أطلت علينا الدكتور ردينة بطارسة قبل فترة من الزمن بمقالة طبية رائعة على صفحات عمون عن المنسف. وهي مقالة مهمة طبعا وربما تغير من بعض المفاهيم الطبية عن المنسف. وكان عنوان المقاله هو " المنسف وليمة وطبيب" أنصح الجميع بقرائتها. وهذا هو الرابط للمقال:

http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleNO=50317.
كذلك كتب لنا الأخ محمد حسن العمري مقالة ينعى فيها المنسف, وهو يقصد المنسف الأصلي. لأن المنسف تغيرت اشكاله وانماطه. وتكملة للصورة ولأن للمنسف حق علينا , فإنني سأتناول المنسف في حيث قيمته الإجتماعية معتمدا فيها على ما سمعت وقرأت وشاهدت. لذلك أتوقع الكثير من الإضافات على شكل تعليقات, أو ربما مراسلة على ألأيميل المرفق.
فالمنسف هو الأكلة الأردنية المشهورة التي تزين أفراحنا وتخفف من أتراحنا. وهذه الأكلة تنحني لها الرؤوس أحتراما وترفع لها الأيدي تحية وتبتسم لمرآها الشفاه فرحا وتتراقص لها الشوارب انتظاراً للحظة الأنقضاض عليها حتى (تفدع فيها تفدع ) على رأي الفنان المتميز الأستاذ موسى حجازين أو سمعه في كاركاتريه الفكاهي في نهفات عليتنا.

سأجول بخاطري بمناسف زمان, مناسف الخير والبركة, ايام كان يسمى المنسف (بالسدر) لكبر السدر الموضوع فيه المنسف قبل ان تنقلب الدنيا وتصبح السدور بنصف حجم السدر القديم أو ربما ربعها. وبدلاً من أن يجلس على السدر عشر رجال (زلم) اصبح لا يجلس عليه الا أربع زلم لصغر السدر. وقد أخبرني أحد الأصدقاء أن الشيوخ زمان كانوا يتفاخرون بكبر سدورتهم. وذات مرة سمع أحد الشيوخ عروسه تقول لمن حضر من النساء يوم زفافها لهذا الشيخ عندما حضر الزاد أن سدور ابيها أكبر من سدور الشيخ (زوجها العريس ) فما كان منه الا أن طلقها لأنها تفاخرت بسدر ابيها.

أنا طبعا لست ضد التطور فهو نتيجة حتمية. وقد سمعت عن وثيقه شعبية بأن يتحول أكل المنسف من طريق الدرابي وضرب الخمس الى طريقة البوفيه بالصحون والمعالق وهذه طبعا للتوفير على صاحب العزومة. لكن لنقف هنا لحظه أو لنقعد لحظتين لنسأل السؤال التالي: هل فكرة المنسف هي للأكل فقط؟ أليست له مدلولات إجتماعية وحكم أخرى يجب أن نقف عندها؟ تحضرني افكار – مجرد أفكار ,فأنا لست عالم أجتماع- أحببت أن أضعها بين يديكم. طبعا لن أحدثكم عن كيفية صنع المنسف,فهي معروفة للجميع. أنما خواطري هي حول أدبيات المنسف وطقوسه الإجتماعية.

أولا: كبر حجم السدر له بعد أجتماعي, فهو يسمح لأكبر عدد من المشاركين الجلوس (وليس الوقوف طبعا) كتفا لكتف فيتحدثون ويتمازحون ويتآلفون وربما يضيفون (بتشديد الياء) بعضهم اللحم قبل أن يطلع علينا بعض الناس بمقولة "الصقر ما بتقطعله اللحم" وهذا يعني ان الرجل لا يريد أن يضع أحد اللحم أمامه. كذلك فإن طريق الجلوس حول المنسف هي بأن يضع أحدى رجليه تحته ويرتكز على ألأخرى لتعطي مساحة أكبر وتسمح لأكبر عدد من الحضور الإلتفاف حول المنسف وهنا لابد من الإشارة أنني تلقيت توضيحا من بعض الإخوان حول الجلسة اضعه بين علامتي تنصيص " ولكن اسمح للى ان اضيف بنسبه للجلسه :توضع قدم الشخص اليسار بمستوي المعده بشكل ضاغط قليلا هل تعرف لماذا" حتي يكون هنالك ضغط على المعده حتى لا يسترسل الضيف بالاكل ويصل لمستوي التخمة" والعهدة على الرواي. كذلك فإن اشتراط استعمال يد واحده للأكل هي مرتبطة بهذا الموضوع حيث تستعمل اليمين وتوضع اليسار خلف الظهر, فتكثر اللمة حول المنسف.

ثانيا: بما أن الحديث عن مناسف زمان لآبد من الإشارة أن الناس كانوا يقومون على المنسف على شكل جماعات أو ما كان يعرف باسم "طورات" كما يقولون. طبعا قد كان ذلك ايام زمان عندما كان الناس فيها سواسية قولا وفعلا. وهذا يفسر كبر حجم السدر. فالضيوف يقومون أولا ثم "المحليه" وهم اقارب صاحب العزومة. ويقوم المعزب على خدمة الضيوف من تشريب وخلافه. ومن غير المستحب مراقبة أكل الضيف والتعليق عليه بأنه "يا زلمة ما أكلت شي انا شايفك ما أكلت اشي" فهذا لا يجوز لأنه ربما يحرج الضيف مع أن النوايا سليمة والقصد منها المبالغة بإكرام الضيف. وهنا تحضرني قصة طريفة حول هذا الموقف. يحكى أن رجلا ضعيف البصر حل ضيفا على أحد الشيوخ. وعندما حضر الأكل لاحظ المعزب أن هناك شعرة بيد هذا الضيف فقال له: يا ضيف انتبه ففي لقمتك شعرة. فقال له الضيف :الله أكبر! أتراقبني مراقبة من يرى الشعرة بيدي؟ والله لا أكلت لك زاداً أبدا, وقام ولم يأكل غضبا على المعزب الذي كان ينوي الخير للضيف, ولكن الضيف أخذها من جانب آخر وهو ان المعزب يراقبه.

ثالثا: بناء على أولا وثانيا لا يجوز حسب الأصول أن "تفصفص" اللحم وتبقيه عظما, اذا يجب أن تبقي عليها شيئا لأنه بعد الأنتهاء من المنسف يأتي دور الأولاد وما لف لفهم من غير الضيوف, فيجب أن لايكون السدر قاعا صفصفا بعد الأكل. ومن هنا تأتي حكمة أخرى لإشتراط استعمال يد واحده فقط للأكل وذلك للإبقاء على كمية من اللحم تكفي من يأتي لاحقا. ويرتبط بها كذلك أن لا يجوز أن يظهر قاع السدر, أذ يجب أن تأكل زي ما بقولوا "من فوق لفوق". لا تكن كجك الهامر يحفر حتى تبان الصخر, فليس الهدف إقامة عمارة (للمداعبة) .

رابعا: لايفضل أن تقوم قبل جماعتك عن المنسف أنما تبقى لتقوموا جميعا, وذلك حتى لا يحرج أحد ويقوم قبل أن يشبع. فكما بدأتم جماعه كذلك تقومون.

خامسا: هناك خطاء شائع جدا وهو متعلق برأس الذبيحة, إذ يجب عدم المساس برأس الذبيحة. فقد أخبرني والدي أطال الله في عمره بأن صاحب العزومة له الحق بأن يطلبك للقضاء العشائري إن أكلت من الرأس وذلك لأن فيه إهانة لصاحب الدعوه واتهامه بأن اللحم الموجود غير كاف. وقد تأكدت لي هذه المعلومة عندما شاهدت حلقة من برنامج تلفزيوني " يوم جديد " تقدمه الأخت منى الطروانه مع أحد شيوخ العشائر حيث تحدث عن موضوع الرأس وقال " الرأس عادة للقهوجي وهو ما يعني العمال بلغة هذه الأيام". لذلك فإن مقولة أن الراس للراس ما الها أساس بالمنسف. انما يقال أن الراس للقناص وهي عادة أخرى كان فيها فرسان الحي يتباروون بالطخ على الراس, حيث يأخذ الراس من يصيبه كجائزة على حسن رمايته, ولكن راس المنسف يبقى على حاله.

هذه بعض الخواطر أحببت أن اسوقها لقراء موقعنا الكريم, ومن عنده زيادة فليزد.

تحياتي للجميع وتذكروا بيت الشعر التالي للمداعبة ايضا :

وإن مدت الأيدي الى الزاد لم أكن ///////////// بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

وصحتين وعافية

alkhatatbeh@hotmail.com