الأردن والاتحاد الأوروبي: شراكة في الوقت المناسب
المحامي سلطان نايف العدوان
30-01-2025 02:03 PM
بعد توقيع الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، نشرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تصريحًا أكدت فيه التزام الاتحاد الأوروبي العميق بدعم الأردن، مشيرة إلى أن المملكة تمثل نموذجًا للمرونة والالتزام بالاستقرار في الشرق الأوسط. في رسالتها الموجهة إلى جلالة الملك عبد الله الثاني، شددت على أن أوروبا تقف بثبات إلى جانب الأردن، معتبرة أن هذه الشراكة جاءت في “الوقت الصحيح” لتعكس مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين الجانبين.
هذا الإعلان لا يتعلق فقط بالجانب الدبلوماسي، بل يعكس إدراكًا أوروبيًا لأهمية الدور الأردني في المنطقة، حيث ستشمل الشراكة تعزيز التعاون في السلام والأمن، وحقوق الإنسان، والصمود الاقتصادي، والتجارة، ودعم اللاجئين. الأهم من ذلك هو حجم التمويل والاستثمار الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي، والذي بلغ 3 مليارات يورو، في إشارة واضحة إلى حجم التحديات التي يواجهها الأردن، ومدى إيمان أوروبا بضرورة دعمه في هذه المرحلة الحساسة.
الاتحاد الأوروبي لم يكتفِ بالإشادة بالدور الأردني، بل أكد أن هذه الشراكة تمثل “القرار الصحيح في الوقت الصحيح”، وهو تعبير يحمل دلالات استراتيجية مهمة. هذا التصريح يعكس قناعة أوروبية بأن العالم يمر بمرحلة تحولات كبرى، وأن الأردن يمثل عنصر توازن لا يمكن تجاهله في صياغة مستقبل المنطقة. دعم الأردن اليوم لم يعد خيارًا دبلوماسيًا تقليديًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية للحفاظ على استقرار الشرق الأوسط، خاصة في ظل تصاعد التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
هذا الدعم لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة السياسة الحكيمة التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني، والتي عززت مكانة الأردن كشريك موثوق على الساحة الدولية. على مدار سنوات، أثبت الأردن أنه ليس مجرد دولة تحتاج إلى المساعدة، بل طرف فاعل في إدارة أزمات المنطقة، وهو ما جعل أوروبا تدرك أن دعم استقراره يصب في صالح أمن المنطقة بأكملها. هذه الشراكة ليست فقط التزامًا سياسيًا، بل تعكس ثقة المجتمع الدولي بقدرة الأردن على لعب دور محوري في محيطه.
ما يميز التصريح الأوروبي أيضًا هو الإشادة بالدور الإنساني للأردن، حيث أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية إلى كرم الأردن في استضافة ملايين اللاجئين. هذا الاعتراف لا يقتصر على الجانب الإنساني، بل يعكس قناعة بأن الأردن لا يُنظر إليه فقط كمستضيف للاجئين، بل كشريك في إيجاد حلول دائمة لهم، سواء من خلال توفير الحماية أو العمل على إعادتهم بكرامة.
إلى جانب ذلك، ركز التصريح على دعم رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني للإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية، مما يؤكد أن الاتحاد الأوروبي يرى في الأردن نموذجًا يجب دعمه، ليس فقط من أجل استقراره الداخلي، بل لأن استقراره يعزز التوازن في المنطقة بأكملها. ولذلك، جاء التركيز على جذب الاستثمارات وتعزيز الاقتصاد الأردني كجزء أساسي من هذه الشراكة، في خطوة تعكس رغبة أوروبا في دعم التحول الاقتصادي في الأردن، وليس مجرد تقديم مساعدات قصيرة المدى.
ما يلفت الانتباه في هذه الحزمة المالية هو طريقة توزيعها الذكية، حيث لم تُخصص فقط كدعم مباشر، بل جاءت في شكل استثمارات في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الرقمية، والسياحة المستدامة، والتعدين، والصناعات الدوائية. هذا النهج يعكس تفكيرًا أوروبيًا طويل الأمد، يقوم على تمكين الأردن اقتصاديًا وجعله أكثر قدرة على تحقيق نمو مستدام، وهو ما يُشير إلى تحول كبير في طبيعة العلاقة بين الطرفين، من علاقة قائمة على المساعدات إلى شراكة اقتصادية متكاملة.
كما لم تغفل أوروبا دور الأردن الإقليمي، حيث أشار التصريح إلى الدور الحاسم الذي يلعبه الأردن في وقف إطلاق النار في غزة، ودعمه للانتقال السياسي في سوريا. هذه النقطة تعكس أن الاتحاد الأوروبي لا يرى الأردن كدولة متأثرة فقط بالأزمات، بل كطرف يسهم في إيجاد الحلول الدبلوماسية ويقود مبادرات للتهدئة والاستقرار، وهو ما يعزز من مكانته في المحافل الدولية.
هذه الاتفاقية تعكس تحولًا نوعيًا في العلاقات الأردنية الأوروبية، حيث لم يعد الأردن مجرد متلقٍ للدعم، بل أصبح حليفًا استراتيجيًا في ملفات الأمن والاستقرار والتنمية. هذا التحول يعكس إيمانًا أوروبيًا متجددًا بأهمية الأردن، ليس فقط كطرف في معادلة الشرق الأوسط، بل كشريك أساسي في رسم ملامح مستقبله.
ومع هذا الدعم الكبير، فإن المسؤولية الآن على عاتق الحكومة الأردنية بقيادة الدكتور جعفر حسان، التي يقع على عاتقها تحويل هذه الفرصة إلى إنجازات ملموسة. الاتفاقيات وحدها لا تكفي؛ المطلوب هو خطط واضحة وبرامج تنموية تستفيد من هذه الاستثمارات لتعزيز بيئة الأعمال، ودعم سوق العمل، وتسريع عجلة الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي أكد عليها الاتحاد الأوروبي في تصريحه.
الكرة الآن في ملعب الحكومة، والنجاح في استغلال هذه الشراكة سيكون اختبارًا لقدرة الأردن على تحويل العلاقات الدولية إلى مشاريع تنموية تدعم الاستقرار والنمو المستدام.