اعتدنا قبل حلول شهر رمضان المبارك إلى إنسحاب الفتيات والنساء من التجمعات الصيفية مع اقتراب عقارب الساعة من العاشرة مساء ودخولهن البيوت رغم حرارة الصيف المرتفعة وسط علامات استنفار غريبة... حيث توضع الهواتف الخلوية جنبا وتغلق الكتب مهما إحتاج اليوم التالي من دراسة، وتتوالى الاعتذارات عن الزيارات الليلية أو مجاملة ضيوف نضطر لاستقبالهم، حالة أشبه بحظر التجول وغرف الجلوس المنزلية تبدو كقاعات للتحقيق، فالكلام غير مباح والعيون موجهة صوب التلفاز وقلوب أنثوية انتظرت 24 ساعة لمتابعة حلقة جديدة من المسلسل التركي الساحر "نور" وتحقيق أمنية شعار قناة روتانا "مش حتقدر تغمض عينيك"، فبات المسلسل يربط الأسرة ويجمع شملها في وقت عرضه.

فقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن ظاهرة المسلسلات التركية التي استطاعت أن تستحوذ على اهتمام ومتابعة عدد هائل من المشاهدين في الوطن العربي وأصبحت حديث البيوت والشوارع لا بل شغل السلطة الرابعة وما أقعدها وأصبحت الصحف اليومية والمواقع الالكترونية تطالعنا بأخبار وتحليلات حول آثار هذه المسلسلات من حالات طلاق وإغماء الخ.

ومن أهم هذه المسلسلات، مسلسل الحب والاحترام والوئام مع الوسامة والجمال والرومانسية، مسلسل " نور" المدبلج إلى اللغة العربية باللهجة السورية المحكية والذي عرض على قناة mbc وحظي بجماهيرية عالية والذي رفعت الضجة الإعلامية التي أثيرت حوله نسبة مشاهديه حتى لو بدافع الفضول وقد كنت واحدة من أولئك الذين دفعهم فضولهم لمشاهدته ومن ثم الإدمان على متابعته، رغم عدم وجود أي إبداع في السيناريو أو تميز في التصوير وبطء الحركة والحبكة الدرامية المملة.

وفي هذا السياق، صرح السيد مازن حايك، مدير عام التسويق والعلاقات العامة والشؤون التجارية في مجموعةmbc، بان المسلسل حصد أعلى نسبة مشاهدة مقارنة بأي عمل درامي آخر عرض على شاشات التلفاز في العالم العربي خلال السنوات المنصرمة وأضاف حايك: بأن 85 مليون مشاهد تابعوا إسدال الستار على الحلقتين الأخيرتين للمسلسل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

واجزم أن المسلسل احتوى الكثير من الايجابيات التي أدت إلى تعزيز نسبة المشاهدة، فإذا تركنا وسامة بطل المسلسل "مهند" الذي هامت به نساء كثر... وجمال وسحر البوسفور وأناقة نساء تركيا.... عن طريق مساهمته في إحياء رومانسية الزوجات حتى أن كثيرات قلدن البطلة "نور" في التعامل مع أزواجهن واحتوائهم لكنهم في المقابل صرن يطمحن بعاطفة تشابه تلك التي يقدمها "مهند"، وبأن تتحول عواطف الرجال الفاترة تجاههن إلى عواطف جياشة كون مجتمعاتنا العربية تفتقر إلى ذلك الكم الهائل من الحب والقدرة على التعبير عن المشاعر المكنونة ضمن إطار الشرعية الزوجية وليس شكل مهند ولا القدر الكبير من الحنان والعاطفة بين نور ومهند هو الأهم في غياب كلمات الحب والحنان بين الأزواج إذ استطاع المسلسل إعادة قدر من الحب إلى مؤسسة الزواج التي قد يخرج منها في بضعة أشهر أو في ابعد تقدير بسنوات إلا في حالات نادرة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة.

ومن الايجابيات التي تسجل للمسلسل ما شاهدنه من مشاعر صادقة لدرجة أننا لم نرى مهند يقبل زوجته "نور" إلا على جبينها أو على رأسها ولمس الجميع العديد من العادات العربية والعبادات الدينية،لعل من أهم ما في المسلسل تسليط الضوء على أهمية الصدق بين أفراد العائلة وبذل الجهد الكبير والإخلاص في العمل وإحترام الرجل المسن فلم نشاهد إبنا يشتم أباه أو أمه كما يحصل في المسلسلات العربية ولم نشاهد عريا أو راقصات عاريات أو قتل أو نصب أو خيانات وهو ما يأخذ حصة الأسد في الكثير من المسلسلات العربية بل شاهدنا الجميع يقبل يد الجد "فكري" فله الأمر والطاعة وإذا مرض فرد من أفراد العائلة وجدنا الجميع في حالة طوارئ واستنفار، حتى الخدم كان لهم القدر الكبير من الاحترام والمعاملة الحسنة وكأنهم من أفراد العائلة.

للآسف،الضجة التي صاحبت المسلسل ساهمت في الدعاية والتسويق له ولفت الأنظار إليه من قبل غير المعنيين بمشاهدته حتى لو بدافع الفضول، وكذلك صدور فتوى تحرم مشاهدته نشط الترويج له وكان عاملا أساسيا لانشغال السلطة الرابعة اليومي بالحديث المفرط والنقاش الحاد حول هذا المسلسل في حين كان من الأجدى الاهتمام بقضايا إنسانية يومية لتكون حديثا وسجالا كبيع الكلى وغسل العار وتجارة الأعضاء وغيرها من القضايا الهامة (التي سأتطرق لها في مقالات قادمة منفصلة قادمة بإذن الله) والتي تعتبر خطرا حقيقيا يهدد مجتمعاتنا أكثر من ذاك الفتى مهند!!!!!

وأحيي جمعية نهضة المرأة العربية وبالتعاون مع مؤسسة الأمل للإنتاج الفني بدعوة الممثلة التركية "سونغول اودين" التي أدت دور نور في المسلسل إلى زيارة عمان والتي لم تتمكن من مرافقة بطل المسلسل مهند في زيارته السابقة قبل نحو شهر، واستغلال شهرتها بتخصيص برنامج شامل يتضمن زيارة بعض الأماكن السياحية والأثرية والمراكز الخيرية ومن المتوقع أن تستغرق الزيارة يومين سيتخللها إقامة حفل إفطار بتذاكر مرتفعة السعر ويرصد ريع هذا الإفطار لصالح دار النهضة للفتيات اليتيمات المنبثقة عن الجمعية التي ترأسها فخريا سمو الأميرة تغريد محمد لدراسة أحوال واحتياجات الأطفال الأيتام وتقديم العون لهم..

أقول: كفانا حديثا عن هذا المسلسل وحول جوازه وتحريمه، ونحن الذين نطالب بالديمقراطية وحرية التعبير، فهنالك أكثر من 500 قناة فضائية تستطيع التنقل بينها بكبسة زر إن لم يرضيك هذا المسلسل أو ذاك دون فرض رأيك على الجميع...