عمون - سي ان ان - يبدو أن ألغاز النفس البشرية وأغوارها باتت تثير شهية النجم الهوليودي ليوناردو دي كابريو، الذي يتمرد يوما بعد يوم، على تصنيفه المسبق كفتى الشاشة الوسيم ليلعب في مناطق الأداء التمثيلي الجاد.

فبعد رائعة Shutter Island للمخرج مارتن سكورسيزي، يعود دي كابريو مرة أخرى إلى الغوص في متاهات الخيال العلمي الخلاق من خلال فيلم Inception للمخرج البريطاني كريستوفر نولان، الذي يقدم عملا لا يقل قيمة عن فيلمه The Dark Knight، الذي أنتج في عام 2008.

الفيلم الجديد ينقل المشاهد في رحلة ممتعة لكنها مرهقة عصبيا وإدراكيا من حيث رصدها لمراوحات متتالية بين عالم الواقع وعالم الأحلام، من خلال مهنة ليست كسائر المهن لطاقم يقوده دوم كوب (دي كابريو) مهمته سرقة أسرار بعض الشخصيات عبر التسلل إلى فضائهم الذهني بينما يكون المرء مسافرا في الحلم.

كوب لص شهير متخصص في التجسس الصناعي عبر انتزاع معلومات بالغة السرية في مجال "البيزنس"، مخبأة في أعماق اللاشعور التي تصبح أكثر هشاشة وقابلة للقراءة أثناء الحلم. لكن مهنته هذه كلفته الكثير، فقد خسر زوجته وأبناءه، ويتوق بالتالي إلى مغادرة هذا الوسط والعودة إلى حياة طبيعية مستقرة.

قبل ذلك سيكون عليه أن ينفذ مهمة أخيرة وحاسمة، لكن هذه المرة بتحد مغاير: التسلل إلى ذهن رجل أعمال من خلال الحلم وزرع فكرة معينة تترتب عنها تداعيات وقرارات مبرمجة. في طريقه هذا، سيكون على كوب ورفاقه أن يواجهوا خصما عنيدا يستبق كل خططهم وتقنياتهم.

مغامرات هوليود لا تنتهي، والصراع، ذلك الإشكال الدائم الذي تنبني عليه الحبكة الدرامية، مرشح ليأخذ أبعادا وأشكال لا نهائية. فهو لا ينحصر على نزاع حول الموارد أو النفوذ أو الفوز بقلب امرأة، بل قد يتخذ شكل صراع من أجل السيطرة على نظم التفكير وصنع القرار داخل العقل البشري.

ترقب كبير سبق خروج فيلم Inception إلى سوق الفن السابع لكن المنتج النهائي لم يخذل المنتظرين الذين بإمكانهم الاستمتاع بمشاهدة -بل معايشة- إبداع سينمائي لا هو بفيلم الخيال العلمي تماما، ولا هو أيضا بفيلم التشويق المتعارف عليه، ولا شك أن الفضل يعود أولا إلى جودة النص الذي يأتي في شكل متاهة مصورة متوالية الحلقات، لانهائية المفاجئات، تنسخ الواقع بالحلم والحلم بالواقع.

وإن كان كريستوفر نولان يقدم ليوناردو دي كابريو في صورة متألقة تعكس نضجا فنيا عاليا وتزكي موهبة مؤكدة في صنف يتطلب مقدرات تشخيصية وانفعالية خاصة، فإن باقي طاقم العمل لم يكن بأقل عطاء، وخصوصا الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار، التي بدت تأثيرات تكوينها المسرحية واضحة في أداء الدور المركب لزوجة كوب، الميتة-الحية.