مـن أجـل عطلـة مفيـدة * منال القطاونه
11-06-2011 11:13 PM
تمّثل العطلة فاصلاً حقيقياً لا بد منه، وقد لا نختلف إذا قلت أننا ننتظرها بفارغ الصبر ، خاصة كلما شعرنا باقتراب موعدها فإن خمولنا يتضاعف.
العطلة او الاجازة البعض قد يعدها وقتا للاستجمام و الراحة والنوم , و البعض الآخر قد يراها فرصة لتنفيذ مشـــاريعه المؤجلة بعيداً عن أية ضغوط أخرى .
والآن ومع قيظ هذا الصيف اللافح انتهت موسم الامتحانات والعام الدراسي وأخذت تتنفس الأسر الصعداء من عبء المذاكرة والدروس الخصوصية والتوتر العصبي،وقلق الامتحانات وضوضاء الايام الدراسية وغير ذلك . ولكن العطلة ارى بانها اختلفت بين الماضي والحاضر وبين الامس واليوم ... وفي ظل ما كانت عليه سابقاً وبين ما نعيشها الآن من غياب التخطيط لها والتفريط والتبديد بالاوقات وانقلاب الساعة البيولوجية في أجسامنا .
منذ سنوات كانت أغلب الأسر تنتظر الإجازة الصيفية بفارغ الصبر، وتعد لها العدة للاستمتاع بلم شمل العائلة ، والترويح عن النفـس وكان الجميع أيضا يشعرون بعد انقضاء الإجازة فعلاً... بأنهم شحذوا طاقاتهم واستعادوا نشاطهم ... وتخلصوا من متاعب العمل والدراسة وضغوط الحياة..
لكن شـّـتان بين الأمــس واليوم، فمع الانتـشار الواسع لوسائل التسلية الحديثة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المقاهي وغيرها، تبدل مفهوم (الإجـازة )، وفقد معناه العائلي.... وأصبح الابناء يفضلون قضاءها مع شلتهم الخاصة من الأصـدقاء، حتى يكونوا على حريتهم، غير آبهين بقرارات وسلطة الاب او الام وغير مقيدين بالأعراف التي تفرضها العائلــة.
أذكر في الماضي القريب كان لدينا صندوق صغير، أو «حصالة» ندخر فيها مع أفراد أسرتي قروشا قليلة من مصروفنا الشخصي ( تجهيزاً مسبقاً ) للإجازة الصيفية ونقوم منذاول يوم في العطلة بشراء القصص والكتب المفيدة والألوان وادوات الموسيقى وغيرها بعيدين عن الفردية والانانيـة وهذا الشكل هو إحدى مفردات "ثقافـة الإجازة، " والوعي بها كاحتياج إنســاني.... ولكن الان نفتقدها للاسف مع تلاطم أمواج المشتتات... وتلونها بوسائل التسلية العصرية .
لذا تراجعت الروح الجماعية وتفشت النزعة الفردية في قضاء أوقات الاجازة فأصبح كل فرد في الاسرة يغني على ليلاه ولم يعد هناك جلوس للاسرة لوضع سيــناريو مشترك لايام الاجازة وكيفية ومكان قضائها .
لذا من الطبيعي أن يفقد مفهوم الإجـازة طابعه العائلي الدافئ الحمـيم. كما أن السؤال لم يعد يتعلق بجوهر الإجازة نفسها، بل بشكلها، ولونها، ومكانها. لذلك انقسمت الأسرة حيالها، وأصبحت أشبه بحلبة صراع خفـي بين الأبناء والآباء، فالأبناء ينظرون لأفكار الآباء باعتبارها (دقـة قديمة) ومن مخلفات الماضي، على العكس من تطلعاتهم وطموحاتهم التي يرون أنها تساير روح العصر، والشكل الجديد للحياة».
وتبدا المشكلة بالتفاقم ؛ اذا ما خرج الاولاد خارج المنزل لتفريغ طاقاتهم المكبوتة اما باللعب بالشارع وتحويله الى ملعب كرة قدم أو التجمع على شكل جماعات وخاصة في ساعات الليل المتأخرة ليثيروا الشغب او ينغمسوا في ممارسات خاطئة مع رفاق السوء بداعي التسلية ، مما يسبب للاسرة أزمات ومشاكل اجتماعية مستمرة سببها الرئيس غياب التخطيط العائلي المبرمج.
من هنا باتت كثيرا الأسر تعتبر العطلة كابوسا جاثما على صدورهم لانها
تجهل كيفية ملء الفراغ النفسي والفكري والعاطفي والوقتي لدى أبنائها وبناتها.
فوقت الفراغ كبير جداً لدى الأبناء وقلمّا من ينجح في ترتيب برنامج
مفيد لقضاء العطلة ونسبة كبيرة "وخاصة الشـباب الذين يشكلون السواد الأعظم في مجتمعنا"
يسقطون في ( فخ الفراغ ) بسبب انتهاجهم طرقاً خاطئة لقضاء اوقاتهم يترتب عليها مشاكل في غنى عنها جراء فقدان التخطيط وغياب الوعي لاستثمار الوقت.
كما ولا ننسى كيف تستعد الأجهزة الأمنـية للتعامل مع ارتفاع معدّل الحوادث والجرائم والمشاكل السلوكية خلال هذه الاجازة الصيفية ، وخلال العطل والإجازات العادية . وليس مبالغة أن نقول: إن العطلة الصيفية تخرّج كل عام أفواجاً من الملتحقين بدروب الفساد والإنحراف والجريمة سببها تبديد الوقت وهدره بصورة غير معقولة.
والآن آن لنا ان نضع لنا الخطوط السليمة في برمجة الوقت والاستفادة القصوى من العطلة الصيفية بدلا ان تتحول العطلة الى اوقات ســائبة وطاقات معطلة .
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"
ويكمن الحل في التغلب على هذه المشكلة في العمل على اشغال وقت فراغ الابناء بعمل مفيد للأهل وللطالب في نفس الوقت وذلك حسب ترتيب مسبق ومبرمج ، كاشراك الابناء في النوادي الصيفية للترويح عن انفسهم وممارسة نشاطات رياضية ، والتحاقهم بدورات علمية تفيدهم في تحسين قدرة استيعابهم وتحصيلهم العلمي وتثري لغاتهم والرحلات الاستكشافية وتطوير كافة المهارات الحياتية والرياضة والسياحة وزيارة الاماكن.
،كما يجب فتح باب انخراط الشباب في الاعمال التطوعية التي من شأنها ان تصقل مهارات الطالب وثقافته وتنمّي حّس الانتماء لبلده ومجتمعه .
ولعل ذلك تأكيد لما قاله العلماء:
من قبلنا : إن النفس إن لم تشغلها بما ينفعها شغلتك بما يضرك؟.
وأناشد الآباء والأمهات بالالتفاف حول أبنائهم ومراقبة سلوكهم ومعرفة احتياجاتهم ومحاولة شغل وقت فراغهم بما ينفعهم ويساهم في تطوير قدراتهم والترويح عنهم بطرق سليمة ومّعافاة كي لا تتحول العطلة الى مرتعاً خصباً للانحراف والسلوك المنبوذ وتنامي الجريمة بكافة أشكالها .
manal_qatawneh@yahoo.com