facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




السلط الألم الصامت (2)


د.مصطفى التل
07-12-2020 10:18 PM

برزت مدينة السلط كأكبر مركز تجاري في الشرق الأردني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , حيث بلغ التطور التجاري في المدينة إلى درجة إنشاء غرفة تجارية فيها من قبل الحكومة العثمانية كانت تعرف بــ( تجارة اوضة سي ) , تزامنت مع إنشاء محكمة خاصة للتجارة في السلط , وتعيين بندر للتجارة في المدينة . الذي كان أول رئيس لها المرحوم ( مصطفى الداوود ) , كما تشير الى ذلك سجلات محكمة السلط الشرعية (1882-1885 ) .

* السلط مركز تجارة نشط والأكبر في شرق الأردن:

موقع السلط الجغرافي المتوسط بين الشام والحجاز من جهة، ومصر والشام وفلسطين من جهة أخرى، أكسبها أهمية تجارية متميّزة، فكانت ملتقى الطرق القادمة من فلسطين والشام الى شرق الأردن، فقوافل الحجيج القادمة والعائدة إلى الشام وفلسطين كانت تمر منها لزاما، فكان شرقي المدينة محطات سنوية للبيع والتبادل التجاري مع هذه القوافل.

سيطرة الحكومة العثمانية على السلط وإخضاعها عام 1866 ميلاديا، لعب الدور الأكبر في ازدهار المدينة، وجعلها قائم مقام اقليمي للمنطقة المحيطة , إذ استتب الأمن فيها , وتمت حمايتها من غارات البدو التي كانت متكررة على المدينة وعامل قلقل وعدم استقرار, فأصبحت السلط ملاذا آمنا للتجار ولأصحاب رؤوس الأموال , في وقت كانت تعاني مناطق أخرى محيطة من اعتداءات البدو وقطاع الطرق فيها , مما أهلها بشكل تدريجي لأن تصبح مركزا تجاريا لشرق الأردن برمته , والأكبر فيه .

(طابو ) السلط الذي أنشئ من قبل الحكومة العثمانية لعب دورا مهما في ازدهار المدينة تجاريا , وتوسع التعاملات التجارية بين فلسطين والسلط من جهة , وبين السلط والشام وفلسطين من جهة أخرى.

حيث أن هذا المركز شجّع أهل المدينة أنفسهم على توثيق ملكيتهم العقارية في (الطابو) بشكل رسمي , وشجّع مَن هم خارج السلط لتوثيق عقاراتهم أيضا في طابو السلط , فكانت التوثيقات تأتي من فلسطين والشام .

وهنا برز دور أصحاب رؤوس الأموال في إنشاء سوق سوداء للعقارات بمختلف أنواعها كانت تدار من قبلهم , حيث كانت الحكومة العثمانية تفرض ضرائب ورسوما على الأراضي والعقارات, فلجأ فلاحو السلط وسكانها إلى التهرب منها بعدة طرق , كانت أهمها , اللجوء إلى أصحاب رؤوس الأموال والذين كان أغلبهم من خارج السلط , ويترافق مع غناهم أنهم كانوا يشغلون مناصب إدارية في دوائر مختلفة في السلط في ذلك الزمن , مما سهل عليهم عملية تسجيل هذه العقارات والأراضي بأسمائهم وتوثيقها لدى الطابو في السلط , مقابل مبالغ مالية أو مشاركة في محصول الأرض أو الريع للعقار أو رهنها كطريقة للتهرب من الضرائب , وكانت الأراضي والعقارات تسجل بطريقة تقديرية بأسعار رمزية زهيدة , مما سمح لهم وسهل عليهم تملك عقارات وأراض في السلط ومحيطها .

منهم على سبيل المثال ( اسكندر كساب ), وهو من دمشق وكان يشغل منصب مدير قضاء بني صعب التابع للواء نابلس والبلقاء , إذ تملك في السلط عن طريق الشراء والرهن خمسة بيوت , بالإضافة إلى (3885) دونما من أراضي سوميا , كما ورد في السجل الشرعي لمحكمة السلط رقم (10) الإدانات الشرعية العقارية لعام 1903 ميلاديا , و( ريحان آغا ) الذي كان يشعل وظيفة مباشر محكمة السلط الابتدائية , و ( أسعد الشملاوي ) الذي كان يشغل وظيفة مدير عام مالية القضاء .

البنك الزراعي العثماني كان له الدور الأكبر في حركة الرهن العقاري وبيعه في السلط , وهو بنك تم إنشاؤه من الحكومة العثمانية في استانبول , وافتتح له فروع في الولايات العثمانية المختلفة وقصباتها , حيث كان أول فرع للقصبات يتم افتتاحه في قصبة السلط , كان الهدف منه هو إنقاذ المزارعين والفلاحين من جور المرابين , وظلمهم , ولكن إساءة استخدام القروض من قبل الفلاحين والمزارعين مما أوقعهم ضحية الديون المتراكمة , حيث كان من شروط القروض الرهن العقاري .

ومن العوامل التي ساعدت في تنشيط حركة العقارات في السلط بين رهن العقار أو بيعه , شيوخ القبائل , وحاجتهم الملحة للمال لتسديد النفقات المترتبة على التزاماتهم المختلفة بحكم المشيخة , أو وقوع الأراضي بين العربان , مما يعني عدم القدرة على استغلالها أو استثمارها " كما ورد في بحث منشور في مجلة الدراسات الإنسانية لجامعة البلقاء للباحثة الدكتورة شادية العدوان بالاشتراك مع الدكتورة سهيلا الشلبي والذي نشر في عام 2013"

السلط كانت لها علاقات تجارية تصديرية واستيرادية مع فلسطين والشام وأوروبا , حيث كان الفائض من الأسواق المحلية تصدر الى تلك المناطق , حيث كانت تصدر الى نابلس والخليل والقدس المنتوجات الزراعية بمختلف أصنافها مثل السمسم والحمص والزبيب , وأوراق السماق التي كانت تستعمل في دباغة الجلود , وكانت تصدر الحيوانات أيضا , مثل الجمال والأبقار والماعز والحمير .

وتستورد من يافا والقدس , الأقمشة والقهوة والسكر والأرز والأخشاب والزجاج ولوازم البناء , ومن نابلس الصابون والبارود وسكك الحراثة .

أما الشام فكانت السلط تستورد منها الأقمشة والعباءات والقنابيز , والعقل والحطات والأحذية , ومختلف المواد الغذائية مثل الأرز والتمر , والبهارات , والقهوة .

وأيضا ملح الباردود والكراسي والأدوات المنزلية المختلفة , والأراكيل المختلفة , كما ورد في كتاب الطراونة المعنون بتاريخ البلقاء .

أما الصادرات للشام فكانت الشعير والحنطة والصوف والسمن والألبان والأجبان والحيوانات .

كما انفردت السلط في صناعة في مادة ( القلي ) واستخراجها , وهي مادة رائجة تجاريا , حيث أبدع بدو الوسط من بني صخر بإنتاجها , وكانت تستخرج هذه المادة عن طريق حرق أعشاب طبيعية تنمو في البلقاء وجبال الشراه تسمى أعشاب (الدردار) أو ( الأشنان ) , حيث ان الرماد الناتج عن حرق هذه الأعشاب يحتوي على نسب مركزة من كربونات الصوديوم والتي تستخدم في صناعة الصابون والزجاج ذا الجودة العالية جدا , فكان التصدير بقوافل الجمال الى القدس ونابلس وغزة هاشم والشام .

والمنتوجات السلطية الزراعية غزت أسواق أوروبا عن طريق مينائي حيفا ويافا , مثل العنب السلطي .

* سوق السلط التجاري مركز نشط تجاريا محليا وإقليميا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر .

المصادر المختلفة تشير أن في السلط أربعة أسواق رئيسية محصورة بمكان جغرافي واحد يتحكم فيه الطبوغرافيا للمنطقة .

الباحثان الأردنيان الدكتور ( عيسى أبو سليم ) من جامعة مؤتة والدكتور ( محمد خريسات ) من الجامعة الأردنية , ومن خلال كتابهما المعنون بــ ( سجلات غرفة تجارة السلط 1884-1937 دراسة وتحقيق ) حددا الاسواق الأربعة بموقعين , هما :

الموقع الأول : يمتد الى الشرق لينتهي بالحمام , ويمتد غربا لينتهي بالجامع الكبير ( القديم ) مقابل السرايا , ليصل شمالا الى دار السجان في نهاية سوق الاسكافية , وجنوبا الى دار مرزوق النبر وكراج دير اللاتين , ومن نهاية سوق الاسكافية يمتد سوق آخر باتجاه شارع الخضر وصولاً الى كنيسة الاردثوذكس .

الموقع الثاني : السوق المفصول بالطريق الرئيسية الواصلة الى الساحة العمومية , وهو ممتد على امتداد واحد , على طول طريق الجدعة أسفل الدرج , لتلتقي الاسواق جميعا في الساحة العمومية , وهناك وجدت دار الوكالة في الجزء الجنوبي من الساحة , والتي هي عبارة عن قيسارية مغلقة تضم عدد من المخازن التجارية .

السلط زودت امارة الشرق العربي أو ما تعرف بشرق الأردن بمعظم ما تحتاجه من انتاج زراعي وحيواني , والازدهار الاقتصادي في السلط جلب اليها تجارا من خارج السلط , ليتوطنوا فيها , وينشئوا تجارتهم الخاصة فيها .

فالشوام والفلسطينيون , توافدوا على السلط بأعداد كبيرة , مما أوجد علاقات اجتماعية وتركيبات ديموغرافية متنوعة في المدينة , عن طريق المصاهرة .

السلط شكلت كتلة اقتصادية بحد ذاتها , حتى أنها أصبحت تتحكم بالعملة المتداولة في أسواقها , فمن استخدام النقد العثماني , الى اعتماد الجنيه المصري عام 1923 , بناء على قرار الحكومة في ذلك الوقت , الى اعتماد الجنيه الفلسطيني بأقسامه المختلفة .

ففي المحصلة يستطيع المرء أن يلمس النجاحات الكبيرة والقفزات التي حققها تجار المدينة في استقطاب الحركة التجارية للمدينة وجعل أسواقها لأسواق الشام المزدهرة وأسواق فلسطين ، حيث كانت أسواق السلط آنذاك تشكل المعبر الوحيد للتبادل التجاري بين هذه الأسواق.

وفي نهاية هذا المحور نستذكر من خلال بعض التدوينات حول سوق الحمام أنه كان يحوي على دكان لصناعة الاحذية ودكان صغير لتصليح بوابير الكاز و القناديل و صناعة الاواني من مادة التنك تعود للمرحوم عادل الادهم , والذي كان يقوم ايضا باضاءة الشوارع باللوكسات القديمة كدور شركة الكهرباء حاليا ، كما كان في السوق مخبز و خانات للدواب ودكان للعطارة وكان اشهر الدكاكين دكاكين الحلوى ومطعم راضي العمد الذي كان يقدم وجبات الغداء لتلاميذ مدرسة السلط الثانوية للبنين في العشرينيات و الثلاثينيات وكان مطعمه الى جانب عين الماء مباشرة على يمين اول السوق.


* الوسط التجاري في السلط يئن تحت الاختناقات المرورية والإزدحامات ..

ان المتتبع لحالة وسط المدينة التجاري , والمتمثل بالميدان وسوق الحمام وساحة العين ومحيطها , وشارع البلدية العلوي والسفلي , وشارع اليرموك , وشارع المؤسسة المدنية , وما يحيط بهما . يكاد يُصدم من سوء البنية التحتية اللازمة للاستمرار بأي نشاط تجاري في هذا الوسط .

من خلال محاولتي للوقوف على الأسباب المباشرة التي أدت الى تدهور الوسط التجاري للمدينة , ومن خلال المحاولات المتعددة للملاحظة العامة , والملاحظات التحليلية , وجدت أن الجميع يُجمع في الوسط التجاري على أن الازدحام المروري والاختناقات المرورية في هذا الوسط , هو العائق الرئيسي أمام الحركة التجارية في وسط البلد , وهذا العائق يحرم الوسط التجاري من أي نشاط تجاري من خلال البيع المباشر أو التزويد التجاري .

الاختناقات المرورية في السلط تصطدم بها من لحظة دخولك ما يسمى ببوابة السلط ونفقها ( الدبابنة ) , نزولا الى جسر السلالم والاشارة الضوئية , مرورا بتقاطع النقب والمستشفى القديم . لتنحصر باختناق مروري قاتل عند اشارة البلدية وبداية المركز الثقافي للسلط .

ومن هناك أينما تذهب فالاختناق المروري يقتلك , ويقتل كل ما بداخلك من أهداف لزيارة المدينة , سوآء تجارية أو استجمامية أو سياحية أو حتى استثمارية .

لتبقى في هذا الاختناق المروري صعودا الى دوار الميدان , لتصطدم بعده باختناق مروري مهلك عند بداية ( الصوانية ) , ومنها تصعد الى ما يسمى مجمع الدوائر ( المناصير) لتصاب بانهيار عصبي من هذا الاختناق المروري الذي يزداد كلما اقتربت من المجمع .

باختصار شديد هذا هو وسط المدينة الذي يضم مختلف المتاحف السياحية , والخدمات العامة , ومختلف الأنشطة التجارية والثقافية للسلط .

* الإزدحام والاختناقات المرورية مشكلة متجذرة في الوسط التجاري :

في عام 2004 , حصلت مناكفات بين ادارة السير في السلط وبلدية السلط , حول الفوضى المرورية في المدينة , إدارة السير حمّلت البلدية هذا الانفلات , وبلدية السلط حمّلت إدارة السير مسؤولية هذا الانفلات .

يطالعنا التقرير المنشور في صحيفة الدستور عام 2004 : " حمّل رئيس بلدية السلط الكبرى المهندس ماهر ابو السمن مسؤولية انفلات السير في مدينة السلط الى تهاون رجال السير وعدم اتخاذ اجراءات رادعة بحق المخالفين، فالشوارع الرئيسية التي كان يمنع فيها الوقوف كشارع البلدية العلوي والسفلي قبل عدة سنوات اصبح الوقوف فيها الآن مسموحاً علماً ان اعداد السيارات تضاعفت، مما يخلق حالة من الارباك ويؤثر سلباً على اصحاب الاعمال التجارية "

بلدية السلط في عهد رئيسها أبو السمن حاولت ايجاد حلول جزئية للمشكلة المتجذرة في وسط المدينة , في نفس التقرير : " . واوضح ابو السمن ان البلدية لم تأل جهداً ولم تدخر اي مجال في سبيل تقديم الحلول الممكنة لتخفيف حدة هذه المشكلة فقامت باجراء بعض الحلول الجزئية والتي من ابرزها انجاز طريق الحسبة - مجمع النقابات بكلفة زادت عن 250 الف دينار وبتمويل ذاتي حيث ساهمت هذه الطريق الجديدة بتخفيف الضغط عن مدخل المدينة لأكثر من 60% حيث ان جميع السيارات القادمة من الاغوار وفلسطين تسلك هذه الطريق الجديدة ولا تدخل المدينة.

كما قامت البلدية باستصلاح العديد من قطع الاراضي والاماكن المهجورة واجريت لها الصيانة اللازمة لتكون موقفاً للسيارات وبالمجان، اضافة الى انجاز مشروع مجمع باصات الرميني الداخل في الساحة المحاذية للبلدية بعد ان كانت تلك الباصات مشتتة في اماكن متفرقة في المدينة وتسبب ارباكاً لحركة السير."

من جانبة مدير ادارة السير في السلط في ذلك الوقت حمّل البلدية مسؤولية هذا الاتفلات والاختناق المروري للسلط , حيث أوضح في نفس التقرير أن ما مجموعه 1070 سيارة صفراء تجوب مساحة لا يزيد قطرها عن 300 متر فقط , وذلك نتيجة ترخيص البلدية لمكاتب سيارات صفراء لا تتوفر فيها مساحات لوقوف تلك السيارات أمام مكاتبها , في مخالفة صريحة للأنظمة والتعليمات التي تنظم ترخيص مثل هذه المكاتب .

حلول متعددة تم تطبيقها ولم تجدي نفعا على مدار اعمار المجالس البلدية في السلط , فرئيس البلدية في عام 2010 ( سلامة الحياري ) التجأ الى الفعاليات الرسمية والأهلية و التطوعية لحل المشكلة القائمة .

والتجأ الى حلول ( الاوتوبارك ) لعلها تجدي نفعا , وملخص التقرير الذي أعدته صحيفة ( العرب اليوم ) في عام 2010 عن جهود رئيس البلدية ( سلامة الحياري) في انهاء أو تقليل هذه المشكلة , والتي تمثلّت في :

- تفعيل خدمة ( الاوتوبارك ) لعلها تجدي نفعا في التقليل من هذه الظاهرة .

- ازالة الحواجز الحديدية من شارع البلدية العلوي في محاولة لايجاد مساحات كافية في الشارع .

- وضع شواخص مرورية تحدد مدة الوقوف بنصف ساعة.

- الدعوة العامة للتجار أنفسهم بعدم ركن سياراتهم أمام محلاتهم لافساح المجال للمتسوقين .

- منع الباعة المتجولين و أصحاب البسطات من العمل داخل المدينة للحفاظ على نشاط الحركة التجارية.

للأسف الشديد جميع هذه الحلول باءت بالفشل .

حقيقة إن جميع الحلول المطروحة مسبقا أثبتت فشلها في حل أزمة المرور ، كمشروع الأوتوبارك، المواقف المدفوعة الأجر مسبقا، وتحويلات الطرق وبناء الجزر الوسطية، وإنشاء التقاطعات.

وتستمر المعضلة حتى كتابة هذه السطور , فلا حلول ناجعة , ولا دواء يعالج الحالة من جذورها .

وذلك أن جميع الحلول المطروحة لم تلامس أصل المشكلة , ولم تحاول الغوص عميقا في أسبابها المباشرة , ومحاولة معالجتها من جذورها .

* ما هو مصدر المشكلة ..

تتحمل البلدية الجزء الأكبر من المشكلة , من خلال تراخيصها المختلفة , والتخطيط المسؤول للمدينة , والوسط التجاري .

إذ لا يمكن التصور الترخيص لمجمع تجاري بدون مواقف , ولا يمكن التصور الترخيص لوسط تجاري بدون متابعة تنفيذ مواقفه الخاصة للسيارات .

من خلال الرصد العام لمواقع الاختناقات المرورية في المناطق الساخنة , ستلاحظ أن مصدرها المجمعات التجارية على الطرق الرئيسية للوسط التجاري .

التعليمات والأنظمة المرعية في تنظيمات الأبنية للمجمعات التجارية , ومخططاتها , يجب أن تحتوي على مواقف خاصة بها تتناسب سعتها مع طبيعة المجمع ونشاطه وكثافة تعاملاته اليومية .

البلدية تُصر على ان رخصها تشمل هذا المحور , ولا رخصة إلا بتوفره , حقيقة إن المخططات المقدمة للترخيص شاملة للمواقف الخاصة , لا بل أيضا المواقف تنشئ فعلا مع المجمع .

بالمقابل , المواطن لا يجد أي مواقف متوفرة في هذه المجمعات أو المحلات التجارية على جوانب الطرق الرئيسية .

إذن لدينا حلقة مفرغة بين ما تصر عليه البلدية , وبين ما يلمسه المواطن على أرض الواقع .

* أين ذهبت هذه المواقف ..؟!!

عندما تهم بالنزول من الدبابنة الى جسر السلالم مشيا على الأقدام أو مستقلا سيارتك الخاصة , ستتفاجأ بنشاط كبير جدا لحركة عمرانية على جانبي الطريق لمجمعات تجارية مختلفة , حديثة الانشاء , أو أن بعضها انتهى فعلا , وتنتظر المستأجر لتمارس غايتها.

وجميعها مرخصة ترخيصا رسميا من مختلف الجهات المسؤولة , ومنها البلدية , والتي يفترض أنها حازت على جميع الشروط المؤهلة لترخيصها بشكل رسمي .

ومن هذه الشروط , الارتداد عن الشارع الرئيسي مسافة 5 امتار حسب ما علمت من مصادر من داخل البلدية نفسها . فضلا عن توفير مواقف سيارات خاصة بالمجمعات , بالعادة تكون الطوابق السفلية للمجمعات نفسها .

المفاجأة الكبرى , ما ان تمارس هذه المجمعات أنشطتها حتى تختفي هذه المواقف , وكأنها غير موجودة , وتبدأ الازدحامات المرورية بمحاذاتها وأمامها , ويبدأ رجال السير بالانتشار وتنظيم السير , بمهمة أشبه ما تكون بالمستحيلة .

وبعد التدقيق بالأمر , ستجد أن هذه المجمعات التجارية , قامت بتأجير مواقفها كمستودعات تجارية , متحدية القوانين والأنظمة والتعليمات المرعية, مما يوجد أزمة خانقة واغلاقات للطرق .

* كيف يتم الالتفاف على التعليمات والقوانين من أصحاب هذه المجمعات ؟!

في محاولة للوقوف على كيفية الالتفاف على القوانين المرعية والتعليمات والانظمة في هذا الخصوص , تقمّصت شخصية مستأجر يبحث عن مستودعات تجارية في منطقة جسر السلالم , وتحديدا عند الاشارة الضوئية , لأغوص في أعماق بحر من الالتفاف على القوانين , والتي لا تخطر على بال شخص , في كيفية الالتفات على التعليمات .

مجمع تجاري عرض علي مستودع تجاري بمبلغ سنوي ( 12) الف دينار أردني , مساحته 200 متر مربع فقط , بعد النزول الى المستودع , اكتشفت انه موقف سيارات مخصص للمجمع على المخطط. تم تقسيمه ليكون مستودعات تجارية.

بعد الوعد بدراسة العرض , خرجت منه لأنتقل الى مجمع آخر، لأجد مجموعة مجمعات تجارية على جانبي الطريق تمنح نفس العرض , ولكن أغلى قليلا بقيمة سنوية تقدر للمستودع التجاري ( 13 ) الف دينار اردني لمساحة تقدر بــ250 متر مربع .

هذه المستودعات التجارية , هي مواقف سيارات للمجمعات التجارية , والتي يفترض أنها مفتوحة لسيارات المتسوقين وأصحاب المحلات والمصالح في المجمع التجاري .

* كيف يتم ترخص هذه المواقف لمستودعات تجارية بايجار ...؟!!

دخلت في نقاش مع مالكي هذه المجمعات التجارية , حول كيفية حصولي على ترخيص لمستودعي التجاري المفترض , كيف أرخصه , وهو في الأساس مواقف لسيارات المجمع .؟!!

الاجابات والطرق كانت صادمة ...منها :

- لا عليك بمجرد أن يأتي الكشف المفترض من البلدية , سنصعد بهم الى طابق أعلى يكون فارغ بالعموم , ويكشفون على هذا الطابق , وتحصل على ترخيص رسمي , وبمجرد حصولك على الترخيص تستطيع ممارسة انشطتك في المستودع التجاري بكل أريحية .

- لا عليك فأنا أعرف فلان أو علان , ترخيصك بــ( الجيبة) , أنا متكفل به , وان لم تحصل عليه لا تستأجر .

شكرت لهم حسن استقبالهم , ووعدت بدراسة الأمر , ومع بعضهم اختلقت خلاف حول قيمة الايجار السنوي وأنه مرتفع .

تركتهم , وصعدت صعودا نحو بوابة السلط ( الدبابنة ) , والتي يفترض أنها خالية من أي اختناقات مرورية بحكم نفق بوابة السلط , وكمية الوعود بشأنه أنه سيحل الاختناقات المرورية من جذورها , أتركه لمقال آخر ليس هنا مجاله , المجمعات التجارية تنتشر على طرفي شارع بوابة السلط , وجميع المجمعات التجارية في هذه المنطقة لا تتوفر فيها أي موقف للسيارات , بإستثناء مجمع يشغله فرع للبنك الأهلي , كشرط للبنك , مما حدا بمالكي المجمع افراغ ساحة خلفية له .

المهم سألت مالكي المجمعات عن مكاتب للايجار ان كانت متوفرة . طبعا متوفرة وبكثرة , وعند سؤالهم عن المواقف الخاصة بالمجمع نفسه , تنوعت الاجابات كما يلي :

- عند الكشف يوجد ساحة فارغة اسفل المجمع , ستكون هي مجال الكشف , طبعا هذه الساحة موضوعة لغايات الكشف والترخيص لجميع مكاتب المجمع .

- الترخيص علينا , ونحن ندبره لك بطريقتنا .

تركت المجمع بالعذر المعتاد , وابتعدت نحو مجمع آخر يوجد امامه ساحة معبدة , مغلقة بجنازير حديدية , وعند سؤاله السؤال المعتاد عن الايجار والتراخيص , أوضح انه يملك مواقف بشكل رسمي , ولكنها مغلقة بالجنازير منعا لاي كان من الوقوف فيها . وهي لمجرد الترخيص فقط , وليست للاستعمال .

ما الحل؟
تستطيع البلدية بتشكيل فرق متخصصة تزور هذه الأمكنة بشكل مفاجئ وتقف على حقيقة المخالفات التي تحدث أزمات مرورية خانقة , وعليه يتم الإحالة للجهات المختصة , والتي تتعامل مع الحالة كمخالفة قانونية قائمة , وتعيد الأمر الى أصله . هذا إن أردنا حلا ناجعا , ولكنه حلا لا يكون إلا مع أصحاب القرار الذين يتحلون بالشجاعة اللازمة .

أكتفي بهذا القدر , على أن نلتقي بالمقال القادم من السلط , الألم الصامت





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :