facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الحب في زمان الكوليرا الطائفية ..


د. زيد نوايسة
14-02-2017 05:01 PM

في قريتنا لم نعرف أن هناك عيداً "للحب" لكن الناس كانوا يحبون بعضهم أو على الأقل كان منسوب الكراهية أقل بينهم فطبيعة الحياة وقسوتها تجعل الحب والكراهية من أدوات الرفاهية فهم مشغولين بما هو أهم وهو مكابدة الحياة...

حتى مرحلة الثانوية العامة لم أكن أنا شخصيا وكل جيلي نعرف أن هناك يوماً مخصصاً يتبادل فيه الناس الورد الأحمر والهدايا والدبابة الحمراء و(الشوكلاطه) كما كنا نسميها، ولعل الاشتباك الأول لي وزملائي مع الورد كهدية هو في ذلك اليوم من شتاء 1986 عندما شاركت مدرستي في برنامج "رواد الغد" الذي كان يقدمه التلفزيون الأردني وهو من أعداد وتقديم إعلامية مثقفة غادرت المهنة "بريهان قمق"، في ذلك اليوم خرجنا باكراً من المزار الكرك في أجواء شديدة المطر والبرودة وكان معظمنا يرتدي الزي الوطني والشماغ وكانت المسابقة تتضمن مسابقة ثقافية بين مدرستين واحدة للذكور والثانية للإناث وكان نصيبنا مع مدرسة الاميرة عالية من جبل الحسين ؛ يومها دخلت طالبات المدرسة العمانيات يحملن بوكيه ورد أذكر انه من مشتل سيبال الشهير كما قرأت وتخيلت انه كان علينا أن نحضر للتلفزيون شيء من الكرك ورد زميلي طاهر الصرايرة "أحنا في الكرك ما عنا غير الجميد جان جبتوا ليهم زعاميط"...

أستقبلنا مدير الأستوديو وأسمه سليمان قطيشات وتم توزيع سندويشات الشاورما وكان والله عهدنا الأول بهذا النوع من المأكولات فلم يكن هناك محلات بالكرك تقدم الشاورما او الشاورني كما كان يلفظها بعضنا بالإضافة لعلبة عصير زاكي؛ يومها كان التلفزيون كريماً معنا كثيراً باعتبارنا قادمين من الجنوب فنال بعضنا سندويشتين...
أحداث كثيرة مرت بالتسجيل الذي استمر أكثر من أربع ساعات بسبب تدخل الجمهور ومقاطعة المتسابقين خاصة في فقرة الزي الشعبي عندما قام ناصر خالد الطراونة بتقديم فقرة لباس الفلاحين وسألته المذيعة لماذا تستخدم العصا "الباكورة" فتطوع أحد الطلاب للإجابة "بذبح فيهن الحيايا" ويقصد الأفاعي فتم وقف التسجيل حتى شرحنا للمذيعة معنى كلمة "الحيايا" وطلب من الحضور عدم التدخل خصوصا وفدنا... لكن الطالبات كن في غاية الالتزام والخوف من الملامح القاسية لوفد الفريق الأخر وربما أن لديهن قناعة أننا جاءنا من كوكب أخر فالوجوه كالحه ناشفه من شدة البرد والعيون على وسعها من شدة الاندهاش من الناس والتلفزيون والشاورما والمذيعين والمذيعات والطالبات وجمالهن واناقتهن بالإضافة لكرم الاستقبال والتوجيب وتعامل الأساتذة الإنساني جداً معنا الغير معهود وكان مؤقتا على كل حال...

لأحقاً ذهبت الى سوريا للدراسة وكان الانتقال الصادم من قرية وادعه تخلد للنوم بعد مسلسل السهرة اليومي هذا اذا تأخرت وأوغلت في السهر الى مدينة لا تنام هي حلب التي أرتبط أسمها بالفن والطرب وهي مدينة ذات تنوع تاريخي وحضاري وثقافي وطائفي مذهل وجميل يعيش فيها الأرمني والسرياني والكردي والتركماني والبدوي والشركسي المسلم والمسيحي والموسوي (اليهودي) في حارة واحدة وهو مزيج فسيفسائي تفردت به حلب دون كل مدن سوريا بالمناسبة؛ بالإضافة لامتلاء الحلبيين بالخيلاء والاعتزاز فهذه مدينة المقامات الحلبية بالفن والطرب ومنها صباح فخري وشادي جميل وميادة حناوي وهي مدينة سيف الدولة الحمداني وفيها منزل أبو الطيب المتنبي وكتب فيها اعظم قصائده مدحاً وهجاءً وفيها اطيب المأكولات فالمحاشي والكبب لا ينافس الحلبية فيها احد فمن الكبة وحدها اكثر من خمسين صنف على الأقل...

في ذلك العام كان شتاء حلب قاسياً والكهرباء بالكاد أربع ساعات باليوم والمازوت" الديزل" مقطوع نهائياً اذ كانت سوريا محاصرة باعتبارها متهمة بدعم الإرهاب، سكنت في حي الجميلية وهو حي قديم وعريق بالقرب من ساحة سعد الله الجابري مع طالب يكبرني أسمه اسامه طالب هندسة كهربائية ولكن كان من المفروض ان يدرس الفلسفة فهو مهتم بأدق تفاصيل التفاصيل وملتزم بواجباته الدينية حد التصوف ومع عامر الذي كان يدرس الحقوق وكان هذا الانسان مهذب ومحترم كزميلنا الاخر أسامه لكني نصحته بكتابة الرواية والادب البوليسي فلديه قدرة مذهلة على نسج وربط الحكايات ببراعة ودقة حتى تكاد تشعر وانت معه بأنك احد ابطال رواياته التي لا تنتهي... فليل حلب طويل لا كهرباء ولا تدفئة وكان صديقي عامر يتكفل بدور الراوي الذي لا ينضب صندوق حكاياته كصناديق الجدات وانا مندهش مما يجري حولي...

أسفل العمارة يوجد متجر لبيع الورد والزهور وللوهلة الأولى تخيلت أنه يبيع الأشجار كتلك المحلات على طريق البقعة وجرش والتي شاهدتها للمرة الأولى يوم حملتنا السيارة الدوج الأمريكي من طلعة الشابسوغ الى سوريا وكان السائق سوري مهمته الأساسية التهريب بدأ من الليمون والباذنجان وانتهاءً ببسكويت "توتو" الذي شكل ثورة في عالم البسكويت أنتجها عقل الحلواني السوري "جبري"...

في صبيحة 14/2 من ذلك العام وكان بارداً وممطراً كان الناس يتوافدون على متجر الورد ومعظمهم يرتدي "لفحات" حمراء يبتاعون الورد وانا مندهش فخطر ببالي انه عيد "للشيوعيين" لأن أحد محازبي جماعة الأخوان المسلمين في قريتنا وفي سياق محاولته الفاشلة في تنظيمي مع جماعة الأخوان في قريتنا أهداني كتاب عبد الله عزام "السرطان الأحمر" عن الشيوعية والتدخل السوفياتي ولكنه لم ينجح فأقاربي معظمهم بعثيين الغالبية مع جناح صدام حسين وقلة اختاروا نظام بعث دمشق ولا أنكر أنني كنت ميالاً لسوريا لأنني لا أميل للمغامرين سياسياً وسوريا في ذلك الزمان كانت تمثل ما كنت أعتقد...

ذهبت للجامعة وزاد الاندهاش أكثر... الطالبات والطلاب يضيفون للزي الجامعي قميص أو بلوزة حمراء... الورود الحمراء...

ربطات العنق الحمراء الهدايا المغلفة بالأحمر ...

بادرت زميل لي من عمان ومن احياءها الباذخة في ذلك الزمان -جبل عمان- والده طبيب ووالدته صيدلانية بالسؤال ما الذي يجري "شو صاير يا زلمه الناس منولمه" رد زميلي باستعلاء طبقي ظل يلازمه طيلت فترة الدراسة وازدراء حد القرف ظل يسكنني نحوه حتى اللحظة ... يا مسكين شو بعرفك انت يا كركي باستعلاء كريه وذهب دون إجابتي...

والحقيقة انني ومنذ تلك اللحظة لأ أحمل له أي مشاعر غير الازدراء وقد حملتني الأيام لمصادفته عندما زارني في جامعة عمان الأهلية للتوسط لشقيقته وكانت طالبة أدرسها احدى المواد... فكان جوابي يا صديقي مسكين شو بعرفك يا ابن عمان واحياءها الباذخة ...

تلك صفحة من الذكريات استحضرتها قبل أن تشيخ وتهرم ذاكرتي في هذا الزمن الذي فسد فيه كل شيء حتى الملح...

لا تستهويني الكتابة التبريرية عن شرعية فكرة الحب أو عدمها فتلك من اختصاص أهل الفتوى الذي نحتاجهم فيما هو أهم من اصدار فتوى تحلل أو تحرم "الفالنتاين"... لكنني أعتقد أننا أحوج ما نكون لعيد "الأيمان" بحق الأنسان في هذا الكون بأن يعيش كانسان... بحق الأنسان أن يحلم ويتصرف دون الخوف من مصادرة الحلم على تواضع الأحلام في بلادنا...

على شركات الادوية وعلماء الصيدلة ان يسعفونا بأقراص للحب وعدم الكراهية وسوء الظن، فلقد أدمنا الكره حتى صار جزءً من مكونات الدم وخلية من خلايا النفس وكل عيد وكل العاشقين والحالمين سعداء ولو مؤقتاً... فالتهموا مزيداً من "الشوكلاطه" واستمتعوا بالورود مؤقتا... فطقوس الكراهية تستوطن بلادنا والحب زرع غريب كالياسمينة الدمشقية في صحراء الربع الغالي لا وطن ولا بيئة لها...

المفردات:-
الحيايا: الأفاعي.
منولمين: مجانين.
الشوكلاطه: الشوكلاته
زعاميط: كرات الجميد (اللبن المجفف أو جميد الحجر على رأي دعاية الكسيح).





  • 1 محمد هايل المجالي 15-02-2017 | 08:21 AM

    كثرة الانتقاد والتذمر مش كويسه

  • 2 طه الحلالمة 15-02-2017 | 08:23 AM

    كل منشورات الكاتب اما بحكي فيها عن نفسه او ينتقد فيها ومش عاجبه العجب


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :