facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عشر راتبي .. عشر وقتي


م. أشرف غسان مقطش
02-02-2019 11:09 AM

في نهاية عام 2018، كنت أفكر ماذا سأفعل في عام 2019. كنت أراجع دفتر أيام العام الماضي، أقلب صفحاته، أتأمل سطوره: ما بينها، ما وراءها، وكان ما كان من جردة حساب بيني وبين نفسي، على مخزون تلك الأيام من ذكريات تباينت في طعمها من يوم إلى يوم؛ تارة حلوة مثل مربى التين الشهي الذي تصنعه أمي، وطورا فيها من المرارة ما تجعلني أتقيأ ساعاتها ودقائقها من جوف زماني.

أردت حينها أن أفعل شيئا جديدا، شيئا لم أفعله من قبل، شيئا يضفي تغييرا جذريا على نمط حياتي، شيئا فيه من التغيير ما يزكي رائحة الأيام؛ فقررت قرارين جديدين.

ومشكلتي أحيانا أنني أخطط، وأقرر، وأحدد البرنامج لتنفيذ ما أقرر ثم يبقى كل هذا مجرد أفكار، هيهات حتى أن يبق حبرا على ورق، بل مجرد أفكار عابرة مثل سحب عابرة لصيف دابر.

في الديانة المسيحية، في طائفة اللاتين تحديدا، الكنيسة في الوصية السادسة من وصاياها السبعة، توصي المسيحي أن يوفي البركة أي ألعشر بحسب العادة؛ أي أن يتصدق بمقدار عشر دخله إن لم أخطئ في التفسير. وإذا رآني أحدكم مخطئا في ذلك فليصحح لي. ولعلني لا أجانب الصواب إذا ما قلت أن العبرة من الوصية ليست في "العشر"، بل العبرة في الصدقة؛ أن يتصدق الإنسان لأخيه الإنسان ما كان بالإمكان من الإحسان. ويكون الإنسان في أعلى مرتبة من مراتب الإنسانية حينما تكون الصدقة نابعة من خزنة قلبه ولو كانت عشر العشر الذي أوصت به الكنيسة، ودليلي في ذلك قصة إبن مريم وفلسي الأرملة.

وقراري الأول كان أن أخصص عشر راتبي لشراء الكتب، والفكرة هنا أيضا ليست في "العشر"، بل في "شراء الكتب"؛ أن أذهب في نهاية كل شهر إلى المكتبة، أي مكتبة، وأن أمضي وقتا من الوقت في المكتبة، وأن أنظر أغلفة الكتب وأتأملها؛ فهناك كتب أجمل ما فيها غلافها كما قال الروائي الأميركي هيمنغواي، كما لو أني في معرض لوحات فنية، أنظر اللوحات وأتأملها. وأن أطلع على عناوين الكتب؛ فسيماء الكتب في عناوينها، والمثل الشعبي يقول: "المكتوب مبين من عنوانه". وأن أداعب صفحات الكتب كما لو أني أداعب عشيقتي بشعرها. وأن أتوقف عند فقرة ما في صفحة ما، أقلب جملها وكلماتها ذات اليمين وذات الشمال، علني أستشف منها شخصية الكاتب؛ أهو يميني أم يساري أم وسطي في تناوله للسياسة؟ أهو ذاتي أم موضوعي في تعامله مع الحقيقة؟ أهو متطرف أم معتدل في الدين أم متشكك؟ أهو صادق أم كاذب أم غامض فيما يقول؟ كل هذه الأسئلة قد تجد إجاباتها جميعا في فقرة ما من فقرات الكتاب. وأن ألتقط أخيرا كتابا أو إثنين أو ثلاثة كتب، لا يهم عدد الكتب أو أثمانها، المهم أن ألتقط ما كان بالامكان من الاحسان إلى الانسان القارئ في داخلي، كما لو أني ألتقط قطفا أو قطفين أو ثلاثة قطوف عنب من تلك الدالية التي زرعها جدي على مدخل منزل والدي في عنجرة، لا يهم عدد القطوف أو أحجامها، المهم أن ألتقط منها ما كان بالإمكان أن يسد الجوع، هذه هي الفكرة.

ولكي يدخل قراري الأول حيز التنفيذ، بلا تأخير أو تأجيل، في نفس اليوم، في نهاية العام الماضي، ذهبت إلى المكتبة، وإشتربت كتبا، وفي نهاية الشهر الأول من العام الحالي، ذهبت إلى المكتبة، وإشتريت كتبا. إذن نجحت هذه المرة في تحويل الفكرة إلى ممارسة.

والقرار الثاني كان أن أخصص عشر وقتي للقراءة. وأنا كنت أقرأ من قبل، لكن كيف كنت أقرأ؟ كنت أقرأ بمزاجية، فقد يمر شهر، شهران، ثلاثة أشهر دون أن أقرأ حرفا، ثم فجأة ومن دون سابق إنذار، تجدني أقرأ ساعات وساعات بلا كلل أو ملل، أياما وأياما بلا وقوف أو توقف، حتى إذا تعكر صفو مزاجي، توقفت عن القراءة إلى إشعار آخر. لهذا قررت هذه المرة أن أقتطع كل يوم عشرا من وقتي للقراءة، والغاية ليست في "العشر"، بل في القراءة كل يوم كيفما كان مزاجي؛ فإذا كان مزاجي عكرا أنقيه بالقراءة ولو صفحة، وإذا كان مزاجي حسنا، أزيده حسنا بالقراءة ولو فقرة.

ولكي يدخل القرار الثاني حيز التنفيذ، بلا تأخير أو تأجيل، التزمت بأن أقرأ لنفسي كل يوم قبل المنام ولو خمس دقائق من القراءة، كأني ذاك الأب الذي يقرأ لطفله قصة قبل المنام، وهكذا كان.

منذ بداية هذا العام، كل يوم قبل المنام، أقرأ خمس دقائق، عشر دقائق، عشرين دقيقة، لا يهم، المهم أن ألتقط كتابا من مكتبتي لأقرأ، كما لو أني ألتقط وردة من المزهرية لأشمها، وأن أأوي إلى فراشي برفقة كتاب، كما لو أني برفقة عشيقة، وأن أقرأ حتى يخيط النعاس عيني.

قراران قررتهما نهاية العام الماضي صارا قيد التنفيذ منذ بداية هذا العام حتى تاريخه: عشر راتبي لشراء الكتب، وعشر وقتي لقراءة الكتب، والمغزى ليس في "العشر" بل في "القراءة"، وعشرة أعشار حياتي حتى اللحظة صارت أجمل مما كنت أتخيل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :