facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مسار الكهوف وقرية ضانا (صور)


عبدالرحيم العرجان
17-04-2021 10:57 AM

هناك سحر خاص لضانا ومحميتها وأرض أدوم ووادي فينان والذي لا يمكن أن ينفك عنهم.

وصلنا مع وقت العصر لمحمية ضانا بعد أن أنهينا أعمالنا الوظيفية وحجزنا خيامنا بمخيم الرمان البيئي على أن نعد عَشاءنا بأنفسنا، ثم استقلينا البيك اب المعد لنقل الزوار من البرج بمسار اسفلتيّ انهكته الحفر فما أن استلمنا خيامنا بحفاوة الاستقبال حتى كنا نتسابق لدرب جبل الرمان بموعد مع الغروب على مشارف وادي عربة، وقدح من الشاي مع هذا السحر المتعدد مابين حمرة الأرض التي نسب إليها اسم مملكة أدوم وأفق السماء وما عبر به من سحاب مع وقت الغروب وأصوات البلابل بطريق عودتها الى أعشاشها، لنعود أدراجنا لمخيمنا وإعداد عشاءنا لِليلتنا الأولى ليكون مسارنا مع خيوط الفجر الأولى، بعد أن كادت الريح أن تحمل الخيام بجوف الليل الذي خيم عليه صوت حفيف الشجر.

انطلقنا نحو المطلات والقباب الصخرية عبر الطريق محدد المعالم بصفي حجارة على أطرافه يفضل ألا تتجاوزها حسب أعراف مسارات السياحة البيئية، فيما استجد عليه علامات إرشادية بقواعد حجرية واضحة على مدى المسافة عوضاً عن العلامات الخشبية، كنا مع عبور سحاب الفجر بين الجبال والشقوق والشعاب على الموعد، متخللاً جيولوجيا تعود لألفي مليون عام (عصر ما قبل الكامبري) وجزء مهم من تكوين الصدع العظيم لحقب وعصور مختلفة لم تجتمع في مكان آخر بمشهد واحد سوى بضانا.

كانت جلستنا على المطل الذي كان يرتاده الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، مشرفاً على وادي فينان "فينو" الاسم القديم الذي ذكره ملك مصر رمسيس الثاني، والبلدة التراثية والنواطف حتى طور خشم اسماعيل وذنب الثور، جيولوجيا عظيمة بتكوينات الدولومانيت الوردية وما فيها من صدوع وفوالق أصبحت موطناً للكثير من الحيوانات البرية لصعوبة وصول الإنسان إليها، حيث لجأ القط البري النادر والذئب السوري والضبع والوبر إليها، بعد أن قُطعت الكثير من أشجار غاباتها ابتداءً من العصر النحاسي لإشعال مصاهر مناجم فينان حتى أبان الدولة العثمانية التي سيرت قطاراتها وآلة حربها بحطب الغابة للعمليات العسكرية بالحرب العالمية عوضا عن الفحم الحجري، ومستكملاً عليها غبار مصنع الإسمنت المشبع بالسموم والأملاح التي أماتت النباتات وتفجيراته الصخرية التي هجّرت الحيوانات والطيور بذويها حتى المهاجرة منها، حيث أخذت بتغير مسالكها وتصدعات أغارت بالأرض عيون الماء، وهنا جاء دور الجمعية الملكية لحماية الطبيعة 1989 لحماية ما تبقى من هذا الارث.

عدنا على موعد الإفطار المحلي بالمخيم لنأخذ أدواتنا وطعامنا لمسير يوم كامل إبتداءً من الكهوف التاريخية بمسارها السهل متطلب الحذر لتخلله عدد من المقاطع وصعود سلم حديدي مثبت بعناية على الصخور بثلاث مراحل تجاوز العشرين مترًا ليصل للكهف الكبير ذو المخرجين ومطل بنورامي مشرف على كل أجزاء المكان وأثر حركات الطي الصخري واضحٌ فيه، استلهمتنا للقطات وجوه سريالية وأشكال تجريدية، وتحصين طبيعي كما هو الحال بعاصمتهم الأدمية بصيرة ذات المنفذ الواحد البعيدة بضعة كيلو مترات عن هنا، وعلى الجدران ترك العابرون كوات وحفر لطقوس عبادة قديمة وجرون لطحن الحبوب واستقطاب الطيور لشرب الماء لصيدها، فلولا وجود السلم الطويل لما حظينا بهذه الروعة، وهنا انتهى مسار الكهوف لنعود صوب وجهتنا الثالثة قرية ضانا التراثية التي تبعد ثمانية كيلو مترات ذهاب ومثلهم عودة.

أخذنا الدرب الذي دكته أقدام العابرين واضح المعالم ، بحجارة فوق بعضها متعارفٌ عليها بالقراقير عند كل زاوية، وعلامات إرشادية بحكم الرعي من روث الماعز وصوف الخراف العالق على أغصان الأشجار بجنبات الطريق، وما تركته من خدوش رؤوس عصي المسير والارتكاز للرحالة على قباب الصخر الرملي أثناء عبورهم.

كثير من النباتات التي استوقفتنا وبالذات الزريقة النادرة التي ترفع بشكل كبير من درجة المناعة حسب دراسات أساتذة كلية العلوم بالجامعة الأردنية بإشراف د. سوسن العوران 2010 والحميض المجدد للطاقة والمساعد على عملية الهضم وتنشيط الدورة الدموية، وقد أخذ أبو بريص مكمنه بينها وصادفنا عدد من السلاحف وسحلية الورل الصحراوية، وللياسمين الفلسطيني والحور واللوز البري شذاه، والعرعر الفنيقي الذي يصبح صمغه مستكة للطعام وألذ أنواع البوظة والبلوط والرتم والعلندا التي قد يسبب تناولها السكتة الدماغية ولهذا حظرت منظمة الغذاء والدواء الامريكية مركباتها 2004، فليس كل النبات آمن حتى لو حمل أجمل الأزهار وأطيب الروائح، فحين المسير يتطلب الحذر من هذه الأشجار عند حواف الطريق فقد تدفعك ردة فعل أغصانها على أن تكونَ غير متماسكِ الخطوات وأن يكون ارتكاز ثقل جسمك على ساقك المحاذية للحافة بالدرجة الأولى.

تخللنا العديد من مصاطب ومدرجات كانت لزراعة الأدومين وأجدادنا العرب الأنباط الذين عرفوا بنبيذ كرمتهم، لبرودة بساتينهم، فالمنطقة تمتد من 200 متر تحت سطح البحر حتى 1600 في القادسية والرمان، هذا الأمر حظاها بتنوع فريد بحياة نباتية وفطرية، ولكن نقص المياه وارتفاع درجة الحرارة كان له أثر كبير على الغطاء الأخضر ليظهر البلان بكثرة ذو المؤشر الخطر على انحسار الأشجار وتراجعها، وما تبقى منها يعتمد بصيفه على جذوره الممتدة تحت الصخور الجامعة للندى والنواطف الصخرية التي تجف قطراتها سريعاً ببداية الصيف.

وصلنا بساتين البلدة القديمة وأشهرها الرمان والتين ليكون طعامنا تحت شجرة الجوز المعمرة ذات السبعين عام حسب رواية الأهالي، قرب عينها العذبة وبالمحيط عين الفوارة والذيبة والضحل وضانا، لنعود أدراجنا نحو المخيم من نفس الطريق ولكن المشاهدات تختلف ما بين الذهاب والعودة والصخور يتغير لونها والأزهار تبدأ بالانكماش بعد العصر معلنة سبات يوم جديد، وقبل المخيم كنا نشاهد الغروب من مطل آخر؛ فوجدنا المقعد الخشبي الضخم قد قلبته الرياح فعملنا جاهدين على إعادته بمتعة كما كان ليكون لنا ومن أراد السلام من بعدنا.

وبذلك نكون قد قطعنا باليومين سبعة وعشرين كيلو مترًا ، لنمضي ليلتنا الثانية استعداداً للرحيل في صباح اليوم التالي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :