ردها عليّ إن استطعت .. ثائرة عقرباوي
30-10-2009 08:52 PM
هو القول الشهير الذي ترتاح له أذني منذ أيام، ويمدني بشلال من القوة. عندما جاء من يخبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب بأن أبا جهل قد سب ابن أخيه محمد بن عبد الله... ضرب حمزة أبا جهل وقال له: ردها علي إن استطعت (وكان حمزة لا يزال على كفره) حتى أتبع تلك العبارة بأخرى يقول فيها "وأنا على دين محمد" ليخرج بها من عصبية الجاهلية إلى دين الحق. وما كان ليكون الاسلام دين حق إلا لأنه يدعو إلى الحق والعدل.
أرتاح لهذا القول لا من دواعي التصبر ببعض ما كان في تاريخنا، بل بدواعي أنني صرت أجد أن "الحق" ما لم يكن له ظهيرا فينا فإنه مصطلح عقيم .. أعمى...
الحق الذي يحتاج إلى الجرأة... والجرأة في نظري هي خليط بين العقل والايمان بضرورة استعادته والسعي إلى ذلك. وطننا يا سادة يحتاج أن نتسابق فيه إلى غير المواويل والشعر... يحتاج أن نعبر فيه عن إنسانيتنا ... يحتاج أن نكون فيه نموذجا لأمة وسط. فالوطن هو الناس أولا وآخرا.... حتى الجنة هي كذلك في عرف أجدادنا الذين علمتهم الحياة الكثير. متى كان الوطن رقما أو منصبا أو حتى شجرا ونهرا وجبلا؟!
كم صار يزعجني أنني أنظر في وجوه العابرين... لا يزعجني عبوس الوجوه وحزنخا.. يزعجني أكثر عدم التفاتها لداخلها وانتباهها لضرورة أن تمسح ذلك العبوس بقدر من الجرأة ... يزعجني أن أرى من يهملون أطفالهم في برد الشارع وحره... يزعجني فتاة لا تعدم الجمال لكنها تعدم الثقافة والعلم وربما الاخلاق... يزعجني فتيان في عمر الورد يسهل عليهم سب الأعراض وابتكار الالفاظ الساقطة وإدخالها في قاموس لهجتنا... يزعجني سائق سيارة الأجرة الذي يريد أن يسير سيارته على هواه لا على هوى المستأجر.. يزعجني أن يكذب البائع على السائح في سعر سلعته.... يزعجني أن يقيم ألف شاب وشابة حفل تأبين لمايكل جاكسون في أحد فنادق عمان... يزعجني حتى هؤلاء الذين لم نعد نعرف لهم جنسا.... يزعجني أنهم لم يعودوا حتى يتقنون لغتنا العربية.... يزعجني "برلمان" بلا صوت .... تزعجني حكومات متتابعة تتغير دون أن يتغير ما فيها... يزعجني أننا حتى الان لا نستطيع هضم "التلفزيون الأردني" ... تزعجني حتى ديانا كرزون التي لم نعد نعرف لها هوية...
وكان يقال لي... تبحثين عن الحق في عالم باهت... في شوارع فقدت راحتها وطبيعتها.... كان يقال لي هذه هي العولمة... وكان يقال لي... صحيح أن التاريخ لا يعيد نفسه... لكنه تاريخ ميؤوس منه. باختصار كان يقال لي : أنت تحاربين طواحين الهواء... !!!
أما أنا فصار كالمحكوم عليه بالأشغال الشاقة .... لا أمتلك إلا حرفي وصوتي... وبعض الغضب الساطع الذي أدندن به كل صباح مع مسجل سيارتي...
بالحرف والصوت أحارب ما أستطيع من فساد وابتعاد عن الحق.... أنتصر لعامل النظافة إذا عومل باستعلاء... وأنتصر لديني إذا سبه جاهل.... وأنتصر لطفلي إذا حرم من حقه في اللعب والتعبير... وأنتصر لوالدي إذا اتهم بأنه "فلاح" وأنتصر لوطني إذا جار عليه من يترزقون منه... وأنتصر حتى للموتى إذا نالتهم ألسنة الأحياء الذين الله أعلم بخاتمتهم.
ودوما ينتهي صوتي في قلبي ويقول "ردها علي إن استطعت"!!!