دولة فلسطينية وليس حقوق مدنية
النائب السابق فيصل الاعور
08-04-2023 12:37 AM
ليس بالغريب أو الجديد تمادي الإجرام الصهيوني وتزايد أعمال العنف والاعتداء على الإنسان والمقدسات، ونحن نعلم أن بنيامين نتنياهو من معسكر البطش والقتل، وسياسته المقبولة إسرائيلياً جعلت منه الأكثر تولياً لحكومة الاحتلال، التي تولاها لأكثر من خمسة عشر عامًا، وقبلها شغل وزيرًا للدفاع، وقاد المعارضة من خلال حزب الليكود، الذي يعتبر من أكثر الأحزاب تطرفًا، وهو حزب مناحيم بيغن وإسحاق شامير وأرئيل شارون، الذين دعموا قتل الفلسطينيين، وإقامة المستوطنات، وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، وساهموا في تشريد الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، وقادوا عمليات القتل والتنكيل، وهم ذاتهم من رفضوا حل الدولتين، وأشعلوا الحرب في غزة والضفة الغربية، وصادروا الأراضي، وأباحوا الاعتداء على المسجد الأقصى والقدس الشريف، والاعتداء على المصلين، واعتقالهم، والتنكيل بهم، والاعتداء على حرمة الأماكن المقدسة من تدنيس وحرق وتكسير، ودون اعتبار لمشاعر الأمة ومقدار ارتباطها بعقيدتها، والموت لأجلها، وهذا كله هو عنوان وتاريخ حكام الصهيون، وليس جديداً عليهم بل هو مسلسل دموي قادته هذه الزمرة الحاقدة، التي احتكمت الى الشر والعدوان، وساعدها في ذلك انسلاخ الامة، وتفككها، والتراخي العربي، في دعم قضية العرب الأولى والتخلي عن دعم فلسطين ودعم صمودها وهو ما زاد من تجني الأعداء، وتمادي اجرامهم بعد أن تهيأت لهم أسباب البطش والتنكيل دون ادنى اعتبار للشرعية الدولية والشرعية الأخلاقية.
وهنا ووسط هذه الأجواء الحارقة والمؤلمة يلوح في الأفق وبالتزامن معها أفكار تدعو لها بعض النخب السياسية والتي تقدم رؤى تشكل انزلاقًا خطيرًا نحو التنازل غير المقصود عن ثوابت فلسطين وثوابت الأمة، وعلى رأسها الثوابت الأردنية التي حرصت على دعم القضية الفلسطينية وحماية القدس والمقدسات. وبدأنا نشعر بحجم التراجع عن حق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى الاكتفاء بطرح المطالبة بحقوق مدنية وسياسية للشعب الفلسطيني، والتخلي عن حل الدولتين والذهاب إلى دولة موحدة يتعايش بها العرب واليهود ليكون الجميع أبناء دولة واحدة تعيش تحت سقف واحد.
وتناسى دعاة الفكرة أن ذلك هو إنهاء لحق الشعب الفلسطيني والتنازل عن حلم الدولة المستقلة، لنكون تحت فكرة سقف واحد مع الأعداء شركاء في الأرض والعمل، يعمل الفلسطينيون لدى اليهود وتحت رحمتهم، صلاة مشتركة وأسواق مشتركة وتنامي للعداء وتزايد لهجرة اليهود واستحواذ اقتصادي تحت سقف واحد بلا أرض مستقلة ومستعمرات تغطي أجزاء كبيرة من فلسطين. وكذلك، لن يمنع السقف الواحد من تزايد الاقتتال عندما تشتبك المصالح وتتباين مراكز القوى، وعندما يسيطر على الأرض الأقوى اقتصادياً والمدعوم عالمياً. فأي حقوق مدنية تمنحها الحكومة الأقوى التي تسيطر على عمالها ومشاريعها واقتصادها وأي حقوق سياسية دون هوية مستقلة وعنوان يحكي قصة العودة التي مضى عليها 73 عامًا من القهر والانتظار؟ أي حقوق مدنية تلك التي يتحكم بها العدو ليبقى هو ذات العدو يتحكم بالأرض والإنسان؟ ستبقى الدولة بطابع صهيوني يتحكم بها ذات الطغاة، وسيعيش الشعب الفلسطيني تحت رحمة ذات الأعداء. وبحسب هذا الفكر، سنجد أن صاحب العمل هو يهودي وصاحب المصنع هو يهودي وصاحب الأرض هو يهودي، وسنجد المستعمرات تتوسع، وهذه المرة ليس بخلاف الشرعية ولكن بحكم القانون الموحد. وسنكون أمام شعب لا حول له ولا قوة يتحكم به طغاة التاريخ أنفسهم ولكن هذه المرة بدون حلم، وختاماً، لن تكون فلسطين إلاّ مستقلة، ولن نحبط أحلام قضى لأجلها الآلافُ الشُهداء، ولن نترك الأرض لصالح الحقوق المدنية تحت يد الجلاد الذي يتحكّم بمصير الشعب، لنُعْطِيَهُ التفويض تحت اسم دولة واحدة وشعب واحد، وختاماً، قد يتوحّد العالم في دولةٍ موحدة، ولكن لن يتوحّد الضحية مع الجلاد.