facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الثورة المضادة .. أدواتها وآلياتها في السيطرة على الثورات الشعبية


أ. د. هاني الضمور
24-12-2024 11:57 AM

في العقود الأخيرة، شهد العالم العديد من الثورات الشعبية التي سعت إلى التغيير والعدالة والحرية، إلا أن هذه التحركات، التي غالبًا ما انطلقت من قلب الشعوب، واجهت قوى منظمة تعمل على الالتفاف عليها وإجهاضها، يُطلق على هذه القوى مصطلح "الثورة المضادة"، وهي منظومة متكاملة تهدف إلى تقويض مكتسبات الثورات الشعبية وإعادة فرض الأنظمة القديمة أو تشكيل أنظمة جديدة تخدم أجنداتها الخاصة.

تبدأ الثورة المضادة بمرحلة مبكرة من استهداف القواعد الشعبية للثورة. تُستخدم في هذه المرحلة أدوات الإعلام والتواصل الاجتماعي بشكل مكثف لتشويه رموز الثورات، ونشر الشائعات، وإثارة الانقسامات، يتم تضخيم الأخطاء البسيطة، وتصويرها على أنها كوارث كبرى تهدد مستقبل الثورة، على سبيل المثال، إذا اتخذ أحد قادة الثورة موقفًا معينًا أو أدلى بتصريح عابر، يتم استخدامه لبناء روايات معقدة تهدف إلى زعزعة ثقة الناس بقياداتهم.

الإعلام هو الأداة الأكثر تأثيرًا في هذه الاستراتيجيات. يتم عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة نشر تقارير مضللة تهدف إلى خلق صورة سلبية عن الحراك الشعبي، وربطه بالفوضى وعدم الاستقرار، كما يتم التركيز على استغلال القضايا الجدلية، مثل التوجهات الدينية أو السياسية لبعض قيادات الثورة، لتأليب فئات المجتمع ضد بعضها البعض.

إحدى الاستراتيجيات البارزة التي تُستخدم في الثورة المضادة هي الاستهداف غير المباشر. بدلًا من مواجهة قيادات الثورة بشكل مباشر، يتم التركيز على زعزعة القاعدة الشعبية التي تدعمها، يُستخدم هذا النهج لبناء حالة من الإحباط واليأس لدى الجمهور، مما يؤدي في النهاية إلى تراجع الحماس للثورة وقبول الواقع المفروض.

لا تقتصر أدوات الثورة المضادة على الإعلام فحسب، بل تشمل أيضًا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، يتم استغلال الأزمات الاقتصادية لزيادة الضغوط على الشعوب، ما يدفعها إلى الاعتقاد بأن الثورة هي السبب وراء معاناتها، كما تُثار قضايا الأقليات والهوية لخلق حالة من الاستقطاب المجتمعي، مما يعزز من الانقسامات الداخلية ويضعف الجبهة الموحدة للثوار.

ومن بين الأساليب الأخرى التي تُستخدم، استقطاب النخب المثقفة والسياسية والإعلامية للعمل ضمن منظومة الثورة المضادة، تُقدم لهؤلاء الأفراد إغراءات مالية ومهنية لضمان ولائهم، ويتم توظيفهم لنشر الروايات التي تخدم أجندة القوى المضادة للثورة.

تتسم الثورة المضادة بطابعها طويل المدى، فهي ليست عملية سريعة تهدف إلى القضاء على الثورة في لحظة واحدة، بل استراتيجية مستدامة تُنفذ عبر مراحل متعددة، تبدأ بتشويه صورة الثورة، ثم الانتقال إلى تفكيك قاعدتها الشعبية، وأخيرًا فرض واقع جديد يحقق مصالحها.

إن خطورة الثورة المضادة تكمن في قدرتها على استغلال الثغرات داخل الحراك الشعبي. الأخطاء الصغيرة تتحول إلى أزمات كبرى، والفجوات الفكرية والسياسية تُستخدم كوسيلة لتوسيع الانقسامات، الهدف النهائي هو إضعاف الثورة من الداخل وجعلها تبدو وكأنها فشلت بفعل أخطائها الذاتية، وليس بفعل التدخلات الخارجية.

في النهاية، تبقى التحديات التي تواجه الثورات الشعبية كبيرة، لكنها ليست مستحيلة، إدراك أدوات وأساليب الثورة المضادة هو الخطوة الأولى لحماية مكتسبات الثورات.

تعزيز الوعي الشعبي، والحفاظ على الوحدة الداخلية، والتعامل بحكمة مع الأزمات، هي بعض الوسائل التي يمكن من خلالها مواجهة هذه التحديات، الثورة المضادة قد تكون قوية ومنظمة، لكنها تعتمد في نجاحها على ضعف الجبهة الشعبية وانعدام الوعي بآلياتها، وهو ما يمكن تجاوزه بالتصميم والإصرار على تحقيق أهداف الثورة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :