facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




طريق الموت وإدارة عموم الزير ..


د. زيد نوايسة
13-03-2017 03:00 PM

كلما قادتني الطريق الى الكرك عبر الطريق الصحراوي وهو أهم وأطول طريق دولي يربط الأردن بالعقبة -الميناء البحري الوحيد- ويقع على المسار السياحي الذي يشمل الكرك والطفيلة والبتراء ووادي رم وشاطئ العقبة السياحي؛ ويمكن الانعطاف من هذا الطريق نحو محافظة مأدبا التي تحوي أماكن سياحية ودينية مهمة.

شاهدت تراجع هذا الطريق وبنيته التحتيه رغم كل محاولات الترقيع البدائية التي لا تناسب طريق دولي ورغم الوعود التي كلما أوغلت الحكومات المتعاقبة فيها صارت مثار تندر من الناس وكلما زاد تردى الطريق أكثر وأكثر وسفكت عليه المزيد من الدماء والضحايا والاصابات الدائمة التي تعطل حركة الانسان عن العمل والعطاء. 

هذا ليس مكابرة وليس تحميلاً للحكومات ووزاراتها سواء الوزارة المعنية بصيانة وإدامة الطرق وهي وزارة الاشغال أو وزارة النقل المعنية بإيجاد آلية لانسياب حركة النقل سواء للمواطنين أو البضائع أو الأجهزة التي تعنى بضبط حركة المرور وتجاوزات السائقين ومراقبة سلامة المركبات وصلاحيتها للسير على الطرق العامة؛ وتستدعي الموضوعية أن يتحمل بعض السائقين المتهورين الذين لا يراعون قواعد السلامة المرورية ولا يقيمون وزناً لحياتهم وحياة الناس الأبرياء جزءاً كبيراً من المسؤولية التي لم يعد من المنصف الاستمرار في إدراجها تحت بند القتل الخطأ قانونياً فمن يسير بسرعه جنونية على طريق متهالك لا يختلف عن من اتخذ قرار مسبق بالحاق الأذى بالأخرين بما فيه ضرر الموت ولم يعد مقبولاً هذا الاستسهال في التعامل الاجتماعي مع هذه النوع من الحوادث المميته والاضرار التي تلحق بالناس الابرياء ولا تقل عن أي جريمة فلا بد من تغليظ العقوبات وخاصة فيما يتعلق بالحق العام وعدم استبداله بالغرامة وسحب الرخصة نهائياً.

وأعتقد أن من يقرأ الأرقام التي أعلنها مدير مركز الطب الشرعي السابق في الجنوب والطبيب الشرعي المعروف المستشار الدكتور أعوض الطراونة يشعر بالصدمة والقلق وهو يشير الى الوفيات التي كشف هو شخصياً عنها خلال خدمته والتي تتجاوز 2000 ضحية وما يقارب 40000 أصابه تتراوح بين الإعاقة الدائمة او شبه الدائمة ويبدو ان الرقم يتعلق بما ورد لمستشفيات الكرك وهذا يعني ان الرقم أكبر من ذلك بكثير.

هذه الأرقام تضع الأردن في مقدمة الدول الأعلى من ناحية عدد الضحايا قياسا على عدد السكان وأن كان ترتيبه متاخراً نوعا ما عن الهند واندونيسيا وإيران وباكستان والولايات المتحدة الامريكية ونيجيريا والصين وتايلاند وروسيا والسعودية ولكنه مؤشر خطير في تبعاته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. 

الاعتراف بالمشكلة موجود منذ زمن بعيد على الصعيد الرسمي لكن التعامل ظل يندرج بين التعامل مع الحدث لحظياً وعلى طريقة الفزعة وإطلاق سيل لا ينتهي من التصريحات العرمرية مع زيارة ميدانية للمسؤولين وغالباً من الصف المتقدم وتحديدا أصحاب المعالي الى مواقع الحوادث والتأكيد على ضرورة اتخاذ الإجراءات العاجلة ضماناً لسلامة المواطنين والمركبات وتنعقد العشرات من الاجتماعات والندوات والتوصيات وتشكل اللجان وتدفع بدلات الاتعاب والمياومات وينتهى الامر بعد فترة الى مزيد من الحوادث والضحايا والارزاء التي تلف العوائل المكلومة. 

تعودنا على ذات الفزعة بعد كل كارثة مرورية وتعودنا على الآلية في التعامل معها وكأننا في حالة استنساخ وأسقاط عفوي على ما ورد في نص مسرحي ساخر كتبه الكاتب المصري الراحل حسين مؤنس بعنوان إدارة عموم الزير نشرها في عام 1975 وملخصها: أن أحد الولاة كان يسير ومعه جوقة من المنافقين والمداحين في يوم قائظ، حين شاهد الناس تنحدر في سيل إلى النهر فيشربون الماء، ولاحظ التعب التي يعانونه من أجل أن يشربوا.

فنظر إلى أحد مرافقيه من الوزراء، وقال: أرى أن الناس يقاسون من العطش. ألم تفكروا في شيء يخفف عنهم التعب ومشقة النزول إلى النهر من أجل شربة ماء؟ واقترح الوزير أن ينشئوا صهريجا أو حوض ماء، فرأى الوالي بأن الناس ستموت عطشا قبل أن يتم البناء. طلب من صابر أحد حراسه أن يشتري زيراً كبيراً، وأن يغسله ويعبئه بالماء النظيف باستمرار، وطلب من الوزير أن يشرف على شراء الزير ومستلزماته. وتمر الأيام ليسأل في يوم الوالي الوزير عن الزير، فأجاب الوزير: إنها فكرة عبقرية يا مولاي، لقد طورناها وعدلناها، وحين سأل الوالي عن التطوير والفكرة هي مجرد زير من الفخار لا أكثر ولا أقل وغطاء وماء وكوز. أجاب الوزير: بعد مدة وجدنا الإقبال على الزير يزداد واستعذب الناس شرب الماء من الزير… فقررت تحويله إلى مرفق عام شعبي... 

وهكذا، ومن أجل الزير، تم إنشاء إدارة متخصصة، ( فالدولة لن تدع مالها وممتلكاتها سائبة، وما دام للدولة مبنى لا بد من موظفين وإدارة مالية ). وهكذا تم فتح اعتماد مالي لمأمورية الزير، ووضعت خزانة للنقود "أودعناها سلفة، لأن الزير قد ينكسر، والغطاء يتلف والكوز يضيع.. ويكمل الوزير بأنهم أنشأوا أربع إدارات فرعية، إدارة للفخار، وإدارة للحديد، وإدارة للخشب وإدارة للصفيح.. وتساءل الوالي: والماء أليس له إدارة؟ ويستطرد الوزير بأنه أمر بإنشاء مبنى بكلفة مائة ألف دينار من أجل إدارة عموم الزير، لأن إدارة عموم الزير مرفق خدمات، الاعتبار الأول لما يؤديه للأمة من نفع.

ويكمل بأن إدارة عموم الزير ” على اتصال مع مختلف دوائر الدولة، ومع وزارة الأشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية.

وكان الوالي يقاطعه بين الفينة والأخرى متسائلا عن الماء.. الماء. وحين أستفسر عن دور وزارة الخارجية، أجاب الوزير: من أجل المشاركة في المؤتمرات، لأن إدارة عموم الزير أصبح لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات في باريس ولندن ونيويورك. تساءل الوالي: وهل يوجد في الدول الأخرى إدارات لعموم الزير، أجاب الوزير: لا يا سيدنا، نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة، وراح يشرح كيف سنخرج من عنق الزجاجة وننتقل إلى طابور الأمم المتقدمة. 

وقام الوالي بزيارة إدارة عموم الزير. وكانت المفاجأة الصادمة حين شاهد المبنى الفخم الشاهق كتب على مدخله ” إدارة عموم الزير “، أناس يدخلون ويخرجون، خلية نحل من الموظفين والسكرتيرات والفراشين ومدراء الخشب والحديد والفخار، وملفات وأوراق وصواني شاي وقهوة، وموظفين يقرؤون الجرائد ومجلات ملونة للسكرتيرات و… و… والمدير العام في بودابست يحضر مؤتمرا، وهو ابن شقيقة الوزير، وتم تعيينه لأنه الوحيد المتخصص في هذا المجال. وانتقل الوالي في كل الأقسام وطلب في النهاية أن يرى الزير، نزل إلى الطابق الأرضي المغبر، قالوا إن الزير تم نقله إلى الورشة الأميرية لإصلاحه.

ووجد صابرا، وقد أصبح رجلا هزيلا مسكينا، مركونا في إحدى الزوايا. وحين شاهد الوالي قال : لقد كذبوا عليك يا سيدنا، الزير ليس هنا منذ سنتين… إنني لا أتقاضى مرتبا منذ سنتين ونصف يا سيدنا إنني أموت جوعا، وحين سأل الوالي وكيل الإدارة العامة عن السبب، قال إن له إشكالا إداريا ماليا فليس معه مؤهل علمي لذلك لا نستطيع إعطائه راتبا… صدم الوالي وطلب من صابر أن يعود إلى القصر كما كان ويشتري زيرا ويضعه تحت ظل شجرة ليشرب الناس " ثم أصدر الوالي حكمه على الوزير بأن يدفع رواتب الموظفين الذين عينهم من ماله الخاص، وإذا نفذ ماله فمن مال زوجته وأولاده وأقاربه الذين أكلوا المال العام سحتا في بطونهم. 

حتى لا تكون قصة الطريق الصحراوي –طريق الموت- كقصة الزير، أرجو مخلصاً ألا نكتفي بالزيارات الميدانية العاجلة والتقاط الصور وإطلاق التصريحات؛ بل أن يكون هناك عمل جاد وسريع لإيجاد حل للمشكلة التي طالت ودفع الناس قرابين كثيرة من دمهم علها تشفع لمن يأتي بعدهم ويستخدم الطريق وينال نصيباً أطول من الحياة!! 





  • 1 وفاء 13-03-2017 | 06:31 PM

    وفقت كعادتك بطرح القضية بشكل موضوعي فالنقد يكون للبناء و ليس تصفيات حسابات او لمجرد النقل . شكرا على ما تفضلت و شاركت به من قصة تحكي واقعنا فعلا

  • 2 الدكتور جعفر فالح الروسان 14-03-2017 | 12:18 PM

    اتفق مع تعليق رقم 1 فالدكتور زيد يمتلك قلما ذو حساسية ادبية عالية في وصف القضايا العامة واسقاط الضوء عليها بسلاسة تشد القارئ وتخلق رأيا توعويا .شكرا


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :