إبراهيم عز الدين: قومي الهوى قضى نصف قرن في الخدمة العامة
04-05-2009 11:48 PM
عمون - د.مهند مبيضين - ينفي ان يكون خضع إلى توجيه سياسي او استقطاب فكري في مراحله العمرية الأولى، ولكن وعيه السياسي تفتح مع قرار التقسيم العام 1947، حيث كان القرار "الفاصل في الوعي.. ثم كانت النكبة".
ولد إبراهيم يوسف عز الدين في بيروت في العام 1934، بمرحلة انتقالية من تاريخ الأسرة التي عرفت بالعلم، فجدة كان "الصيدلي الوحيد بمكه"، أما والده فقد في الجامعة اليسوعية ببيروت، وعاد إلى مكة حيث افتتح عيادة خاصة، لكنه ما لبث أن تركها العام 1934 بعد أن كان طبيبا رائدا في الحجاز، وفتح عيادة في بيروت.
وما كان لغبراهيم إلا أن يكون قوميا في عائلة تعددت مشارب الثقافة والفكر فيها، فالأب الطبيب ذو ثقافة عثمانية وناشط في العمل القومي، والأم من عائلة الفاخوري اللبنانية التي كان فيها منصب الإفتاء في لبنان إبان القرن التاسع عشر.
في العام 1936 انتقل الطبيب المكي د. يوسف باشا عز الدين إلى عمان، وفتح عيادة طبية خاصة، وما لبث أن عين طبيبا للصحة العام 1938، خلفا للدكتور حنا باشا القسوس بعد إحالته على التقاعد.
لم يطل والده في العمل العام، فقد أسهم في تأسيس أول جمعية طبية أردنية، وكان أول رئيس لها، وفي الأربعينيات والخمسينيات كان طبيبا ثانيا للملك المؤسس، وفي أواسط الأربعينييات أسهم في تأسيس جمعية الاتحاد العربي ذات التوجه القومي وكان رئيسا لها.
استقرت الأسرة بداية أمرها في طريق المحطة، ثم انتقلت إلى جبل عمان "قرب بيت الأمير شاكر بن زيد"، وبعدها عادت إلى البلد وسكنت في شارع الهاشمي حتى الخمسينيات، حيث سكنت جبل عمان حتى اليوم.
دراسة إبراهيم عز الدين الأولى كانت في ما يدعى المدرسة الأهلية، وظل فيها حتى الثالث الابتدائي، ثم انتقل إلى مدرسة المطران حتى الثاني الثانوي، حيث انتقل إلى الكلية العلمية الإسلامية.
من زملائه في المدرسة الأهلية ومدرسة المطران الراحل الأمير زيد بن شاكر والراحل فاروق التوتنجي، وكامل أبو جابر، وبسام قاقيش.
في أواخر الأربعينيات انتقل للدراسة في الكلية العلمية الإسلامية، وفيها كان ميله إلى مواد التاريخ واللغات أكثر من العلوم "كنت ازحف في العلوم وكان حبي للتاريخ واللغات".
مدرسوه آنذاك منهم محمود العابدي وهو "أستاذ مشوق للتاريخ يقدمه بشكل شيق ومحافظ"، ثم درس التاريخ على يد الأستاذ معتوق الأسمر الذي "كان أول من ادخل لنا فكرة محاكمة التاريخ نقديا".
التكامل بين رواية العابدي المشوقة للتاريخ، وبين القراءة النقدية للأسمر أفادته كثيرا، إلى جانب ما إفادته من الأستاذ عبد لجبار الفقيه الذي "كان يحبب لنا العربية".
حياة عمان آنذاك كانت بسيطة تغيب فيها الفوارق، وكانت الكلية العلمية الإسلامية تضم طلبة من كل شرائح المجتمع على غير ما هو الحال اليوم في المدارس الخاصة "الكل كان يأتي ماشيا إلى المدرسة، والأهل في ذاك الوقت كان عندهم شيء من الضبط لأولادهم، وكان مصروفي بسيط".
مجيء اللاجئين إلى عمان شكل حالة جديدة سكانيا وسياسيا "صار هناك حراك سياسي أكثر انبثقت عنه تجربة أوسع لصحف أكثر جرأة".
ونظرا لطبيعة عمل والده في القطاع العام والفكر والسياسة، فقد انخرط الشاب في أجواء الحياة العامة".
كانت النكبة محطة وعي وآسى في آن للجميع "كان لدينا شعور أن هناك شعب عربي يقع تحت العدوان وآثار النكبة كانت محبطة، واللاجئون كانوا شهودا على هول الكارثة".
بعد الكلية العلمية الإسلامية درس في الجامعة الأميركية بالقاهرة لعام واحد، يعتبره تجربة غنية لأنه سبق ثورة يوليو 1952، "شهدنا مرحلة الغليان وشهدنا حريق القاهرة وشهدنا إلغاء معاهدة 1936 وتغير الحكومات".
الجامعة الأميركية في القاهرة كانت يومها تعج بالطلبة الأجانب "وطابع الجامعة لم يكن مسيسا"، لذا عندما واتته الفرصة للقبول في الجامعة الأميركية في بيروت لم يدخر جهدا، وقبل فيها العام 1953 وتخرج العام 1955 في تخصص العلوم السياسية.
بيروت مرجل أفكار ووعي، حيث تعرف إلى حركة القوميين العرب التي كانت موجودة إلى جانب حزب البعث واليساريين "الغالبية كانوا بين القوميين العرب والبعثيين، وهناك التحرريون".
في بيروت بدت الحياة أفضل "كانت ناشطة وواعدة، وهناك تثاقف وصحافة حرة"، وساعد على ذلك وجود أساتذة كبار أمثال قسطنطين زريق ونبيه أمين فارس وزين نور الدين زين وجبرائيل جبور، فضلا عن أن المستوى التعليمي كان أرقى من تجربة مصر.
ويؤكد أنه استفاد أمرين من الجامعة الأميركية "دراسة المنطق، لتنظيم الفكر، وكيف تستطيع ان تميز بين ما هو منطقي وما هو كلام مرسل، والثاني دراسته لكيفية كتابة بحث علمي وتقصي المصادر والاستخلاصات".
في بيروت مال لحركة القوميين العرب "كنت صديقا، وكنت أشارك جمعية العروة الوثقى وهي مركز النشاط القومي في الجامعة، وكان فيها من الأردن فرحي عبيد ومن رؤسائها القدماء سليمان النابلسي".
في العام 1955 عاد من بيروت، وانتظم في عمان في حركة القوميين العرب "ونظمني في الحركة الراحل نزار جردانه".
أول عمل له بعد التخرج كان مسؤولا في دائرة الشؤون الخارجية في وزارة المواصلات، ثم انتقل إلى رئاسة الوزراء مسؤولا عن الجريدة الرسمية، ثم إلى دائرة المطبوعات العام 1957 "كان معنا الأستاذ ينال حكمت، وكنا مسؤولين عن الإعلام الخارجي".
للخمسينيات مذاقها في ذاكرته، فالأحزاب كانت في حراك مستمر، وجيل الشباب إما حزبي أو صديق. ويشخص المرحلة بقوله "من درسوا في مصر عادوا إخوانا أو شيوعيين، ومن عادوا من دمشق كانوا بعثيين، ومن كانوا في العراق إما بعث او يسار، والقادمون من بيروت قوميون عرب، وكان ذلك طبيعي فلم يكن طبيعيا أن يكون الانسان غير منتم لحزب".
بقي في المطبوعات حتى العام 1958، وحصلت تطورات سياسية بعد حوادث 1957 وجاءت الأحكام العرفية وكان واحدا من إحدى المجموعات التي اعتقلت "لفترة محدودة في سجن المحطة وكان اعتقالا سياسيا جياد".
في العام 1960 انتهت علاقتة بحركة القوميين العرب، وسبقها بالسفر لبيروت "كان الخروج لعدم الرغبة بالالتزام التنظيمي".
عاد إلى الجامعة الأميركية وبقي حتى العام 1965 "أكملت متطلبات الماجستير، لكن لم اكتب أطروحتي" ثم قفل عائدا إلى عمان بعدما حصل انفتاح.
يؤكد أن المرء يتغير في الأسلوب، ويصبح الإنسان لديه وعي يجعله يرى الأمور ليست كما كان يراها في سن الشباب، وبعد ذلك عاد إلى وزارة الإعلام وأصبح رئيسا لقسم إدارة الإعلام الخارجي حتى العام 1968 إذ انتقل للعمل في الديوان الملكي وكان مسؤولا عن شؤون الصحافيين الأجانب، وفي العام 1971 صار وكيلا لوزارة الإعلام.
بين عامي 1965-1975 عاش الأردن أحداثا صعبة منها النكسة وحرب رمضان التي انعكست آثارها على عمل المؤسسات الإعلامية "وقع علينا عبء غير منظور، صار هناك حركة إعلامية كبيرة والناس كانوا متحمسين للعمل".
في عمله مع الراحل جلالة الملك حسين يبين عز الدين أن الملك "كان يستطيع أن يعطي خطابه بكل دقة ويسر وشفافية، ولم يحدث أن غضب من أي مقابلة صحافية، وأن من أكثر صفاته الحلم. ويقول "أعرف الملك وعمري أربعة أعوام، كنا في المرحلة نفسها، وهو في الإعلام كان مريحا كما هو الحال مع جلالة الملك عبد الله الثاني اليوم".
بين عامي 1975-1985 أنتقل إلى العمل في الخارجية سفيرا في دول عدة، منها سويسرا وألمانيا الغربية وبريطانيا وأميركا، وسفيرا غير مقيم في أكثر من دولة.
في بريطانيا صار عميدا للسلك الدبلوماسي العربي والإسلامي، وهو يرى أن السفير الأردني متاح له فرص لا تتاح لأي سفير آخر، فـ"الملك الحسين ومن بعده الملك عبد الله الثاني يتيحان فرصا للسفير أن يكون في مواقع وصلات مع أعلى مستوى".
في العام 1986 انتقل إلى تأسيس ديوان الخدمة المدنية، وفي عهده صار ديوان الموظفين ديوانا للخدمة المدنية "وقتها جاء القانون وحصل اهتمام بالتطوير الإداري ومحاربة البطالة، ووضعت معايير التعيين وانتقلنا إلى الحوسبة، وصار هناك ما يحقق العدالة لطالبي الوظائف".
ويضيف "أكاد ازعم أن الأمور ضبطت وما تزال حتى الآن، لكن النجاح لم يكن من صنعي بل بواسطة الفريق الذي عمل في التأسيس".
نيسان 1989 أطل بحدته على البلد، أقيلت حكومة زيد الرفاعي وشكلت حكومة الشريف زيد بن شاكر - الأمير فيما بعد -ودخلها معه وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، وعند الرجل تفاصيل تلك الحقبة التي حملت لنا عودة الديمقراطية، فكان له إسهام في تلك الحكومة ومن بعدها وزير إعلام في حكومة مضر بدران الرابعة ثم مع حكومة الشريف زيد الثانية والثالثة وزير دولة.
محصلة وأهمية 1989 أنها برأية "سرّعت العودة إلى الديمقراطية وبدأ الانفتاح ووجودي في رئاسة الوزراء كان جزءا منه العمل على إنهاء الأحكام العرفية وإصدار قوانين ناظمة للحريات، ومن حسن حظي كنت جزءا من الإطار العام".
إبراهيم عز الدين القومي العربي الوطني الذي عمل لأكثر من نصف قرن في العمل العام، يشعر أن "الحالة الأردنية مؤهلة لأن يكون فيها حكم ديمقراطي يعطي الحريات كاملة"، ويرى أن المستفيد الأول من هذه الحرية هي الحكومة والشفافية رديف لعمل أي حكومة، فضلا عن أن التجربة منذ العام 1989 أثبتت أن لدى الشعب الأردني محبة وانضباطا لبلده بصرف النظر عن التفاوت والتباعد في المستويات.
العام 1997 دخل في حقل جديد وهو حقل الثقافة في الإدارة العامة لمؤسسة عبد الحميد شومان، وهي "تجربة مفيدة وممتعة في مؤسسة لها تقاليد". وفي شومان عمل على إكمال مسيرة من سبقه "عملت لنفسي منهجا كان موجودا، لكنني رسمته بشكل واضح في ذهني".
المسار الأول كان التركيز على متابعة الحياة العامة ومسيرة التنمية، إضافة إلى مسار تكثيف المحاضرات عن مشروع النهوض العربي، وهناك مسار الحضارة الإسلامية وأثرها في حياتنا، والاجتهاد وفي الموضوع الدولي "كنا ندعو الناس لنستوضح أين نقف من العالم".
خلال الأعوام الخمسة التي قضاها في مؤسسة شومان أنتجت المؤسسة أربعين كتابا تلخص المحاور والأفكار السابقة، لذلك يرى أنه "تجربة ممتعه"، ففي شومان وجد أبو يوسف أن الابتعاد عن السياسة يبدو مريحا "عشت جوا جميلا، في مؤسسة ترعى المعرفة".
أواسط العام 2002 أنهى مهمته في شومان وانتقل إلى "كاره الأول" وهو الإعلام، فعين رئيسا للمجلس الأعلى للإعلام وظل فيه حتى العام 2006.
تجربته في المجلس يرى أنها جاءت بإنجازات لقطاع الإعلام، ويرد على مقولة "أن المجلس الأعلى للإعلام ليس لديه صلاحيات" بالتأكيد أنه "كان يملك أكثر الصلاحيات، فرئيس المجلس مستقل قانونيا وهذا يعطيه الفرصة أن يصدر تقريره السنوي عن الحريات الصحافية، ويتيح له القانون التفاوض مع رئيس الحكومة من منطلق الفريق، واعتقد أن أكثر عمل في إطار الدولة الأردنية كان مستقلا هو المجلس الإعلام".
يُقر عز الدين بأن الرؤيا الملكية لتطوير الإعلام التي قدمت العام 2003 فيها ما يجعل الإعلام في أبهى صورة، وهنا يشير إلى أنهم استطاعوا في المجلس الأعلى العمل على تعديل قانون المطبوعات ومنع توقيف الصحافيين وان يتيح للمسؤول للصحافي الوصول لموقع الخبر، كما حصل تدريب للصحافيين وإن كان محدودا.
بعد 2006 دخل في عزالدين في مهام جديدة ومنها ممثلا لمؤسسة الضمان الاجتماعي في البنك العربي، وهو اليوم عضوا في مجلس إدارة البنك المركزي، وسجله غني في العضويات والأوسمة.
Mohannad.almubaidin@alghad.jo
(عن الغد )