الأدوية المراقبة بدائل قاتلة لمدمني المخدرات
26-03-2019 07:01 PM
عمون - «عندما انفض الجميع.. علمت أن الأمر حقيقة، فكم هو صعب أن أصلي صلاة الغائب على روح والدي الذي رحل عن هذه الدنيا، وأنا خلف القضبان، كنت أتساءل حينها.. هل هو راضٍ عني؟.. كل ما أتمناه أن يرجع الزمن إلى الوراء، ويرى أبي ما حققته، كم هو صعب أن يرحل وأنا مقيد بأغلال المخدرات 17 عاماً، تحت وطأة الألم، وأسوار الندم على شبابي الذي ضاع هدراً، باختصار لقد عدت من الجحيم». بهذه الكلمات وصف الشاب المواطن خالد ل«البيان» رحلته المريرة مع المخدرات، التي كان يظنها بادئ ذي بدء مسكناً لألم صداع ألم به، حتى أدرك في نهاية المطاف أنه أسير مخدر «الترامادول» وسموم الظلمة في أوكار رفقاء السوء.
اليوم خالد متعافٍ من الإدمان منذ أربع سنوات، بعد فترة علاج طويلة قضاها في المركز الوطني للتأهيل، أصبح يعيش حياة طبيعية، متزوج ويكمل دراسته الجامعية، يردم ثغور الحرمان والألم في نفسه، يلم شتات أحلامه التي وئدت تحت ركام «السم الأبيض».. والتي بدأت بتذكرة ثمنها «خلني أجرب».
يروي خالد قصة كفاحه ويقول: القصة كلها بدأت من سيجارة كانت ترفاً لابد منه في فترة المراهقة، ثم بتعاطي الخمور بأوكار رفقاء السوء، ولم أتوقع يوماً أن أكون حبيساً لحبة ستقلب حياتي رأساً على عقب، كنت أعمل وأجني المال، لذلك كنت صيداً ثميناً لمن حولي، ابتعدت عن البيت، أصبحت لا أرجع إلا نادراً، شكوت ذات مرة من ألم برأسي، كان صداعاً حاداً، فأعطاني أحد زملائي حبة قال لي إنها ستريحني، أخذتها بلا هوادة لأسكت الألم، حسبتها «بنادول» ولكنها كانت «ترامادول»، وقتها لم أكن أعرف أنني مدمن، فكلما شعرت بصداع أطلب منه أن يعطيني، لكنه كان يطلب نقوداً بالمقابل، كنت أدفع لأعيش «بمزاج عالٍ»، ظهرت علي بوادر الإدمان، طردت من عملي ومن المنزل، أصبحت هائماً، أصبحت بلا وجهة غير أوكار السوء.
يتنهد خالد ثم يكمل حديثه من جديد: كنت أحتاج للمال، فبعد طردي من عملي هجرني من كان يعتقد أنني ثري، فأنا مفلس، وما حاجتهم لشخص مثلي، أصبحت سارقاً، أسرق كل ثمين حولي، فالآلام لم تكن تحتمل، وحاجتي للسم أصبحت شيئاً لا مفر منه، عرفت أسرار المهنة، فأصبحت أغوي الشباب ليدمنوا، أصبحت أخلط حبوباً طبية مخدرة متنوعة وأبيعها للشباب، وأجني المال، سجنت مرات عديدة، لكن بلا جدوى، فالسم نخر روحي وجسدي ومستقبلي، وبعدها بفترة، علمت أن أحد المراهقين ممكن اشترى من بضاعتي المغشوشة قد مات بسبب تعاطيه جرعة زائدة، لم أحتمل أنني أصبحت تاجراً «للموت»، تبت وعدت للتجارة السوداء من جديد، ثم قررت أنه لا عودة، وبدأت العلاج في عام 2014 في المركز الوطني للتأهيل بإمارة أبوظبي، كان أفضل قرار في حياتي، تم تأهيلي ومعالجتي جسدياً ونفسياً، لاسيما بعد وفاة والدي، الذي توفي قبل أن يعلم أنني قررت أن أعود من الموت إلى الجادة، 17 عاماً قضيتها في الإدمان على الترامادول والهيروين وغيرها، و4 سنوات ونيف من التعافي التام.
يتابع خالد: لست خجولاً من هذا الاعتراف؛ لأني قررت ألا ألتفت إلى الوراء، قررت أن أجعل أسرتي فخورة بي، تزوجت وأكمل دراستي العليا، وجاري البحث عن وظيفة مناسبة، الحياة جميلة بعيداً عن الأوكار، كنت في السابق حزيناً على شبابي الذي ضاع هدراً، لكني أصبحت أنظر للحياة بنظرة مختلفة، وأن كل ما مررت به كان أكبر تجربة أتعلم منها، أن الصحة والعافية وقبل كل هذا رضا الله سبحانه وتعالى والوالدين أعظم هدف يجب أن يكون نصب أعيننا.
موت بطيء
دهاليز مظلمة، ظاهرها نشوة وراحة ورجولة، وباطنها موت بطيء، بطرق تعاطٍ عصرية، مغلفة في إطار صحي، وقابلة للإدمان المباشر، دون حقن أو طحن، حبة واحدة تتجلى في سلوك انتقامي لتحطيم الذات كردّة فعل لواقع مؤلم أو محاكاة لعادات رفقاء السوء، فهذا الخطر الذي يهدد مجتمعنا ويقتل شبابنا أصبح جلياً في طرق كثيرة، إذ بات تزوير الوصفات الطبية، أوسرقتها في بعض الأحيان، هاجساً جديداً للمدمنين، وتحايلاً على الصحة والعقل لنيل «السم الأبيض».
تجريم
«البيان» نسجت الخيوط المترابطة للوقوف على حلول لإنقاذ المجتمع من هذا الغزو الأبيض، وفي ذلك يقول العميد سعيد السويدي، المدير العام للإدارة العامة لمكافحة المخدرات في وزارة الداخلية: في إطار التشريع القانوني ثمة قانون للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية يتضمن 8 جداول، وكل مادة مذكورة في هذه الجداول تأتي مكافحتها في إطار الوزارة، كما أن أي مواد أخرى غير مذكورة ويساء استخدامها وذات تأثير مخدر تندرج تحت القانون، لافتاً إلى ارتفاع نسبة الإدمان على العقاقير الطبية مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى، وهو ما دفع الجهات المعنية إلى تطوير برنامج إلكتروني أحدث للرقابة على الوصفات الطبية، يشمل جميع المؤسسات والعيادات الطبية الحكومية والخاصة على مستوى الدولة والسعي لنقل مخدر «الكريستال» إلى العقوبات المشددة قريباً.
وقال: «لاحظنا أنه خلال السنوات الخمس الماضية، ارتفعت نسبة الإدمان على العقاقير الطبية مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى، وتبعاً لذلك انطلقت العديد من الحملات، بالتعاون مع وزارة الصحة، ومن خلال هذا التعاون المشترك تم خفض نسبة تعاطي العقاقير المخدرة إلى 30% عام 2017، من خلال تطبيق الرقابة الإلكترونية على الوصفات الطبية للأدوية المراقبة، كما يجري حالياً تطوير برنامج إلكتروني أحدث ليشمل جميع المؤسسات والعيادات الطبية الحكومية والخاصة على مستوى الدولة».
مبادرة «سراج»
وأضاف السويدي: «تم استحداث لجنة وطنية عليا للوقاية من المخدرات تحت مظلة مجلس مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية عام 2016، للإشراف المباشر على جهود الوقاية من خطر المخدرات، وكان من بين الفئات التي تم التركيز عليها الطلبة، واستطعنا بفضل تضافر المؤسسات التعليمية والصحية مع وزارة الداخلية إلى خفض نسب الطلبة المتورطين في قضايا المخدرات وتعزيز السبل الوقائية، من خلال إطلاق العديد من المبادرات مثل مبادرة «سراج»، كم يجري حالياً العمل على سياسات جديدة لمشاريع رقابية وتوعوية مستحدثة لحماية الطلبة من المخدرات وتجفيف منابعها».
دور رقابي
وحول دور وزارة الداخلية في الرقابة على الأنواع الحديثة من المخدرات، قال السويدي: «نواجه تحديات جديدة كل يوم، وتظهر مواد مخدرة غير مدرجة في جداول المواد المخدرة المعتمدة، لذلك نقوم بتحديث الجداول بشكل دوري، لضمان الإحاطة بكل هذه المواد المخدرة الجديدة ومكافحتها، كما أن العقاقير الطبية من أكثر المواد التي يزيد عليها الطلب لسهولة الحصول عليها، وبعد فرض الرقابة المشددة على الوصفات الطبية للأدوية المراقبة، اتجه المروجون والمتعاطون إلى مخدر «الكريستال»، الذي يتم تهريبه من خارج الدولة، وانتشر كثيراً بسبب التهاون بفترة العقوبة، لذلك في هذا الصدد نقوم حالياً بنقل مخدر «الكريستال» إلى العقوبات المشددة.
حصن أسري
يؤكد الدكتور سامر مخول، استشاري الأمراض النفسية أن إدمان المواد الطبية المخدرة لها تأثير سلبي شديد على من يتناولها، حيث تؤثر هذه المواد على الجهاز العصبي، والشائع في المنطقة العربية تعاطي الترامادول واللاريكا والمهدئات مثل الزاناكاس والزانوم، والمحفزات العصبية.
وقال: «المشكلة في الإدمان تكمن في عدة أمور، فليس الأمر متعلقاً فقط بتعود الجسم على المادة المخدرة، فالتعود هو جزء من الإدمان، والمشاكل الأخرى تكمن في احتياج الجسم لجرعات أكبر ليأخذ نفس التأثير، يصبح الشخص غير فاعل وغير منتج في المجتمع وكل تفكيره في الحصول على جرعة من المخدر لتعديل مزاجه، وإهمال حياته وأسرته، ويعاني من المشاكل المادية والسرقة والجرائم ليشتري المواد المخدرة، ويكون عرضة للمشاكل ويؤثر عليه الإدمان وعلى سلوكه ولذا يميل إلى العنف في أغلب الأوقات، ويعاني البعض من ظروف قاسية في الحياة، فيلجأون للمخدر لكي يتناسوا ظروفهم».
تشريعات تنظيمية
إدمان يستشري في العروق، يروي «الكيف» لكنه يُظمِئ الصحة والروح، إذ لم تخلُ أروقة المحاكم من ملفات قضايا حول أطباء وعيادات خاصة وصيادلة يصفون الأدوية الطبية المخدرة لفترات طويلة، وقد تكون منتهية الصلاحية في بعض الحالات للحصول على ثروة غير مشروعة على شفير خيانة المهنة والتحايل والتزوير، وحول هذا الجانب تحدث الدكتور خالد الجابري، مدير دائرة تراخيص الرعاية الصحية والتعليم الطبي، عن الدور الرقابي الذي تنتهجه دائرة الصحة في أبوظبي على الوصفات الطبية لصرف الأدوية الطبية، إذ أكد أن عملية وصف وصرف الأدوية المراقبة تخضع لتشريعات تنظيمية من قبل الدولة، وقد وضعت وزارة الصحة بالتعاون مع دائرة الصحة أبوظبي والدوائر المحلية الأخرى معايير وشروط خاصة لوصف وصرف وتخزين الأدوية المراقبة وذلك لمنع سوء استخدامها وحرصاً على صحة المرضى، إذ من المعروف أن الأدوية المراقبة هي أدوية تحتاج إلى رقابة شديدة لخطورة النتائج، التي تترتب على سوء استخدامها، لهذا فإن هناك نماذج خاصة لصرف هذه الأدوية والتي يتم فيها تحديد الدواء والجرعة الموصوفة التي يجب صرفها من قبل الصيدلي بعد التدقيق على الوصفة عند استلامها، حيث يقوم الصيدلي بتسجيل البيانات الخاصة بالدواء والبيانات الكاملة للمريض في سجل الأدوية المراقبة قبل صرفها للمريض.
أرقام متسلسلة
وأكد الجابري أن الدائرة تقوم بتزويد المنشآت الصحية بالدفاتر الخاصة بالوصفات ويتم تسجيل الأرقام المتسلسلة الخاصة بالدفاتر في النظام الإلكتروني الخاص بالدائرة، وذلك لمعرفة المنشأة المسؤولة عن الدفتر وضمان تتبع الوصفة المراقبة في حال فقدانها، ويجب على المنشآت الصحية إبلاغ دائرة الصحة أبوظبي وأقرب مركز شرطة فور حدوث فقدان لأي من هذه الوصفات.
وأشار الجابري إلى أنه يتم تعيين شخص مسؤول من ممارسي الرعاية الصحية من قبل المنشأة لمراقبة عملية تداول وتخزين وصرف الأدوية المراقبة لديها، وبما أن تخزين الأدوية المراقبة يخضع لقوانين تنظيمية صادرة على مستوى الدولة يتم تخزينها في خزانه معدنية (شبيهة بالخزنة) مثُبتة على الجدار وبعيداً عن مرأى المرضى، كما يتم وضع كاميرات مراقبة لسلامة وحفظ الأدوية المراقبة ومنع أي شخص غير مخول له من الوصول إليها.
تدقيق
وأوضح أن إدارة التدقيق الصحي التابعة لدائرة الصحة أبوظبي تختص بمراقبة مدى التزام المنشآت الصحية والصيدلانية في إمارة أبوظبي بالقوانين والتشريعات المعمول بها، حيث يقوم فريق من مدققي الجودة الصحية بزيارة المنشآت الطبية والصيدلانية في الإمارة بشكل دوري، وفيما يخص الأدوية المراقبة يتم التدقيق عليها بشكل خاص، حيث يتم مراجعة سجلات تلك الأدوية ومطابقتها بأوامر الشراء والمخزون الفعلي للتأكد من عدم وجود أي مخالفة تخص الوصف والصرف.
ونوه بأن الدائرة قامت بالتعاون مع الشركة الوطنية للضمان الصحي «ضمان» بتطبيق نظام يستوجب الحصول على الموافقة المبدئية لشركة التأمين قبل صرف الدواء المراقب للمرضى، بعد التأكد من صحة الوصفة وتطابق الدواء الموصوف والجرعات المحددة مع التشخيص المرضي.
وحول الشكاوى عن فقدان أو سرقة وصفات طبية لأدوية مراقبة، قال الجابري: إن دائرة الصحة أبو ظبي تفرض على جميع المنشآت الصيدلانية الإبلاغ الفوري في حال فقدان أي من الوصفات الطبية المراقبة وذلك للمتابعة وإجراء التحقيقات اللازمة، كما يتم التنبيه على جميع الصيدليات من خلال التعاميم الصادرة والمتوفرة على موقع الدائرة، وذلك لضمان عدم صرف تلك الوصفات.
منصة إلكترونية
وأكد الجابري أن دائرة الصحة تطبق نظام الوصف والصرف الإلكتروني للأدوية المراقبة في بعض المنشآت الصحية المرخصة لدى الدائرة، حيث تم اعتماد هذه الأنظمة الخاصة بهم من قبل الدائرة، وذلك بعد دراسة كفاءته وموائمته لكافة المتطلبات والقوانين المعمول بها في هذا المجال.
وأفاد بأنه يتم حالياً إنشاء منصة إلكترونية لوصف وصرف الأدوية المراقبة والمخدرة على مستوى الدولة كمبادرة من وزارة الداخلية، بالتعاون مع وزارة الصحة والهيئات المحلية وبمشاركة فعالة من الدائرة لزيادة الرقابة والحد من استخدامها بطرق غير مشروعة وتعزيز سلامة استخدام الأدوية، ولوقاية المجتمع من الآثار السلبية الناتجة عن سوء استخدامها، وللقضاء على ظاهرة فقدان الوصفات الطبية الورقية نهائياً.