facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين وعد بلفور ووعد بلير؟


رنا الصباغ
01-07-2007 03:00 AM

اختارت الرباعية الدولية المختصة بملف الشرق الأوسط قبل أيام, رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير مبعوثا خاصا للسلام في المنطقة بالتزامن مع مرور 89 عاما على صدور "وعد بلفور" المشؤوم الذي منحت لندن بموجبه اليهود الحق في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين, وبالتالي قدحت شرارة صراع شديد التعقيد تخلّله أطول احتلال عرفه التاريخ. في مطلع الألفية الثالثة, لا يزال الصراع العربي-الإسرائيلي ينثر حمّمه في أرجاء المنطقة ويشعل حرائق في الإقليم من غزة إلى بغداد مرورا ببيروت. في تزامن الوعدين "بلفور" و"بلير" مفارقة مضحكة مبكية!

فالمطلوب أن يحاول رجل الدولة البريطاني توظيف خبرته في 10 Downing Street لإخراج عملية السلام من مأزقها حين يحمل حقيبة دبلوماسية ويجول فيها.

يفترض أن يساند بلير, الذي فقد مصداقيته أمام العرب وغالبية شعبه بسبب تحالفه الأعمى مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في غزوة العراق, محمود عباس المكسور الجناح بعد استيلاء حماس على قطاع غزة.

من بين الأولويات الملحة إنشاء مؤسسات دولة فلسطينية في المستقبل وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية بعد مرور تسعة عقود على وعد كارثي النتائج قطعه وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور عام .1917

ذلك العهد غير المقدس أجّج ستة حروب عربية - اسرائيلية حتى الآن وأشعل حروبا أهلية واقتلع مئات الآلاف من جذورهم. وهو يظل أساس عدم الاستقرار ومنبع الإرهاب والإحباط في العالم العربي المقبل أصلا على صيف ساخن على كافة الجبهات المفتوحة في فلسطين والعراق ولبنان.

"وعد بلفور" أدى الى تشريد ملايين الفلسطينيين من ديارهم عام 1948 ونكسة دمرت بيوتهم عام 1967 وانتهاكات وقتل وتدمير مستمر وإصرار إسرائيلي مع تواطؤ أمريكي لوأد قيام دولة فلسطينية مستقلة. إذ يبدو أن بوش قرّر تحويل حلم الدولتين إلى كابوس قبل ان يستيقظ من فترتي حكمه.

فهل سينجح العطّار بلير في علاج ما أفسده ساسة بريطانيا السابقون؟ هل سيكون باستطاعته خوض ما أسماه في مقابلة صحافية يوم الخميس بـ "التحدي الكبير" الذي سيأخذ منه الكثير من الجهد والوقت؟ وهل سيتمكن من عكس بعض ما جنته بلاده التي نكثت بوعودها لحلفائها العرب- في مقدمتهم الشريف حسين بن علي- المنخرطين في قتال الدولة العثمانية آنذاك.

ونستون تشرتشل نفسه- رئيس الوزراء الأطول حكما القادم من عرش الصحافة- نسب إليه قوله إن بريطانيا سادت على العالم من خلال "خليط من الدهلزة والعصا". ومارست بريطانيا على العرب سياسات الخداع والمراوغة والوعود البراقة بالإستقلال والحرية والانعتاق الذي لم يتحقق إلا عكسه.

بلير سيبقى يراوح مكانه, بحسب مسؤولين عرب وأجانب. ذلك رغم حماسته لجهة حتمية وجود دولتين - "إسرائيلية تتمتع بالأمن وفلسطينية قابلة للاستمرار... لما يرمز إليه هذا النزاع وما يكشف عن حالة العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي والثقافات والديانات" ويحد من الارهاب الذي ضرب العالم. فالرباعية الدولية نفسها- التي تضم ممثلين عن الأمم المتحدة, أمريكا, الاتحاد الأوروبي وروسيا- قيّدت حراكه وحدّدت مهمته الأساسية بـ - تهيئة الفلسطينيين لقيام دولة عبر بناء "المؤسسات الفلسطينية".

أما المسؤولية السياسية فستبقى ملقاة على كاهل "الرباعية". فلا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ولا حتى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يريدون لبلير أن يلعب دوراً سياسياً لأن ذلك قد يتجاوز مصالحهم وأنشطتهم الخاصة. كذلك لا يريدونه التدخل في التفاوض على تسوية نهائية للصراع العربي-الإسرائيلي. الولايات المتحدة تريد الإبقاء على سيطرتها على عملية السلام في حين لا تريد إسرائيل أي تدخل خارجي, خصوصا إذا جاء من أوروبا وبالتحديد بريطانيا.

الرباعية الدولية نفسها فقدت مصداقيتها وأثبتت عجزها خلال السنوات الأربع الماضية بسبب سيطرة إسرائيل على أجندة السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. عجزها وصل حدّا وصف فيه المبعوث الأممي السابق إلى الشرق الأوسط, لمدة عامين, الفرو دي سوتو اللجنة في تقرير "نهاية خدمته" بأنها غير مؤثرة. لا بل ذهب دي سوتو إلى حد الاقتراح بالتخلي عنها لأن جل ما قامت به كان تخفيف الضغوط على إسرائيل ومساعدتها على الاستمرار في سياساتها التوسعية, إفشال عباس وضرب مصداقية ما يسمى بدول الاعتدال العربي التي جيّرت شرعيتها الى القوى والاحزاب والميلشيات التي رفضت السلام منذ البداية.

بلير الذي سيزور المنطقة الشهر المقبل, سيواجه نفس الفشل الذي أرغم سلفه الامريكي جيمس ولفنسون على الاستقالة بعد شهور من الإحباط بسبب السياسات الاسراميركية التي حشرته في زاوية بناء مؤسسات اقتصادية وسياسية فلسطينية - أساس ضعيف لشيء وهمي. قبل أسبوعين, لاحظ العرب والعالم أجمع السرعة التي تم فيها تدمير المؤسسات والمقار التي أشرف ولفنسون وسلطة عباس على بنائها في قطاع غزة بعد أنسحاب اسرائيل الاحادي قبل عامين. تلاشى الجهد بسرعة البرق بسبب غياب تفاوض حقيقي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ناجزة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الاوهام والكلام المعسول والوعود الرنّانة لا تبني دولا ولا مؤسسات قادرة على الصمود والاستمرار.

غالبية الدول العربية لم تستعمل كلمات الترحيب بشخص بلير, لكي لا تغضب شعوبها. بعضها اكتفى في الاعراب عن امله في ان تساهم هذه الخطوة في مساعدة الشعب الفلسطيني على بناء مؤسساته والاعداد لقيام دولته.

لكن مقومات نجاح او إنجاح بلير غير موجودة لأنه لن يقدر على فرض المسار السياسي التفاوضي لخلق دولتين. سيحاول أن يكرس طاقته برمتها للشرق الأوسط ربما في محاولة لإصلاح الضرر الذي لحق بسمعته الشخصية المهزوزة. فسجله المؤيد للأمريكيين والإسرائيليين سيحول دون ثقة غالبية العرب فيه لا سيما المتشددين.

غالبية أعضاء الرباعية مستاؤون من عدم التشاور معهم قبل ترشيح بلير على يد بوش, الذي أضحى عدو العالم العربي الأول بسبب سياساته التدميرية. تلك السياسات وضعت المنطقة- المنهارة منذ سقوط العراق وبروز التشيّع السياسي- وسط تجاذبات لتقاسم النفوذ بين إيران وإسرائيل شبيهة بإرهاصات اتفاقية سايكس - بيكو عام 1916 التي قسمت بريطانيا وفرنسا بموجبها البلاد العربية والإسلامية إلى مناطق نفوذ ضعيفة, مفكّكة اتخذت أشكال الدولة القطرية التي أصبحت اليوم مهدّدة ببروز الهويات الفصائلية والعصائبية والعشائرية والدينية والعرقية.

ولن تتوافر أي عناصر موضوعية تساعد على إقامة دولة فلسطينية تنتج عن مفاوضات سياسية وحقيقية محدّدة في إطار عملية السلام تحقيقا لرؤية خارطة الطريق التي تشرف اللجنة الرباعية على تنفيذها على أمل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مترابطة جغرافيا. فلا إسرائيل معنية بالتخلي عن "يهودا والسامراء" (بحسب مفردات ساستها), وهي ستستمر في إضعاف عباس, تدجين حماس وحصر وجودها في دولة فلسطينية تبدأ وتنتهي في غزة. في غضون ذلك تبدأ الضغوط على بقايا أوصال الضفة الغربية المحشورة والممزقة. أمريكا معنية الآن بالخروج من العراق بالسرعة الممكنة, والقضية الفلسطينية على آخر سلم اولوياتها. الأمم المتحدة ومجلس الأمن في جيب واشنطن, والجامعة العربية في غيبوبة.

سيتذوق بلير أثر السحر الذي مارسه مع بوش قبل أن ينقلب على الساحر. فحرب العراق التي كان بلير من أشد الداعين إليها كانت كارثة معنوية واقتصادية وسياسية واستراتيجية لبريطانيا. أما العراق فتم سحقه كدولة موحدة وهو الآن مقسم تديره حكومة ولاؤها لإيران. وما عادت بلاد ما بين الرافدين قادرة على أداء دورها التقليدي كحارس للبوابة الشرقية للعالم العربي. في المقابل رجحت كفّة ميزان القوى الإقليمي لصالح إيران التي أصبحت لاعبا أساسيا بطموحات إقليمية واسعة يمتلك الثلث المعطل في العراق وفلسطين ولبنان عبر تحالفاته مع نوري المالكي, مع دمشق وحماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. تغيير خارطة التحالفات قسّمت الشرق الأوسط إلى محورين متنازعين محور التشدد في وجه محور الاعتدال. إضعاف العالم العربي ساهم في إطلاق خطر المذهبية بإشاعة الفوضى في البلدان المجاورة ذات تركيبات دينية وعرقية متنوعة, بينما تزايد الشعور المعادي للغرب في حين اكتسبت القاعدة امتداداً جغرافياً خطيراً في المنطقة كلها وباتت مفرخة للإرهاب.

ويبدو الآن أن الصراع العربي-الإسرائيلي الذي عانى إهمالاً شديداً على يد إدارة بوش المتحالف مع بلير هو أبعد عن الحل السلمي من أي وقت مضى. فلا أمريكا قادرة على منح عملية السلام الدفعة الحاسمة التي هي بأمس الحاجة إليها ولا إسرائيل راغبة في ذلك, وهي ستستفيد من هدنة طويلة الأمد مع حماس لتحشر عباس على رقعة جغرافية لا تتعدى 42 بالمئة من أراضي الضفة الغربية التي كان يفترض أن تشكل قاعدة الدولة الفلسطينية - وهي هدف استراتيجي للدولة الأردنية.

وهنا مكمن الخطر القادم؟ لذلك يحاول الملك عبدالله الثاني الطلب من إسرائيل أن تلتزم علانية بخطة للشهور الستة القادمة تؤدي إلى تحقيق دولة فلسطينية, بالتزامن مع سؤاله لواشنطن قبل أيام وعبر القنوات الدبلوماسية فيما إذا كانت جادة في إطلاق مفاوضات جادة تنفيذا لوعدها الذي أطلقته قبل خمس سنوات حول قيام دولتين.

وسلامة تسلّم بلير.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :