facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف تعاملت مع مرض السرطان .. بقلم : عبد الجبار أبو غربية


04-07-2009 02:07 PM

شرفني مرض السرطان بزيارة ربما تكون مقررة ومعدة مسبقا, كوني كنت ولمدة أربعين سنة من المدخنين الشرهين, الذين لا يتركون هذا البلاء المدعو " سيجارة " إلا عند النوم.

ولكون زملاء كثر كانوا كلما التقوا بي يسألونني عن كيفية تعاملي مع مرض السرطان, خاصة عندما يرونني على عادتي السابقة للمرض من مرح وفرح ومزاح رغم ما أحمل من هموم ثقال, ما جعلهم يعتقدون أنني أكابر في تعاملي مع المرض, رغم انني لست مكابرا, بل أتعامل معه بكل اقتناع وبما يليق بمرض أصاب إنسانا على غير رضى منه, ولكنني تعاملت مع مرض السرطان كتعاملي مع أي مرض عادي.

وأذكر عندما كنت محمولا على السرير الطبي متجها نحو غرفة العمليات لإزالة الورم السرطاني عن الرئة اليسرى والذي يبلغ طوله 9 سنتمترات ما اضطر الجراح لأن يبلغني بأنه سيزيل ثلث الرئة اليسرى, مؤكدا بأنه لو كانت رئتي اليمنى سليمة لقام باستئصال الرئة اليسرى بالكامل.

المهم لدى وجودي داخل غرفة التحضير التي تقع بجانب غرفة العمليات, جائتني ممرضة يبدو انها هنا لتهيئة المريض نفسيا لدخوله غرفة العمليات, فسألتني هذه الصبية إن كنت أعلم عن طبيعة العملية التي ستجرى لي, فأجبتها قائلا " نعم , إنها عملية اللوزتين ", فبهتت ونظرت إلي باستغراب, وكأني بها تقول في نفسها " ربما ضحكوا عليه وخدعوه ولم يبلغوه عن طبيعة العملية الخطيرة التي ستجرى له ", ولكنني لم أدعها تسرح في خيالاتها كثيرا, فقلت لها " إنني يا بنيتي أعتبر ان هذه العملية كعملية استئصال اللوزتين وربما أقل أهمية وخطرا منها, اطمئني فإنني لا أخاف من قدر الله وأتقبله بكل رحابة صدر", فإذا بها تنفرج أساريرها وتنظر إلي بابتسامة متمنية لي الشفاء.

الحقيقة, كل من يعرف أنني مريض بالسرطان كنت أجده ينظر إلي بكل شفقة وكأنني سأموت بعد لحظات, وباعتقادي أن سبب هذا يعود إلى الأطباء الذين كانوا ولفترة ليست بعيدة يرفضون إعلام المريض المصاب بالسرطان بطبيعة مرضه, ما أنتج خوفا لدى العامة من هذا المرض حتى أنهم باتوا لا يتلفظون باسمه صراحة, فعندما يسأل أحدهم عن المرض الذي يعاني منه ابنه, فكان لا يقول أن ابني مريض بالسرطان, بل يقول ابني مريض بالمرض "هذاك" أو معه المرض " الخبيث " ومنهم من تمادى أكثر فتجده يقول ابني معه " بسم الله الرحمن الرحيم " وكأن البسملة والعياذ بالله مرض, رغم أنها الآية الأولى من سورة الفاتحة , سورة الشفاء للروح والجسد بإذن الله.

وأذكر حادثة وقعت السنة الماضية لشاب أردني في العشرينات من العمر حيث انتحر ملقيا بنفسه من على شرفة المستشفى في الطابق الثالث عندما علم أنه مصاب بمرض السرطان, فمات منتحرا.

إذن هم الأطباء الذين بدءوا بتخويف الناس من هذا المرض, ولهذا فإنني وعندما وجدت طبيبي الذي أجرى لي الفحوصات اللازمة يتردد في إعلامي عن طبيعة مرضي, لأنه كان يريد أن يمهد لي ذلك قبل أن يصرح علنا بأنني مريض بالسرطان, فسألته عن نتيجة الفحوصات إن كانت ظهرت, فإذا به يرد قائلا ليس بعد, ولاحظت عليه ارتباكا غير معهود, فنظرت إليه ضاحكا وقلت " أيها الطبيب العزيز لقد جئتك وأنا أعرف مرضي, وبالتالي أرجو ان تكون واضحا معي كي أعرف كيف أتعامل معه, أنا مريض بالسرطان أليس كذاك ؟"

لم يجب بل نظر إلي بعطف وقال سأحضر إلى غرفتك مساء لأبلغك بكل التفاصيل.

نظرت إليه قائلا, يبدو أنك تعتقد انني أخاف المرض أو أخاف الموت, اطمئن يا عزيزي ليس هناك مرض مميت على الإطلاق, وكل من يعتقد ان هناك مرض مميت فهو غير مؤمن بقضاء الله وقدره, فالموت يا عزيزي يأتي للأصحاء تماما كما يأتي للمرضى, إذن الموت يأتي فقط عندما يحين الأجل وليس عندما يأتي المرض.

ولكي اقنعه أكثر قلت له, انظر إلى حوادث السير التي تقع يوميا ويموت بها العشرات وهم أصحاء وليسوا مرضى, أرجو أن تطمئن إلى أنني لا أرى أن هناك مرضا يميت, فالمرض يجعلني أتألم فقط, أحس معه بأوجاع, يسرق النوم من عيني, يصل بي الوضع حد الإعياء, يزيد من معاناتي, ولكن الموت هو بأمر الله عندما يحين الأجل المحتوم, ولكل أجل كتاب.

ما أن انتهيت من كلامي هذا إلا والطبيب الإنسان الدكتور جعفر المومني يقول لي " أحييك على هذه الروح, وأنا مطمئن بأنك بها ستجتاز محنة مرض السرطان, نعم أنت مريض بالسرطان وهناك ورم بطول تسع سنتمرات على الرئة اليسرى, وهذا ما يجعلك بحاجة إلى عملية جراحية, وعليك قبل ذلك أن تقلع عن التدخين نهائيا ".

بهذه الروح, وبهذه المعنويات بدأت أتعامل مع مرض السرطان, مؤمنا بالله سبحانه وتعالى الذي هو على كل شيء قدير, وقلت للجراح الطبيب الماهر العميد عبد اللطيف عقلة الإبراهيم, قبل أن يجري لي العملية " أنت تعالج والله هو الشافي, وبالتالي, أنا مطمئن لعلمك ولمهارتك, وأنا أخولك أن تفعل بي ما تشاء ", وتوكلنا على الله وأجريت العملية بنجاح, وبقي علي أن أخضع للعلاج بالكيماوي الذي أخذت منه ست جرعات ( 24 إبرة ) ولمدة اربعة أشهر متتالية, عانيت خلالها الكثير من الوهن والتعب والإرهاق الذي لا زلت أعانيه إلى الآن, فالكيماوي أبعده الله عنكم أجمعين " يهد الحيل " , ولكن المتعة في كل هذه المعاناة لا تعادلها متعة, وهذا ما يهمني ان يعرفه مريض السرطان أو المرضى بغيره من الأمراض.

أين تكمن المتعة ؟

إنها تكمن في أن المرض " نعمة من الله سبحانه وتعالى التي يمن بها على عبده ", نعم نعمة من عظيم الأجر والثواب الذي يناله المريض نتيجة مرضه, حيث أن المرض كفارة للذنوب كلها بإذن الله, ومن منا لا يريد أن يفتدي نفسه بكل ما يملك حتى ينجو من عذاب الآخرة, فمن منا بلا ذنوب وآثام, من هنا فإن نعمة المرض الأساسية أنها كفارة للذنوب كما أكد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال في الحديث الصحيح " ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".

انطلاقا من هذا فإنني والحمد الله رب العالمين لم أصرخ متألما رغم شدة الآلام, والأوجاع, فقد منحني الله سبحانه وتعالى نعمة الصبر على الآلام إلى جانب نعمة المرض, حتى أنني كنت أجول على المرضى الذين أراهم يصرخون مستغيثين متألمين, لأخفف عنهم وأنا المريض مثلهم, كنت أقول لهم ما رأيكم لو نستبدل الصرخة والآهة بعبارة " الحمد لله ", فهي بلا شك تخفف من آلامنا, وتلك الصرخة لا تفيد ولا تشفي بل تزيد من الأوجاع, وهكذا كان, فبدا أغلب من كانوا في ذات الجناح الذي أنزل به في مدينة الحسين الطبية في عمان يرددون " الحمد لله " عند كل محاولة الصراخ من الآلام.

وأذكر أنني عندما نقلت إلى غرفة العناية المركزة بعد إجراء العملية وما أن صحوت قليلا من أثر التخدير حتى تناولت الهاتف النقال وبدأت أجري اتصالات مع الأقارب والأصدقاء لإعلامهم بأنني أجريت العملية, حتى أن الطبيب المسؤول في غرفة العناية المركزة كان يقول لي باسما أنت لست مريض عناية مركزة فيجب نقلك إلى جناح المرضى.

كما انني عندما نقلت إلى سريري في جناح المرضى, وقفت أمام المغسلة لأحلق ذقني, فإذا بمسؤولة التمريض المقدم عائشة تهتف قائلة على مسمع كل المرضى والزوار, وبكل فرح قائلة " تعالوا انظروا إلى مرضانا الذين يخرجون من غرف العمليات إلى حلاقة الذقن, نريد مرضى بهذه المعنويات".

وهنأتني بالسلامة ووأثنت على هذه المعنويات التي أتعامل بها مع مرض السرطان.

والآن, والحمد لله وبعد مرور عام كامل على إجراء العملية, وأنا لا زلت تحت الرقابة الطبية, وسأبقى كذلك مدى الحياة, فإنني أدعو لكل الإخوة المرضى الذين يعانون من السرطان بأن يتعاملوا معه بهذه الروح, وأن يؤمنوا بأن الله سبحانه وتعالى من عليهم بنعمة المرض لأنه يحبهم, فإذا الله أحب عبدا ابتلاه, والمهم الصبر على تلك البلية والشكر والحمد لله دائما وأبدا, مع الإيمان بأنه ليس هناك مرض مميت, وأن المرض فقط يجعنا نتألم, نتوجع, نسهر الليالي, يسرق النوم من عيوننا, ولكن كل هذه نعمة من الله سبحانه وتعالى.

وعلينا أن نعرف أنه إن كان في المرض نعمة وهي كفارة الذنوب, فإن في الشفاء منه نعمة كبرى أيضا, فهي فرصة ذهبية وهامة جدا يجب استثمارها أيما استثمار لإصلاح ما فسد من عمل دنيوي على مدى الأيام الخالية.

والحمد لله على هذه النعمة وعلى كل نعمة أنعم بها علينا ونسينا ان نحمده عليها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :