فيروز .. أغنية تنسى أن تكبر
18-08-2009 06:48 AM
(هي الاغنية التي تنسى دائما ان تكبر.. هي التي تجعل الصحراء اصغر ، وتجعل القمر اكبر).. بهذه الكلمات اختصر محمود درويش دنيا ملأى بالمشاعر ، وكشف لنا ارتعاشة قلوبنا ونحن نسترق الدمع هيافا الى صوتها "فيروز".
فجارة القمر.. يشكل صوتها المنحدر من قمة جبل الارز في لبنان نسيج وحدة ، لا يغفله العاشقون ، فحسب.. بل يتعداه الى ملامسة وجع الانسان ، فأغنياتها خيط يعانق الانسان بتفاصيلة اليومية الدقيقة.
مع اطلالات الصباح تشتاق الاذن مليا الى صحبة صوتها في الحًل والترحال ، الى الخروج من كم الاحزان الذي أيبس ذاكرتنا وغمها الماً ومعاناة ، تشتاق الروح الى دمعة من فرح تمحو الغصة التي نَمت فينا واذابت ببقائها صحوة الحب الذي قتلناه في ليلة حالكة السواد.
حين نستقبل صوتها صباحا ، يفيق الاحساس فينا ، الذي غفا متثاقلا ذات ليلة غائمة بالحزن الدفين ، لنشعر بأن الحياة كلها نغمة صباحية لا تعرف النعاس ، وعندها قد تنقلب الموازين فتختلط اوزار الوقت ببعضها ليعلن ولاءه من دون شك لتلك الشهرزاد التي لا تسكت عن كلامها الأخاذ على اطلال الليل المنجلي.
تشعر بحرارة احساسك ، وانت تقلب موجات الراديو "في زمن الغناء الاصم ، واثارة الجسد ، ومخاطبة الغرائز" بحثا عن صوت ملائكي الهوى يأخذك بسحره لتدخل دنيا يعبق جوها بسحر العطاء ، فلا تدري عن احاسيسك التي انسابت دفاقه ، ولا تخرج من ولهك هذا ، الا بعد ايقانك بابتعاد الحس الفيروزي عن محيطك ، لكنك تبقى تعيش على رنات قوافيها المحملة بخليط يشبه الشهد بحلاوتها المتسللة الى دفء القلب ، حيث ينمو الوله براحته هناك.
في صوتها نبحث عن تفاصيلنا المتعبة ، ، عن روحنا التي تركناها قبل المغيب ببضع دقائق مرهقة ومعبأة احزانا ودماء ، كيفك انت.. تسألنا بها عن احوالنا التي تردت ، ونتطلع معها الى تاريخ آت ، قد ينسينا علقم الواقع وخسارات الامم.
شايف البحر شو كبير.. تأخذك هي اليه لترى بحسك اتساع الدنيا التي ان فتحت لها ذراعيك لتحيا ، فأنت ندها بلا وجل ، الا اذا اردت ان يتقهقر احساسك بنرجس الحياة الماثلة امامك.. لتجيبك بثقة ، كبر البحر بحبك ، تتساءل اين هي الحبيبة الضائعه؟ ، وسط اكوام من البشر المتلونين... آهات ودموع ، زيف يغطيهم ، واقنعة تخفي عيونهم الذابلة.
سألوني الناس: عنك يا حبيبي.. "بعدما رأوك حائرا في عيني" ، هذه السلطانه التي تتسلل عاشقة الى بساتين المحبين ، لتقطف لهم من عبق اريج الياسمين حكاياهم المزركشة بلون الفرح ، اتذكر كم سهرت ليلا ، ولهاً عطشاً ، يأخذك الشوق الى ازقة الهوى.. متسائلا عن رصيف او مقعد جلست عليه ، او عن بائع بوظة ادمنت لقاءه في حالة عشق.
فيروز.. هذه الحالة الحاضرة بين ظهرانينا ، الاغنية الباقية في وجداننا ، والمتحدث الرسمي عن اوجاعنا الجاثمة كطود الهلع اللاحق بخاصرتنا الملتهبة ، والزاحفة شوقا باتجاه المزيد من السفر في غينا الثقافي الذي نستنسخه عن الغرب دون وعي او ضمير.
فيروز.. تبقى النرجسة البيضاء ، ذات الالق الملائكي الماثل امام اعيننا ، أملا بالبقاء ثملين بحبها وبصوتها المعجون بزقزقات العصافير المغردة فوق حًسّنا ، وفوق غصات ارواحنا اذا أبينا.
mkhateeb571@yahoo.com
لـ محمود الخطيب
عن الدستور