محتوى التواصل الاجتماعي وأثره على الأطفال
د. أحلام ناصر
20-01-2025 12:00 PM
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءاً لا يمكن تجنبه في حياتنا اليومية، حيث تؤثر بشكل كبير على تشكيل القيم والسلوكيات لدى مختلف الأعمار. وبينما يتزايد استخدام هذه المنصات بين الأطفال إلى جانب المراهقين والبالغين، فإن تأثيرها على الأطفال في سنواتهم الأولى (بين 3 إلى 6 سنوات تقريباً) يكتسب أهمية خاصة، لأن هذه المرحلة العمرية تشهد تطوراً سريعاً في الشخصية وقدرة الطفل على التعلم والتأثر بما يدور حوله.
إن الأطفال في سنواتهم الأولى يتفاعلون يومياً مع محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، سواء عبر أجهزة الأهل أو عبر مقاطع الفيديو القصيرة المنتشرة على المنصات الرقمية. ورغم أن كثيراً من هذا المحتوى يبدو بريئاً أو حتى تعليمياً، إلا أن الدراسات تشير إلى أن الأطفال في هذه المرحلة يمتصون ما يشاهدونه بشكل مباشر، دون القدرة على التمييز أو النقد. هذا يجعلهم أكثر عرضة لتقليد ما يرونه على الشاشة، سواء كان ذلك سلوكاً إيجابياً أم سلبياً.
ان نظرية التعلم الاجتماعي للعالم ألبرت باندورا تدعم هذه الفكرة. وفقا لهذه النظرية، يتعلم الأطفال السلوكيات عبر ملاحظة الآخرين وتقليدهم. فعندما يشاهد الطفل شخصية محبوبة تقدم على تصرف معين، فإن احتمال تقليده لهذا التصرف يرتفع بشكل ملحوظ، حتى وإن لم يكن هذا السلوك مناسباً أو مفيداً.
كما تشكل منصات التواصل الاجتماعي بيئة تؤثر على عادات الأطفال وسلوكياتهم. فمثلاً، إذا اعتاد الطفل مشاهدة المحتوى دون رقابة من قبل والديه او المؤسسة التعليمية التي ينتمي اليها، قد يفضل قضاء وقته أمام الشاشات بدلاً من اللعب مع أقرانه، مما قد يؤثر على مهاراته الاجتماعية وقدرته على التفاعل مع الآخرين. توضح نظرية التطور المعرفي لبيـاجيه أن الأطفال في هذه المرحلة العمرية لا يزالون في مراحلهم الأولى من النمو المعرفي، مما يجعلهم يفسرون ما يشاهدونه بشكل حرفي، دون القدرة على التمييز بين الواقع والخيال. وبالتالي، فإن المحتوى الذي يتعرضون له عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على طريقة فهمهم للعالم وكيفية تصرفهم في الحياة اليومية.
تلعب الأسرة دورًا محوريًا في تحديد نوعية المحتوى الذي يراه الطفل وكيفية تفاعله معه. من خلال إشراف الأهل، يمكن تقليل المخاطر وتعزيز الفوائد.
مع توفير إشراف مناسب من الأهل، يمكن أن يتحول الوقت الذي يقضيه الطفل أمام المحتوى الرقمي إلى فرصة تعليمية. فالحديث مع الطفل عما يشاهده يساعد على توضيح الأفكار الملتبسة وتصحيح أي فهم خاطئ. ويمكن للوالدين أن يستغلوا هذا التفاعل لطرح أسئلة بسيطة، توضيح المفاهيم، وتحفيز الطفل على التفكير، مما يجعل تجربة المشاهدة أكثر فائدة وإيجابية على المدى الطويل.
وفي هذا السياق، لا اقصد بالحديث عن تأثير التكنولوجيا على الأطفال المطالبة بالابتعاد عنها تماماً، بل تنظيم وقت استخدامها بما يضمن تحقيق توازن صحي. فدمج الأنشطة الرقمية بشكل معتدل داخل الروتين اليومي للطفل، مع تخصيص أوقات محددة للرسم، القراءة، والتفاعل المجتمعي والرياضة، يعزز من تطور مهاراته الحركية وقدراته الإبداعية. كما أن وضع قواعد واضحة تحكم فترة الجلوس أمام الشاشات يحد من مخاطر الإدمان الرقمي، ويوفر الفرصة للطفل كي يتفاعل مع العالم الحقيقي من حوله ويستفيد من تجارب حياتية متنوعة.
وفي الختام، يبرز دور النظريات العلمية في فهم الأثر الكبير لمحتوى التواصل الاجتماعي على الأطفال. فمن خلال نظرية التعلم الاجتماعي لباندورا التي تسلط الضوء على دور الملاحظة والتقليد، ونظرية بياجيه التي تبيّن مدى تأثر الأطفال بالرسائل المباشرة، يتضح أن الإشراف العائلي والتوجيه المدروس هما حجر الأساس لضمان تجربة رقمية آمنة ومفيدة. وعند تبني هذه الأسس النظرية، يمكن تقليل المخاطر وتعزيز الإيجابيات، مما يساهم في دعم النمو العقلي والاجتماعي السليم للأطفال.