facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أم رسول


عامر طهبوب
31-10-2023 05:31 PM

كيف تعيدك الرواية إلى البداية، وتوقظ فيك كلمة، ألف حكاية وحكاية، وكيف تثير في النفس أحداث "محج قلعة"، حكايات ألف قلعة وقلعة، وصخور جبال تمسك بها أهل داغستان رغم قساوتها، ألف كيف، وألف طيف تستنهض همة، يوم كانت "أم رسول" تسأل حين ترى البلخاريين يبيعون جرار الفخار والأصص والأطباق: كيف لم يأسفوا على هذا القدر من ترابٍ يبددونه من أرضهم، لا رَأت عيناي من يبيع تراباً.

دحض أهل غزة حكايات بيع التراب، إنهم لا يصنعون الفخار، ولا يبيعون الأرض، غبار وادي غزة على أحذيتهم، أغلى من سجاجيد الحرير، لأنهم يحاربون العدو في الوادي، يقسمون بالأرض كأهل داغستان، وذلك أوثق قسم. قال الشيخ شامل؛ الإمام الداغستاني المناضل، للأمير بارياتينسكي: قل لي أيها السردار، من كان على حق أكثر في هذه الحرب، نحن الذين كنا نموت في سبيل الأرض، ونعتبرها رائعة، أم أنتم الذين كنتم تموتون أيضاً في سبيلها، وتعتبرونها سيئة؟

هل عرفتم لماذا خرج أهل داغستان لنصرة أهل غزة؟ لأن سكان القرى في داغستان كما أهل فلسطين، كانوا يتقاتلون فيما بينهم في القرى الصغيرة النائية، من أجل شبر من الأرض يفصل بين حقول قريتين، فكيف لا يقاتلوا العدو من أجل كل الأرض. لماذا كانت داغستان تحارب الشعوب الأخرى، من أجل شبر أرض على حدود داغستان، كما يحارب أهل غزة للحفاظ على كل شبر أرض على حدودها. لماذا حاربت داغستان بعد ذلك؟ من أجل كل شبر أرض على حدود بلد السوفيات العظيم. هذا ما قاله رسول.

كثير من الأموات دفنوا في داغستان، لكن القتلى منهم كانوا أكثر ممن ماتوا حتف أنوفهم، وفي تلك الأرض، زرعت الحبوب حيث سفكت دماء عشرة فرسان، فنبتت مائة سنبلة، وتم إحصاء مائة فارس على تلك الأرض، وفي فلسطين ينبت الزعتر، وينبت الدحنون، وفي فلسطين دم، وفي فلسطين هَم، وتقول الأم في غزة لابنها كما قالت الداغستانية لطفلها: إنمُ كبيراً كالجبل، لكن الغزية تقول لولدها أيضاً: إنمُ بسرعة، لا وقت للهدر، ولا قوت للنزوات، ولا وقت للشهوة، لا وقت للانتظار، لا وقت للوقت، لا تحلم إلا بتحرير أرضك، الغربان وحدها يا ولدي تعشش في الحفر، والشجاعة لا تحتاج إلى صخرة عالية، يقصف الإعصار أغصان الشجر، يكسر جذعها، وينمو الجذر من جديد، يحرق المحتل الزيتون، يغرس الفلسطيني شجر الزيتون من جديد، يجرّف أرضاً زراعية، يزرعها الفلسطيني مرة أخرى، يهدم بيتاً، يعيد الفلسطيني البناء، يقتل طفلاً، يولد آخر من رحم شهيدة ارتقت للتو.

هكذا هو الإنسان الفلسطيني، كما الداغستاني، يهمل جراحه على صميم جسده، المهم أنه لا يمرض، ولا يموت، الموت يرفضه، واكتظت بأشلائه ثلاجات "الأسكيمو"، وحافلات المرطبات، والفلسطيني لا يحب البرد، يعجّلون بدفنه تحت تراب أرضه، ليس أحن على الإنسان من تراب أرضه، ولا أرحم عليه أكثر من ربه.

الفلسطيني يضحي بدمه، لكنه يحافظ على حياة المؤرخ، ليكتب التاريخ أن شعب فلسطين كشعب داغستان، شعب صغير، بمصير كبير. فلسطين قصة قيد الكتابة، لن يكون لها نهاية، رواية يسطرها شعب يدفع ثمن الصدق، والحق، والحرية، قرر أن يقاتل ويناضل، وأن لا يتخلى عن الشبر والفتر من التراب.

بقي أن أقول أن مازن حجازي، أول من أهداني في عمان كتاب رسول حمزاتوف: "داغستان بلدي" عام 1979، لتكتب الأقدار أن أعانق رسول في صباح أحد أيام عمل، عام 1988 خلال زيارته لمجلة العربي الثقافية الكويتية، حيث كنت أعمل، عانقته وقلت له: أيها الضيف، إذا لم يرحب بك منزلي، فليسقط البرد والرعد على رأسي، البرد والرعد !

شكراً لأحفاد الشيخ شامل، وشكراً لرجال داغستان الأحرار.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :