facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الدولة ورأس الدولة


عامر طهبوب
24-07-2022 06:40 PM

لم يكن الأردن مستهدفاً في تاريخه على مدى مئة عام، كما هو مستهدف اليوم، ولكنه أَلِف الاستهداف، وتغلب في معارك صراع الإرادات، كما تغلب على رهانات ترغيب أو ترهيب، لثنيه عن مسار سياسي يؤمن بصحته، ويلبي حركته ككيان سياسي راسخ، وفقاً لمصالحه الوطنية العليا.

ها هو الأردن يخوض حرباً ضروساً في جبهته الشمالية ضد تجار المخدرات والمجموعات الإرهابية، وعيون جيشه العربي الباسل متيقظة على حدوده الغربية، وتجد عشرات التحديات التي تواجه الأردن على الصعيد الداخلي، من أبرزها البطالة والفقر، والصحة والتعليم، والخدمات، ومعالجة ظواهر الترهل الإداري، وتحديث المنظومتين السياسية والاقتصادية في ظل ظروف قاسية، وضغوطات إقليمية ودولية، تعلو وتهبط حسب رهانات الترغيب أو الترهيب.

ربما من المناسب أحياناً أن نرسل إلى بعضنا البعض، صورة قاتمة، غير مبهجة، كتلك التي كان يرسلها البريطانيون لأصدقائهم في العهد الفيكتوري ليلة عيد الميلاد، كصورة طائر "أبو الحنّاء" النافق، لتذكيرهم بمعاناة الناس الأقل حظاً في مجتمعاتهم، وتلك أيقونة في طقس ديني احتفالي تسيطر عليه مشاهد من الكوميديا السوداء، كصورة النمل الأحمر الذي يأكل النمل الأسود.

وربما يكون المثل الفرنسي صحيحاً، أن تصادم الأفكار يُولّد النور، وربما تكون المعارضة، نوعاَ من أنواع الرقابة على أعمال الحكومة، إلى جانب مجلس نواب ربما لا يمثل رجالاته في كثير من الأحيان، الخطاب الذي يحتاج إليه الشعب، والمضمون الذي يتمناه الجمهور، وأرى أن المعارضة ضرورة حتمية للوصول إلى شكل من أشكال التوفيق والمواءمة، بين المصالح الفردية والمصالح الاجتماعية، في مجتمع يتحقق فيه العقل، ولا أرى المعارضة في النهج الديمقراطي إلا مقترنة بأحزاب سياسية، تحمل برامجاً وسياسات ورؤى، وتسعى إلى ترسيخ قيم الديمقراطية، معارضة ناضجة، هادفة، منظمة، وطنية، مسؤولة، وتتحمل كما قال الملك في ورقته النقاشية الأولى مسؤوليات أبرزها احترام الرأي، وتتبنى الحوار والحلول الوسط، وهو ما أسماه جلالته في خطاب سابق أمام البرلمان "التوافق"، وتأكيد رفض العنف، والشراكة في التضحيات والمكاسب، فيما أكدت الورقة النقاشية الرابعة على التحلي بالاحترام والمروءة، وجل الهدف هو الوصول إلى حكومات برلمانية تلبي طموحات الشعب الأردني، وتعزز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وتمكّن الملك من تشكيل حكومة أغلبية على أساس حزبي برامجي، بالتوازي مع وجود معارضة نيابية تمثل بالضرورة أقلية.

لا أجد بالمفهوم السياسي لمفردة معارضة، إلا هذا المفهوم الذي يمارس في إطار شرعي ضمن مؤسسات ثابتة، لكني لا أنكر على أي مجموعة سياسية أو على فرد اتخذ طريقاً معارضاً للنهج الحكومي، كخطوة أولى مثلاً نحو تأسيس حزب أو مجموعة سياسية. أما أولئك الذين يعشقون الخطابة، ويحترفون لغة الكلام، فقد أوجدت لهم بريطانيا "هايد بارك" ليقولوا ما شاءوا قوله، وهؤلاء ليسوا معارضين، قد يكونوا حكماء، أو مجانين، بنائين أو هدامين، مسؤولين، أو عدميين في تفكيرهم، والعدمية المعرفية، تفترض الشك في جميع المعارف التي تعلمناها باعتبارها غير صحيحة، وهؤلاء كثر.

الجديد فيما يواجهه الأردن في محاولات تقزيم دوره الإقليمي، وتشويه سمعته الدولية، والتنكر لإنجازاته، يأتي اليوم صاخباً سوداوياً، في خطابات خالية من المضمون، وعمليات جلد ذاتي من أبناء وطنه بصورة غير لائقة، تبتعد كل البعد عن الحقيقة، والموضوعية، والمصداقية، وفي كثير من الأحيان، عن المروءة والأخلاق، خطاب سوداوي يسعى إلى بث الفوضى، نشر أجواء عدم الثقة، والخوف، التشكك بالمسار، تجييش الشارع، تعزيز الشعور بالإحباط والاضطهاد، شيطنة النظام، تخوين معظم رجالات الدولة، التنكر لكل إنجاز، كآبة وكبت حركي واضطراب نفسي على منصات تواصل في غير عاصمة في بلاد الآخرين، "هايد باركات"، مجندة أو متطوعة لضرب مفاصل الدولة، محاولات لجر العاطلين عن العمل لجلب الفوضى، وبث الشعور لديهم بالغبن والجبن، لدفعهم إلى الشارع، ليس من أجل تحقيق مطالب بعينها، ولا إصلاح مسار بعينه، وإنما إلى أسقاط النظام برمته، هذا هو الخطاب، وعلينا أن لا نضع رؤوسنا كالنعام بين أرجلنا، فما يطالبه هؤلاء من باريس، ونيويورك، وأمستردام، وتركيا، وعمان، وغيرها من قنوات "فايسبوكية" فردية، هو "تحرير الأردن"، وتخريب الدولة بحجة أن البلد مسروقة، وأن كل من يقف إلى جانب النظام، "سحيج"، تلك المفردة المقيتة التي يوصف بها كل من يدعو إلى استقرار النظام، وبقاء الدولة، واستمرارها، واستقرارها، في حين أن مفردة "أحرار" أُطلقت على كل من يمتلك الاستعداد، الوقوف إلى جانب نهج تخريبي للدولة، هذا من الأحرار، وغيره خائن.

أي اصطفاف مرير عاجز قاصر هذا، أي معارضة تلك؟ أي خطاب ركيك حاقد لرجالات من أبناء الوطن، تخرجوا في جامعاته، وخدموا في أجهزته الحكومية المدنية، أو حتى العسكرية. كيف انتقلوا من العمل على خدمة البلاد، إلى العمل على تخريبها، وهدم منجزاتها بدعوى الإصلاح.

استخدم الملك مفردة "تشويش"، و"تشكيك"، وأعتقد أن الأمر يتعدى هذا وذاك، إلى استحضار الفوضى، وتخريب الوحدة الوطنية، وتلويث العقول، وجر الأردن إلى منحدرات جنبنا الله الانزلاق إليها، خطاب استبهال لذاكرة جمعية وطنية أجادت البناء، ولا تستسهل الهدم، ولن ترضاه، خطاب لا أريد تحليل محتواه، ولا وضع قاموس لمفرداته الجارحة للضمير، وخطاب كراهية للدولة ورأس الدولة، وأحياناً للشعب الذي يوصف بأسوأ الصفات، خطاب يحمل رائحة الموت لا الحياة، و"معارضة" - بين قوسين - ليس لديها برامج إصلاح، أو تقويم، أو إعادة بناء، وهذا مؤسف أشد الأسف. لا أريد أن أتعرض للأشخاص، ولا يُكَر على أي منهم أردنيته، لكن الخطاب ليس عقلانياً، ولا إصلاحياً قط.

لا أتزيد إذا قلت أن مثل هذه الخطابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كثيرة الكذب والافتراء، وإنما التهويل، وادعاء الحكمة، والأحقية بالممارسة، وتقرير مصير البلاد والعباد من غرفة مغلقة في عاصمة من عواصم الغرب، وكأن الشعب خراف ستتبع حلم "الأولد ميجر" في مزرعة الحيوان. ولا أتزيد في القول عندما أؤكد أن الإعلام الأردني ما زال عاجزاً، مكبلاً، متحجراً، مرتجفاً، لم يخرج بعد من صندوق عجائبه، ولم يجدد في الخطاب، لا في الشكل، ولا في مضمون الخطاب، وهو غير قادر بعد، على جسر الفجوة بين الخطاب الحكومي والإنجاز، وبين الخطاب الشعبي والتطلعات، في حين أثبتت الحكومات المتعاقبة عدم قدرتها على الاستجابة لقلب المعادلات، وتسريع الخطى لإقناع العاطل عن العمل، أن الفرصة قادمة، وليس بالضرورة استمرار التوظيف على حساب الخزينة العامة غير القادرة على تحمل أعباء استمرار التوظيف، بل تغيير مفهوم الدولة الريعية التي تسترضي أفرادها بالوظائف، وإنما بخلق فرص عمل من خلال جذب استثمارات، أو إنشاء مشاريع لحملة شهادات لا تتوافق مع متطلبات التنمية، كواحدة من أخطاء التخطيط للتعليم العالي، ومواءمة المخرجات مع متطلبات البلاد، فكم من خريج علم نفس يحتاج الأردن!

أفضل طريقة للرد على هذه السوداوية في الخطاب، والتقاط النقاط السوداء من على صفحة الوطن البيضاء - ولا شك أن المسيرة اعترتها أخطاء، إلى جانب الإنجازات - أفضل طريقة هي العمل، وإجادة العمل، وتسريع العمل، ربما تكون هذه الأخيرة، أكبر مثالب الحكومات الأردنية المتعاقبة التي ورّثت كل واحدة فيها، حملاً ثقيلاً للحكومة التي تخلفها، فالأداء في كثير من الجوانب، يواكب حركة السلحفاة، وكثير من القضايا لا تحتمل المزيد من الانتظار، أبرزها البطالة والفقر، فعندما يأتي الجوع، أشعر أن الكتابة باتت نوعاً من أنواع النزق، رفاهية تافهة، متعة لا معنى لها، طالما في الوطن جياع.

أقول ذلك في مجتمع غابت فيه "القدوات"، وقل فيه الحكماء، وكثر فيه اللغط، والغلط، وزاد فيه الشعور بالاكتئاب. لا لزراعة اليأس، وألف نعم لنقد الذات، وعلى الحكومة - أي حكومة - أن تبادر إلى عملية نقد ذاتي، ومراجعة للمسيرة، والاستفادة من عبر الأخطاء، وتغيير زوايا الرؤيا، والاقتراب من عقل الجيل الجديد، وتلمس احتياجاته، وضخ دماء جديدة في العمل العام من جيل يجب منحه الثقة، والفرص للمشاركة في صنع القرار، وعلينا في نفس الوقت أن لا نتنكّر للإنجاز، ولا نلقي التهم جزافاً على العاملين في القطاع العام، وسأظل أعتقد أن الحب هو جوهر الحياة الإنسانية، وهدفها، وأنه القوة المحركة للتطور والنماء، وأن الوحدة الوطنية هي الحصن الحصين لمنعة الوطن، وضمان أمنه ومستقبله، ولكن الأوان قد آن، أن يسبق الكلام العمل، فنحن بخير، ونحن في أزمة، وتبقى العلاقة محكومة بين الحكومة من جهة، والمعارضة، مهما كان شكلها، أما الدولة، فلا يسمح لأحد أن يمس أركانها، وعلى رأسها رأس الدولة!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :