facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




طهبوب يكتب: الضجر صفة البشر


عامر طهبوب
02-11-2023 05:09 PM

لم نعد في هذه الأيام نشاهد الأخبار كما كنا نفعل في أيامنا العمياء؛ أن نشاهد الأخبار، أصبحنا اليوم نختنق يومياً، وساعة بساعة بالخبر تلو الخبر، والأخبار موت، وقصف، وألم، ودمار، قصف مقهى، ومطعم، وبقالة، ومستشفى، ومدرسة، ومسجد، وكنيسة، ومحطة تحلية مياه، ومنازل، وغير ذلك كثير. رأيت صورة لأرغفة خبز على بسطة خشبية في مخبز الشرق الواقع في حي النصر في غزة، خبز مغمس بالدم، دم ضحايا قصف استهدف المخبز.

القصف في غزة يستهدف الأطفال أولاً، ربما اعتماداً على الأيدولوجية الدينية للتوراة التي جاء في الفصل العشرين منها، وفي الآية السادسة عشر من سفر التثنية التي تتحدث عن قواعد الحرب: لا تسمح لأي شخص بالبقاء على قيد الحياة، وما جاء في سفر التثنية أيضاً، في الفصل الخامس والعشرين، الآية التاسعة عشرة التي تتحدث عن ضرورة محو الذاكرة، وتلك ما تسميه إسرائيل: كي الوعي، وعملها على استئصال الشعب الفلسطيني بسادية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.

كنت أجلس كعادتي أتنقل من محطة إلى محطة، ومن شاشة إلى شاشة، إلى أن وقع نظري على مشهد جمع من الإسرائيليين يدفنون أحد موتاهم من الجنود، ورأيت رجلاً من ذوي المقتول، يبكي بحرقة. قلت لنفسي: يا الله، إنهم يبكون، هذا يعني أن لديهم قلوباً، وقنوات دمع داخل أعينهم، هذا يعني أنهم يشعرون، وأنهم مثلنا؛ بشر، فكيف يقولون أننا لسنا مثلهم؛ حيوانات. استدركت؛ هؤلاء دخلوا الخدمة مؤخراً، لم يعرفوا من قبل معنى الألم، ومعنى الفقد، ومعنى أن تفقد حبيبك قتيلاً بيد عدوك، وأما الفلسطيني فقد شبع موتاً على يد عدوه.

المشكلة عويصة، لأن طرفاً من الأطراف لا يحترم الحياة، ولا يرحم الأحياء، ولم يعرف من قبل معنى ألم الفقد عند الآخرين، بل إنه كان على الدوام يفرح بموت عدوه، وأبناء عدوه، ويفرح بتهجيرهم، وهدم بيوتهم، وتقتيلهم نساء وأطفالاً ورجالاً، صغاراً وكباراً، مستنداً إلى كلام الله في التوراة: لا تسمح لأي شخص بالبقاء على قيد الحياة.

هل تصدقون أن الله يدعو عباداً من عباده أن لا يُبقوا أحداً على قيد الحياة، هل هناك كتاباً سماوياً يدعو إلى قتل البشر، وقتل الصغير قبل الكبير. أين تكمن المشكلة، في التوراة، أم في الصهيونية، في الدين والمعتقد، أم في السياسة، وإلى أين يذهب هذا العالم المجنون فاقد الضمير الذي يشطر الإنسانية، ليصبح نصفها تبرير أو دعوة للقتل.
واشنطن وأوروبا منشغلة في الدور الذي يمكن أن تلعبه في ما بعد غزة، قرروا إبادة غزة، محقها، مسحها، استعباد أهلها، تدويلها، تحويرها، تغيير خريطتها، استعمارها، ويفعلون ذلك وهم يتحدثون عن أنه لا بديل عن حل يقوم على فكرة الدولتين، مسكنات لم تعد تنفع، وقد استغنى أطباء غزة في عملياتهم الجراحية للجرحى عن المسكنات، وغزة بعيدة وعصية، غزة مستحيلة، أرضها لا ترحم إلا أهلها، ولا تستقر غلا تحت أقدامهم، غزة تكره الغرباء، ولا تحب هذا النوع من ضيوف يحملون خلفهم مؤخرات ثقيلة !

إلى متى سيمتد هذا الحصار؟ إلى أن يحس المحاصِرُ مثل المحاصَر، أن الضجر، صفة من صفات البشر؛ يقول درويش !





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :