التوازن العاطفي يعني ببساطة قدرتنا على التعامل مع مشاعرنا بطريقة صحية ومتزنة، دون أن نبالغ في ردود أفعالنا أو نقمع مشاعرنا بشكل يضر بنا. هو أن نعرف كيف نعبر عن مشاعرنا، ونفهمها، ونتعامل معها بمرونة، مما يساعدنا على مواجهة ضغوط الحياة وتحدياتها دون أن تؤثر سلبًا على قراراتنا أو علاقاتنا مع الآخرين.

ان التوازن العاطفي يقوم على ثلاثة أبعاد أساسية وهي الوعي، والتنظيم، والمرونة، والتي تمثل ركائز أساسية لإدارة المشاعر بذكاء. الوعي العاطفي يمنح الإنسان القدرة على التعرف على مشاعره، فهم أسبابها وتأثيرها على سلوكه واحتياجاته، مما يساعده على التعامل بوعي مع حالات الغضب، والحزن، والفرح، بدلاً من أن تكون هذه المشاعر عائقًا في حياته. أما التنظيم العاطفي، فهو القدرة على إدارة المشاعر السلبية مثل القلق والغضب، بحيث لا تتحول إلى تصرفات مؤذية للفرد نفسه أو لمن حوله، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، بل يتم التعامل معها بعقلانية تؤدي إلى قرارات متزنة. وأخيرًا، تأتي المرونة العاطفية، التي تعكس قدرة الشخص على التكيف مع التغيرات العاطفية والتعامل مع الصعوبات بروح إيجابية، دون أن ينهار نفسيًا أو يستسلم للإحباط، كما يحدث في بعض الخلافات الزوجية المعقدة أو حالات الطلاق، حيث يكون التوازن العاطفي هو المفتاح لتجاوز الأزمات بأقل خسائر ممكنة.

التوازن العاطفي بين الزوجين يعني قدرة كل طرف على التعبير عن مشاعره وتلقي مشاعر الآخر بطريقة صحية ومتزنة، دون المبالغة في العاطفة والتي قد يؤدي إلى الاختناق والشعور بالامتلاك، أو جفاف في المشاعر يؤدي إلى التباعد والطلاق العاطفي احيانًا. وفقًا لدراسة نشرها معهد The Gottman Institute، فإن 69% من المشكلات الزوجية هي مشكلات مزمنة، لكنها لا تؤدي بالضرورة إلى الطلاق إذا كان هناك توازن في التعامل العاطفي بين الطرفين.

في الأردن، تشير إحصائيات دائرة قاضي القضاة الى أن أكثر من 50% من حالات الطلاق المسجلة في عام 2023 كانت لزوجات دون سن الثلاثين، مما يوضح ارتفاع معدلات الانفصال في السنوات الأولى من الزواج. وعند تحليل الأسباب، تظهر الدراسات أن الطلاق العاطفي الذي يعكس هشاشة العلاقة بين الازواج تتجاوز 60% ، ما يجعله أحد المحركات الرئيسية لتفاقم الخلافات وارتفاع نسب الانفصال. من جهة أخرى، أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد على 268 زوجًا استمرت علاقتهم لأكثر من 20 عامًا، أن الأزواج الذين يمتلكون مهارات التوازن العاطفي لديهم فرصة أقل بنسبة 80% للطلاق مقارنة بمن يفتقدونها.

الزواج الذي ينعدم فيه التوازن العاطفي يتحول إلى مصدر للتوتر والقلق، حيث يعاني أحد الطرفين أو كليهما من مشاعر الإهمال العاطفي، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر والقلق في الاسرة. دراسة نُشرت في مجلة Psychological Science أوضحت أن الأزواج غير السعداء لديهم مستويات كورتيزول (هرمون التوتر) أعلى بنسبة 23% من الأزواج الذين يتمتعون بتوازن عاطفي جيد، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.

وفي هذا السياق، تتمحور أسباب اختلال التوازن العاطفي فيما يلي:

1. التوقعات غير الواقعية من الزواج، كثير من الأزواج لديهم تصورات مثالية عن العلاقة الزوجية قبل الزواج متضمنة ذلك الحب والعاطفة، دون إدراك طبيعة التقلبات التي تمر بها المشاعر بمرور الوقت.

2. ضعف مهارات التواصل، ان عدم القدرة على التعبير عن المشاعر بطريقة صحيحة يؤدي إلى تراكم المشكلات دون حل.

3. الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، كما ان الأعباء المالية تؤدي إلى زيادة التوتر، مما يؤثر على جودة التواصل العاطفي.

4. كما ان لنشأة الأزواج في بيئات تفتقر إلى التعبير العاطفي يجدون صعوبة في ممارسة ذلك في اسرهم.

في الختام، إن العلاقات الزوجية الناجحة تقوم على أربعة عناصر أساسية: التواصل الفعّال لتعزيز التفاهم وتقليل الصراعات، والتعبير عن الامتنان لتعزيز المشاعر الإيجابية، والمرونة العاطفية للتكيف مع تقلبات الشريك دون نزاعات غير ضرورية، والاستثمار في العلاقة عبر الأنشطة المشتركة لتعزيز الاستقرار والرضا الزوجي.