عمون - يظهر في الفلسفة أن هناك تيارين رئيسيين لمفهوم التجربة: التيار العقلاني (Rationalism) والتيار التجريبي (Empiricism). التيار العقلاني يعتمد على العقل كوسيلة للوصول إلى الحقيقة، ويتسم بالتجريد الكلي والابتعاد عن الواقع. ومن خلال التأمل واستخدام العقل، يمكن للفيلسوف الوصول إلى المعرفة، سواء عبر الحدس والمعرفة المباشرة كما يروج لها المتصوفة، أو عبر التعقل ورؤية المثل كما يروج لها الأفلاطونيون.
من الناحية الأخرى، التيار التجريبي يعتمد على الملاحظة والتجربة كمصدر رئيسي للمعرفة. يعتبر التجربة والملاحظة من خلال الحواس هما الوسيلتان الأساسيتان لاكتساب المعرفة. يرتبط التيار التجريبي بالعلوم التجريبية ويميل إلى دراسة المعرفة المستندة إلى الواقع بشكل أكثر من الفلسفة العقلانية. يُعتبر هذا التيار أكثر موضوعية، حيث يتبع المنهجية العلمية في دراسة المعرفة.
في سياق الفلاسفة التجريبيين، يمكن ذكر جون لوك كواحد من أبرزهم. اعتبر لوك الحواس مصدرًا رئيسيًا للمعرفة، وأشار إلى أن الأشياء في العالم الخارجي تتميز بالكيفيات الأساسية والثانوية. الكيفيات الأساسية هي التي لا يمكن فصلها عن الجسم، مثل الصلابة والشكل، بينما الكيفيات الثانوية هي ما يمكن أن ينفصل عن الجسم، مثل اللون والصوت. يرى لوك أن التجربة تلعب دورًا حاسمًا في اكتساب المعرفة.
أما ديفيد هيوم، فيلسوف تجريبي آخر، فقد نمى فلسفته التجريبية وركز على صياغتها بشكل منطقي. استند هيوم إلى أفكار لوك وبركلي، وعمله "رسالة في الطبيعة البشرية" يُعتبر من أهم الأعمال الفلسفية. يؤكد هيوم على أن الانطباعات التي تنشأ من التفاعل مع العالم الخارجي أقوى من الأفكار، وأن التجربة هي الوسيلة الأساسية للتفاعل مع الواقع.
بشكل عام، يظهر أن التجربة في الفلسفة قد تعددت في المفاهيم والتوجهات، وتأثرت بالفلاسفة المختلفين على مر العصور. الجدل بين التيار العقلاني والتيار التجريبي مستمر، ويعكس التوجهات المختلفة للفلاسفة في اكتساب المعرفة.