نمو بلا وظائف .. تقرير التنمية العربية يكشف أزمة سوق العمل العربي (1-1)
الدكتور فؤاد كريشان
15-12-2025 12:28 PM
كشف "تقرير التنمية العربية 2025" الصادر عن المعهد العربي للتخطيط ومعهد التخطيط القومي بالقاهرة عن أزمة هيكلية عميقة في أسواق العمل العربية. حيث اشار التقرير أن العلاقة بين النمو الاقتصادي والتوظيف في المنطقة العربية ما زالت ضعيفة، اذ يُسجل فائض مزمن في جانب عرض العمل لا يقابله طلب كافٍ أو نوعي، مما يؤدي إلى استمرار ظاهرة ارتفاع معدلات البطالة. حيث تُعدّ أسواق العمل العربية، وخصوصاً في الدول المصدرة للعمالة ، إحدى أكثر أسواق العمل تحدياً في العالم. فبالرغم من تحقيق بعض معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة، لا يزال السؤال الأبرز يتعلق بمدى "شمولية" هذا النمو وقدرته على توليد فرص عمل كافية .
ومن خلال الاطلاع على التقرير اظهرت البيانات أن المنطقة العربية تسجل أعلى متوسط لمعدل البطالة في العالم، حيث بلغ متوسط المعدل حوالي 14.9% خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2024. والأخطر من ذلك هو بطالة الشباب (الفئة العمرية 15-24 سنة)، حيث بلغ متوسط معدل بطالة الشباب في المنطقة العربية حوالي 26%، وهو المعدل الأعلى عالمياً. هذه الأرقام تعكس فجوة هائلة بين التزايد المستمر في القوة العاملة (العرض) والقدرة المحدودة للاقتصادات العربية على استيعابها (الطلب).
وحسب التقرير، إن المشكلة الرئيسية تكمن في "الاختلالات الهيكلية المزمنة" التي تعيق نمو أسواق العمل وتجعل النمو الاقتصادي المتحقق نمواً غير كثيف العمالة أو "نمواً بلا وظائف". وحسب ما اشار له التقرير أن مصادر النمو الاقتصادي في كثير من الدول العربية لا ترتكزعلى القطاعات الأكثر قدرة على خلق فرص عمل لائقة، والسبب يعود الى أن معظم الاقتصادات العربية لم تشهد تحولاً هيكلياً عميقاً نحو قطاعات ذات إنتاجية عالية وكثافة عمالية كبيرة. وفي المقابل تسيطر المنشآت متناهية الصغر والصغيرة على نسبة كبيرة من العمالة في الدول العربية المصدرة للعمالة. ففي بعض الدول، تتجاوز حصة العمالة في المنشآت الصغيرة جداً نسبة 40%، بينما تظل حصة العمالة في المنشآت المتوسطة والكبيرة منخفضة، مما يشير إلى هيمنة الوظائف غير المنتجة أو غير الرسمية. ففي الاردن تشكل المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs) حوالي 99.5% من إجمالي المنشآت، وتوظف ما يقارب 60 % من القوى العاملة.
المشكلة هنا أن النمو المعتمد على مثل هذه الهياكل يضعف قدرة الاقتصاد على المنافسة وخلق وظائف ذات أجر لائق ومزايا مستدامة. كما أن جزءاً كبيراً من الوظائف الجديدة يتم توليده في القطاع غيرالرسمي أو في وظائف معرضة لظروف عمل غير مستقرة وهو ما يسمى بالعمالة الهشّة.
في الختام على المستوى الاردني، أن مواجهة أزمة البطالة المزمنة ، وخصوصاً بطالة الشباب والتي تتجاوز متوسطها العربي مسجلة 46.5%، تتطلب ما هو أكثر من مجرد زيادة معدلات النمو الاقتصادي. يجب على صانعي القرار تبني سياسات موجهة لمعالجة الاختلالات الهيكلية في سوق العمل، ودعم التحول نحو اقتصاد يتميز بـ "النمو المنتج للوظائف"، أي نمو يعتمد على الاستثمار في قطاعات ذات كثافة عمالية عالية لضمان أن كل نقطة نمو تتحول إلى وظيفة لائقة ومستدامة.