جبران خليل جبران ولعنة السل .. بقلم سفيرة النوايا الحسنة لدحر مرض السل الفنانة رانيا إسماعيل
mohammad
18-01-2010 04:16 AM
أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود
وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود
جرثومة السل اللعينة فتكت بأمه وأخته وأخيه، ولم يستطيع هو الإفلات منها، فهي جرثومة عنيدة تسكن في الجسد وتغتنم فرصة الضعف ونقص المناعة لتسيطر وتفرض سخطها عليه.
لكن رغم سطوة جرثومة (كوخ) إلا أنها لم تستطع قتل الإبداع في عبقرية جبران خليل جبران، الكاتب والشاعر والمصور والرسام، أبدع بهذا كله إلا أنه لم يبدع بالتخلص من سطوة جرثومة السل.
مرض السل كان له تأثيرا على مزاجية جبران خليل جبران جعله عصبيا، مهتاجا، ودائم الإقبال على الكحول مع الوصول لمرحلة الإدمان، فكانت جرثومة السل تعمل على تحريض خلاياه العصبية الدماغية ما بين الهياج والعبقرية والرقة والذكاء، حتى أن الأديبة الأمريكية (غابرييلا) وصفته فقالت " كان يحمل بين تلافيف دماغه كل أحلام البشرية، وذكاء خارقا، ولطفا غير متناه، نعومة ورقة تفوقان الوصف.
ولد جبران في لبنان 1883 وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية 1898، سكن مع والدته في حي الصينيين، بحقارة هذا الحي وقذارته, فبدأت مواهب جبران تتفتق فبدأ بالرسم ثم الأدبيات، والشعر .
"سلطانة" أخت جبران الذي نهش مرض السل رئتيها فتوفيت وبعد فترة نهش السرطان و السل أمه فتوفيت.
بقيت له أخته "مريانا" والتي جعلت من إبرتها صديقة لها فكانت تعمل لسداد الأولويات من غاز وإيجار وطعام وقضت حياة جبران بين النجاح والفشل ليعيل الأسرة الصغيرة.
فرسم اللوحات التي أكثر من ذكر الموت والألم فيها و السبب فقدانه لعائلته بلعنة هذا المرض وهذا الأثر واضح في لوحته " رقصة الأفكار" و " فوارة الألم".
كثر معجبوه وأتسع مورد رزقه، لكن المرض ظل يماطل جبران، سنين عديدة وجبران ظل يماطل المرض وسرعان ما حقق " بفترة مرضه" شهرة عالية جدا في أمريكا وهذه الشهرة لم يبلغها أحد المبدعين في عصره وأصبحت أرباح كتبه فوق ما يتخيله فعوضته عن أيام البؤس والشقاء، لكنها لم تعوضه عن الصحة فوصف جبران قلبه بقوله " قد جئت هذه المدينة (واشنطن)، وأنا أتنقل من طبيب اختصاصي إلى طبيب اختصاصي آخر ومن فحص دقيق إلى فحص أدق، كل ذلك لأن هذا القلب قد فقد وزنه وقافيته، وأنت تعلم يا ميخائيل (ميخائيل نعيمة)، أن وزن هذا القلب لم يكن قطا مطابقا للأوزان وقافيته لم تكن أبدا مماثلة للقوافي"، حياته كانت مهددة بين اللحظة والأخرى لكن كلماته كانت " فلتفعل الأقدار ما تشاء".
كان الأديب الكبير "ميخائيل نعيمة" أنيس وحدته وإحدى مؤلفاته هو "جبران خليل جبران، حياته، موته، أدبه، فنه"، فوصفه بأنه شاعر اليقظة الروحية شاعر الوحشة والعزلة، وتحدث في بداية كتابه عن مرض جبران وموته فلقد صدم ميخائيل نعيمة من اللحظات الأخيرة لموت جبران فلم يستطع جبران بما ملك من قوة التنغيم والتصوير اللغوي من نطق أي جملة سوى كلمة " غرغر" وهو ملقى على سريره فقال فيه ميخائيل نعيمة" سلام على قلبك الدقاق، وأنفك البراق، وعلى ما أبيض من شعرك وما أسود من شعرك".
مات جبران عام 1931 وهو في عمر الشباب
جبران خليل جبران ... العبقرية التي حضنت العالم بأفكار المساواة بين الرجل والمرأة، تغنى بالأفكار الشمولية وبالحرية والديمقراطية، لقد وضع الحلول المنطقية للمشاكل الثقافية، فعلا لقد أستبق جبران العولمة وإبداعاته واضحة بالتأليف بل في مئات المؤلفات بالعربية والانجليزية، مثل " كتاب الموسيقى- الأجنحة المتكسرة- عرائس المروج- دمعة و ابتسامه- .....الخ".
ومؤلفاته باللغة الإنجليزية " المجنون – النبي – رمل وزبد- حديقة النبي".
وكرم هذا العبقري في مختلف البلدان فلقد أنشئت في واشنطن وبيروت حديقة باسم جبران كما أقامت العديد من الجامعات العالمية مؤتمرات تناولت إبداعات جبران وفنونه، لقد أصبح جبران أسطورة بعد موته كحال الغالبية العظمى من المبدعين.
وقد أوصى بريع مؤلفاته لخدمة أبناء مسقط رأسه بشرى حيث تنام في متحفه العديد من اللوحات والمخطوطات والمقتنيات.
من الممكن إنني أطلت في مقالي هذا لكن من يقرأ حياة جبران خليل جبران يجدها مليئة بالأحداث.المتعة، القوة، والانكسار، فلقد كسره مرض السل لكنه أعطى الكثير للعالم وما زال يحيا و سيحيا بأدبه ومؤلفاته ومكنوناته الفكرية، ستبقى حياته وأدبياته ومأساته في مرض السل تدرس في الجامعات العربية والغربية....
" إن النفس الكئيبة تجد راحة بالعزلة والانفراد فتهجر الناس مثلما يبتعد الغزال الجريح ويتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت" جبران خليل جبران.
Tb_joembassador@yahoo.com