facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الغسيل الأخضر


د. صالح سليم الحموري
07-02-2025 09:55 AM

المسؤولية المجتمعية ليست فكرة جديدة أو شعارًا يُرفع لتحقيق مكاسب تسويقية مؤقتة، بل هي فلسفة حقيقية تهدف إلى تحقيق تغيير إيجابي ومستدام في حياة المجتمعات والبيئة. عندما بدأنا في الأردن، ومن ثم في الوطن العربي، العمل على نشر مفهوم المسؤولية المجتمعية، كنّا ندرك أننا نحمل على عاتقنا مسؤولية بناء وعي جديد يقوم على أسس علمية وشفافية متناهية. منذ بداية عام 2010، خضنا معركة نشر هذا المفهوم عبر التدريب، وإعداد المؤسسات لتبني المسؤولية المجتمعية كجزء من استراتيجياتها. قمنا بتأليف كتاب متخصص ليكون مرجعًا لممارسات المسؤولية المجتمعية وفق معايير عالمية، واضعين نصب أعيننا تحقيق أثر حقيقي يتجاوز المظاهر البراقة.

لكن، ومع تزايد انتشار هذا المفهوم في المؤسسات، بدأت تظهر ممارسات تُفرغه من معناه الحقيقي. تحولت المسؤولية المجتمعية عند بعض الجهات إلى وسيلة تسويقية بحتة، بعيدة كل البعد عن أهدافها النبيلة. هذه الممارسات، التي باتت تُعرف اليوم بـ"الغسيل الأخضر"، أصبحت ظاهرة ملحوظة في العالم العربي، تعكس انحرافًا واضحًا عن جوهر المسؤولية المجتمعية.

"الغسيل الأخضر" لا يقتصر على كونه مصطلحًا، بل يمثل مشكلة عميقة تتعلق بمؤسسات تدّعي الالتزام بالمجتمع والبيئة، لكنها تستخدم هذا الادعاء كواجهة تخفي وراءها ممارسات غير مسؤولة. تقوم هذه المؤسسات بإطلاق مبادرات صغيرة أو أنشطة رمزية تهدف فقط إلى تحسين صورتها العامة دون تحقيق أي تأثير حقيقي ومستدام.

مع توسع انتشار مفهوم المسؤولية المجتمعية في العالم العربي، باتت بعض المؤسسات الكبرى تستغل هذا المفهوم لتحقيق مكاسب تسويقية. تطلق هذه المؤسسات حملات براقة ومسميات جذابة لكنها تفتقر إلى العمق والجدية. على سبيل المثال، نرى مؤسسات تُطلق مشاريع بيئية محدودة، مثل زراعة عدد من الأشجار أو تنظيف أماكن عامة، بينما تستمر في ممارسات ملوثة ومضرة بالبيئة والانسان دون أي خطط واضحة للتقليل من أضرارها.

في حالات أخرى، تلجأ شركات إلى الترويج لمنتجات تحت شعارات "صديقة للبيئة"، دون أدلة علمية تدعم هذه الادعاءات، مما يساهم في تضليل المستهلكين واستغلال وعيهم البيئي المتزايد. وهناك مؤسسات أخرى تنظم فعاليات مجتمعية ذات تأثير محدود، مثل التبرعات أو الحملات المؤقتة، لكنها تفتقر إلى استراتيجية طويلة الأجل تسعى لحل المشكلات المجتمعية من جذورها.

أحد الأسباب الرئيسية وراء تفشي هذه الظاهرة هو غياب الحوكمة والرقابة. عدم وجود معايير صارمة تُقيّم مدى التزام المؤسسات بمبادئ المسؤولية المجتمعية، مما أتاح لهذه الممارسات الزائفة الانتشار بسهولة. كما أن ضعف الوعي المجتمعي جعل من السهل على هذه المؤسسات تمرير مبادراتها السطحية دون مواجهة تساؤلات أو نقد من الجمهور.

المؤسف أكثر هو أن بعض الشركات الاستشارية ساهمت في تعميق هذه المشكلة من خلال إعداد تقارير مبالغ فيها تُضخم إنجازات المؤسسات، دون أن تعكس الواقع. هذا النوع من التقارير لا يخدم إلا تعزيز المظاهر الزائفة على حساب القيم الحقيقية للمسؤولية المجتمعية.

إذا أردنا إعادة بناء "الثقة" في مفهوم المسؤولية المجتمعية، فعلينا أن نبدأ بتعزيز الشفافية. المؤسسات التي تلتزم حقًا بالمسؤولية المجتمعية يجب أن تفصح عن تفاصيل مبادراتها وتأثيرها بشكل واضح وقابل للقياس. كما أن هناك حاجة ملحة لوضع معايير رقابية صارمة من قبل الدولة، تضمن تقديم تقارير صادقة ومدعومة بالأدلة.

كما أن رفع وعي الجمهور أيضًا يُعد أداة محورية، حيث أن تثقيف المستهلكين والمجتمع يمكن أن يجعلهم أكثر قدرة على التمييز بين المبادرات الحقيقية والممارسات الزائفة.

كما أن إشراك الخبراء والمتخصصين في تصميم وتنفيذ برامج المسؤولية المجتمعية سيضمن أن تكون هذه المبادرات مدروسة وموجهة لتحقيق تأثير ملموس ومستدام.

عندما بدأنا العمل على نشر ثقافة المسؤولية المجتمعية، كنا نؤمن بأنها أداة تغيير حقيقية يمكنها بناء مجتمعات أكثر ازدهارًا واستدامة. ومع انتشار ظاهرة "الغسيل الأخضر"، أصبح الحفاظ على هذا المفهوم من التشويه مهمة ملحة.

المسؤولية المجتمعية ليست مجرد فكرة أو شعار، بل هي التزام ينبع من قيم أصيلة. المؤسسات التي تلتزم بهذا النهج ستجد نفسها تحظى بثقة الجمهور، وستكون نموذجًا يُحتذى به في عالم يطمح لتحقيق التغيير الإيجابي، لذلك علينا جميعًا أن ندرك أن المسؤولية المجتمعية الحقيقية تُبنى على الصدق والشفافية، لا على المصالح المؤقتة أو المظاهر الزائفة.

* صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :