع التجارة والمسؤولية".

رجل غريب في بيت الوطن

ويستذكر محادين جلسة لمجلس وزراء مصغر عندما كان وزيرا فكان يتحدث عن قطاع المياه فقاطعه شخص جالس في القاعة لكنه لم يعرفه.

وبعد أن واصل حديثه محادين قاطعه مرة اخرى هذا الشخص فرد عليه لا تقاطعني انت مرة اخرى وإلا سأقوم وانهي الاجتماع، فردت عليه وزيرة حينها اهدأ وإلا صار مستقبلك السياسي في خطر.

هذا الشخص الغريب الذي جلس في مجلس الوزراء المصغر يومها اصبح له شان كبير بعدها حمل الجنسية منذ تسعينيات القرن الماضي فكان له ما كان من قوة، و يقول محادين عنه :"ما سف من تراب الوطن ولا يعرفه".

الحكومات لم ترق لرفع سوية الاعلام

برأيه أن حصافة الاعلام دون المستوى المطلوب والحكومات لم ترقى لمستوى رفع سويته في السنوات الماضية.

ومحادين يرى أن الاعلام يخطئ عندما تمنع المعلومة عنه من قبل المسؤول، ولا مانع من انتقاد المسؤول لكن بعد سماع وجهة نظره لا ان تكتب المعلومات دون حقائق. ان المدارس الصحفية متعددة وهناك صحفيون وكتاب متميزون اثروا مسيرة الوطن


والدته مدرسته الاولى

طفولته لم تكن متعبة بل كانت مريحة ولم يكن شقيا بل هادئا وكان مدللا لاجتهاده في المدرسة وهو بكر والديه.

والدته صاحبة الاصول الشركسية من عائلة الاسطة لا تنطق إلا بالمحبة حافظت على توازن العائلة، فكانت المربية له ولإخوته والمدرسة لهم، كما انها مجيدة للرسم والخياطة وكأنها ورثته حب الريشه.


زوجته وابناؤه

زوجته خالدة محمود الأدهش المعايطة "أم طارق" وهي من وقفت لجانبه فأعانته في تربية ابنائه وكانت هي الحافظ لهم بعد الله تعالى، فسخرت كل طاقتها لدعمه والشد من ازره حتة وصل إلى ما وصل اليه من نجاح.

ابناؤه طارق، يزن وعامر وابنته تمارا هم نجوم حياته فأصبح ابناؤه الشباب سندا له عشقوا ما عشقه من رسم وهندسة وعمارة.