الخاسرون والرابحون في حرب غزة .. ل احمد جرار*
mohammad
21-01-2009 10:02 PM
رغم أن ما جرى في غزة بالفترة الماضية كان بنظر الكثير من الشعوب العربية والإسلامية " عدوانا " من جيش يعتبر الأقوى في المنطقة ضد شعب أعزل يتسلح بعض أفراده بسلاح شخصي وصورايخ مصنعة محلية وأخرى مهربة فإن الكثير من دول العالم كانت تصر بأن ما جرى حربا بين طرفين لذلك كانت مطالباتهم بوقف إطلاق النار ووقف العنف ، وليس وقف العدوان كما كانت تطالب الشعوب وعدد محدود من الحكومات العربية والإسلامية ، لذلك إذا سلمنا بأن ما جرى حرب فمن الذي انتصر ومن الذي انهزم فيها ؟ ومن هم أبرز الرابحين ومن هم أبرز الخاسرين بهذه الجولة من الحرب ؟
دعنا نتفق بداية أن الثمن الأكبر لما جرى دفعه المدنيون الفلسطينيون الذين شكلوا الغالبية من أعداد الضحايا والجرحى خصوصا من النساء والأطفال والمسننين والمدنيين من الرجال والذين كانت تستثنيهم الإحصاءات وكأن كل رجال غزة مقاتلين هؤلاء المدنيين قتل الكثير منهم بقصف إسرائيلي استخدمت فيه الكثير من الأسلحة المحرمة كما أن بعضهم قضى نحبه أثناء لجوءه لمدارس تابعة للأمم المتحدة ، لذلك فالأصل أن يكونوا خارج حسابات النصر والهزيمة فلم يكن أبدا قتل المدنيين انتصارا لأحد عبر التاريخ ولو كان الأمر كذلك لكان هتلر هو المنتصر الأكبر في القرن العشرين
برأيي أن الخاسر الأكبر مما جرى كان الجيش الإسرائيلي ليس لأنه تعرض لهزيمة في غزة بقدر ما عجز عن تحقيق أهدافه التي أطلقها في بداية هجومه فهو لم يوقف إطلاق الصواريخ ولم يوجه ضربة قاصمة للمقاومة الفلسطينية ولم يحرر جنديه الأسير ولم يستطع أخيرا أن يغير الوضع القائم في غزة وفقد بذلك الانطباع المترسخ لدى كثيرين بأن حروبه مع العرب كانت نزهة وبأنه يستطيع ردع أي جهة أو دولة عربية تفكر بمواجهته في المستقبل ، فيما النقطة الأكثر جوهرية بأنه ولأول مرة يفشل في مواجهة مع جهة فلسطينية على أرض فلسطينية من العام 1948 ،
الخاسر الثاني هي السلطة الفلسطينية ففضلا عن انهيار خيارها الإستراتيجي الوحيد بالتعامل مع الاسرائيلين فإن شرعيتها تعرضت لهزة عنيفة سواء في الضفة الغربية أو لدى العديد من الأنظمة العربية و مما زاد الطين بلة تصريحات بعض رموزها مع بداية الغارات الإسرائيلية وتحميلهم لحركة حماس المشاركة " بالجرائم الإسرائيلية " فيما كان غياب الرئيس عباس عن قمة غزة الطارئة في الدوحة السقطة الأبرز للسلطة في أيام الحرب وكم كان مشهد محاولة بعض شخصيات السلطة مثل صائب عريقات وياسر عبدربه مثيرا للشفقة وهم يحاولون تبرير هذه الخطوة كما فشلوا من قبل في تبرير قمع السلطة لمظاهرات التأييد لحماس في مدن الضفة الغربية – في الخليل قمت مسيرة حماس بالرصاص الحي – أثناء الحرب على غزة ، سمعنا أصواتا من برلمانيين أردنيين وكويتيين تطالب حكوماتها بعدم التعامل مع الرئيس عباس بشخصيته الاعتبارية عدم استقباله كرئيس على اعتبار انه فاقد للشرعية بحسب الدستور الفلسطيني
الخاسر الثالث هو النظام الرسمي المصري والذي كانت سفارته في العديد من دول العالم مقصدا للعديد من المظاهرات الغاضبة ولولا تدخل الأمن في بعض البلاد لتم حرقها بالتأكيد ، النظام المصري رغم محاولات التبرير والتسويق التي وظف لها جيوشا مع الكتاب والمحللين اثبت انه فاقد للوزن السياسي في المنطقة وبأن دوره أصبح هلاميا فهو باستثناء ممارسة ضغطا لا مسبوقا على حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية – لم يقدم الكثير خلال أيام الحرب – مقارنة مع دولة خليجية صغيرة وحديثة العهد على ملفات المنطقة كقطر – فيما جاءت الصفعة الدبلوماسية الأبرز للنظام المصري من حيث لا يحتسب ، من أمريكا وإسرائيل اللتان وقعتا اتفاقية لتهريب الأسلحة إلى غزة الأمر الذي أعطى انطباعا بأن مصر أصحب مجرد جمهورية موز جديدة لم تفلح مجاملة أولمرت للرئيس المصري بأن وقف إطلاق النار كان استجابة لخطابه في مسحه ،
إذا نظرنا لجهة الرابحين فالرابح الأكبر كانت المقاومة وعلى رأسها حركة حماس ، هي وإن لم تحقق نصرا ساحقا على الجيش الإسرائيلي لكنها لم تهزم أمامه ولم ترفع الراية البيضاء وبقيت تطلق الصورايخ حتى آخر لحظة ولم تنصع لأي مطالبات أو ابتزازات أو ضغوطات – سواء كانت من جهات عربية أو دولية أو أوروبية – للقبول بغير ما تريده شرطا لوقف الحرب على غزة ، كما أنها فرضت نفسها رقما صعبا في ملفات المنطقة لا تستطيع أي جهة في العالم أن تتجاوزه ، فهي لأول مرة تمثل داخل قمة ويكون لها كلمة كباقي دول المنطقة فضلا عن أنها أصبحت الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين أمام الشارع العربي والإسلامي الذي رفع صور قادتها وأحرق صور الرئيس محمود عباس ، ونستطيع ان نضيف هنا التحول التركي بالتعامل مع حماس بأنه نجاح أخر للمقاومة فتركيا التي كانت تروج للسلام مع الاسرائيلين في المنطقة تحولت لخصم لهم وأسمعهم أردوغان كلاما لم يسمعوه من قبل بل وتحولت تركيا لطرف يمثل وجهة نظر حماس في حوارات المصالحة المرتقبة أمام انحياز النظام المصري لسلطة رام الله
الرابح الثاني لما جرى هي القضية الفلسطينية ، التي استعادت زخمها لدى الملايين حول العالم ، مظاهرات ومسيرات وفعاليات تضامن انطلقت في آلاف المدن وفي كل القارات لتعلن تأيدها للفلسطينيين ومنددة بالوقت نفسها بالإسرائيليين الذي سقطوا أمامهم أخلاقيا وإنسانيا ، الرواية الفلسطينية عادت لتسمع مرة أخرى في العالم وعادت ليعلوا صوتها في الشارع العربي بعد أن حاولت طمسها سنوات طويلة من الترويج للرواية الإسرائيلية ولثقافة التعايش والسلام مع الاسرائيلين، شاهدنا مظاهرات حاشدة في وسط لندن وفي النرويج وفي فنزويلا والبرازيل وكينيا وجنوب إفريقيا واستراليا وأفغانستان واندونيسيا وفي مناطق ال 48 وحتى في أمريكا نفسها رفعت فيها الأعلام الفلسطينية وصور أطفال غزة الأبرياء وهتف فيها للمقاومة الفلسطينية ورموزها
ولعل الرابح الأخير في ما جرى هي ما اصطلح على تسميته بقوى الممانعة العربية فموقفها في الحرب على غزة أكسبها الكثير من الشعبية في العالم العربي وأضعف أصوات معارضيها بل واستطاعت كسب أصوات جديدة فغالبية من حضروا قمة الدوحة هم بشكل أو بآخر انحازوا لقوى الممانعة ، كما أنه ولأول مرة يتم عربيا التراجع عن خطوة باتجاه التطبيع مع الاسرائيلين كما حصل مع موريتانيا وقطر وهو امر يصب بشكل مباشر في صالح هذه القوى وحضورها على المستوى الشعبي والرسمي .
***مراسل قناة الجزيرة في عمان