من يتحمل التبعات: شعب انتخب أم نواب رضخوا أم حكومات انفردت بالقرار؟!
محمود الدباس - ابو الليث
07-02-2025 03:45 PM
ليس غريباً أن يطلق دونالد ترامب تصريحات نارية.. فهو رجل اعتاد أن يتعامل مع السياسة.. كصفقة تجارية.. يساوم فيها ويراوغ.. يرفع الصوت.. ليحصل على مكاسب.. أو يضغط.. لتمرير سياسات.. لكن الغريب.. أن يصبح بلد بأكمله رهينة كلماته.. وأن تترنح مؤشرات اقتصاده.. وأمنه المالي.. بناءً على ما يتلفظ به في لقاء هنا.. أو تغريدة هناك.. فهل نحن أمام تهديد حقيقي.. يتطلب إعادة النظر في أسس الاعتماد على المساعدات.. والعلاقات الخارجية؟!.. أم أن المشكلة أعمق.. تمتد إلى الداخل.. حيث التكوين السياسي.. والاقتصادي.. الذي يجعلنا عرضة لأي تقلب خارجي؟!..
الناس يتحدثون.. يتساءلون من المسؤول؟!.. هل هو الشعب الذي انشغل بطلب الخدمات من نوابه.. بدلاً من مساءلتهم عما يفعلون؟!.. الذي انتخب نواباً على أساس العلاقات.. والمصالح الضيقة.. لا على أساس القدرة والكفاءة؟!.. الذي استسلم لفكرة.. أن النائب يجب أن يكون وسيطاً للخدمات.. لا مشرعاً ورقيباً؟!.. فكانت النتيجة.. أن أصبح غالبية من هم في المجلس.. انعكاساً لرغبات الأفراد.. لا للمصلحة العامة.. وأصبح الأداء البرلماني بمجمله.. مشلولاً أمام القضايا المصيرية.. لأن الناخب.. لم يطلب من ممثليه.. ولن يُقيّمهم إلا على المصالح الشخصية.. لا المواقف الوطنية؟!..
أم النواب.. الذين بدلاً من أن يكونوا ممثلين حقيقيين للشعب.. تحولوا إلى طالبين خدمات مِن على أبواب الوزراء والمسؤولين.. يلهثون خلف تعيينٍ هنا.. أو واسطةٍ هناك.. منشغلين بإرضاء ناخبيهم.. في قضايا لا علاقة لها بالتشريع والرقابة.. فأصبحوا بلا قوة.. حين يتعلق الأمر باتخاذ مواقف مصيرية؟!.. رغم أنهم يمتلكون أدوات دستورية قوية.. تجعلهم أصحاب اليد العليا في الرقابة والتشريع.. فهم قادرون وفق الدستور على استدعاء أي مسؤول.. وطلب الوثائق والمستندات.. وتشكيل لجان تحقيق.. وإسقاط الحكومات.. أو إقالة وزير.. إذا تطلب الأمر.. ومع ذلك.. هل استُخدمت هذه الأدوات كما يجب؟!.. أين كانت أصواتهم.. عندما تم توقيع اتفاقيات تحمل الدولة التزامات اقتصادية طويلة الأمد.. دون رقابة حقيقية؟!.. أين كانوا.. عندما تراكمت الديون.. حتى أصبح الاقتراض أسلوب ونهج إدارة.. بدلاً من كونه أداة طارئة؟!.. كيف يمكن لنائب.. أن يرفع صوته بالمحاسبة.. وهو بالأمس كان يستجدي وزيراً.. لتلبية طلب خاص؟!.. كيف يمكن لمجلس نواب.. أن يفرض على الحكومة خطة اقتصادية وطنية.. بينما بعض أعضائه مشغولون بعطاء هنا.. أو منفعة هناك؟!.. هل يمكن لحكومة أن تخشى رقابة برلمانية حقيقية.. وهي تعلم.. أن نواباً مستعدون للمساومة على مواقفهم؟!..
لكن.. -وهنا سؤال المليون دولار- ماذا عن القرارات الحكومية.. التي قادتنا إلى هذا الوضع؟!.. ماذا عن الاتفاقيات.. التي أُبرمت دون دراسة كافية.. أو عرضها على النواب؟!.. عن المشاريع التي استنزفت مواردنا.. دون أن تحقق مردوداً حقيقياً؟!.. عن السياسات المالية.. التي أرهقت المواطن بالضرائب والرسوم.. بينما لم تمس الهدر في المؤسسات الرسمية؟!.. ماذا عن غياب الاستثمار الحقيقي في القطاعات الإنتاجية.. التي تخلق فرص عمل دائمة.. بدلاً من الوظائف المؤقتة.. والقائمة على المساعدات؟!..
فهل باشرت الحكومة بخطوات جديّة وتنفيذية.. ولا أقول فكرت.. بمشاريع مثل قناة ربط البحرين.. أو استثمارات ضخمة.. في الطاقة البديلة.. لتقليل فاتورة الاستيراد؟!.. وزيادة الرقعة الخضراء؟!.. هل عملت على إجراء جراحات عميقة.. في التشريعات الناظمة للاستثمار.. بحيث يتم تسهيل دخول رؤوس الأموال الكبرى.. دون عراقيل بيروقراطية؟!.. هل سعت إلى إدخال أدوات مالية حديثة.. مثل السندات القابلة للتحويل.. وتمويل المشاريع.. من خلال صناديق الاستثمار السيادية.. وإطلاق مناطق اقتصادية خاصة.. تمنح المستثمرين حوافز حقيقية.. ومستدامة؟!.. أم أن القوانين ما زالت تنظر إلى المستثمر.. على أنه بقرة حلوب.. تفرض عليه الضرائب.. والرسوم قبل أن يبدأ عمله؟!..
وماذا عن الترشيد؟!.. أليس من الأولى بالحكومة أن تبدأ بنفسها.. قبل أن تطالب الشعب بالتقشف؟!.. كم من السيارات الحكومية.. تجوب الشوارع دون حاجة؟!.. كم من الوفود الرسمية تسافر بلا عائد ملموس؟!.. كم من المشاريع غير الضرورية.. تُرصد لها ميزانيات ضخمة.. بينما الأولويات الوطنية تترك معلقة؟!.. هل ستتوقف الامتيازات.. والمكافآت الباهظة.. التي تُصرف لبعض المسؤولين.. دون نتائج تبررها؟!.. هل ستتم مراجعة الرواتب الفلكية.. لبعض المؤسسات والهيئات المستقلة.. التي تحولت إلى عبء على الخزينة؟!.. هل سيتم وقف تعيينات الواسطة والمحسوبية تحت مسميات عدة.. والتي تستنزف الموازنة.. دون أن تضيف أي إنتاجية؟!.. هل ستتم إعادة هيكلة المؤسسات.. التي تتداخل صلاحياتها.. وتستهلك موارد بلا جدوى؟!.. هل ستوقف الحكومة استئجار المباني الحكومية بمبالغ طائلة.. رغم امتلاكها أراضي يمكن البناء عليها؟!.. هل ستقلص عدد المستشارين في الوزارات.. والهيئات الرسمية.. الذين يتقاضون رواتب مرتفعة.. بلا تأثير ملموس؟!.. أم أن الحكومة ستكتفي بمطالبة المواطن بشد الحزام.. بينما هي تواصل إنفاقها.. وكأن شيئاً لم يكن؟!..
الشعب يقول.. إنه مستعد للتقشف.. مستعد لشد الأحزمة.. لكن.. هل قدمت الحكومة له بديلاً حقيقياً؟!.. هل هناك نقل عام موثوق.. ليترك المواطن سيارته؟!.. هل هناك سياسة مالية عادلة.. تجعل التقشف عاماً.. لا خاصاً بطبقة دون أخرى؟!.. هل هناك رؤية جريئة.. لاستقطاب الاستثمارات الكبرى.. دون أن تُرهق بالقوانين.. والبيروقراطية.. والضرائب المنفرة؟!.. أم أننا ما زلنا ندور في دائرة مغلقة.. نتلقى الصدمات.. ثم نبحث عن شماعة نعلق عليها العجز؟!..
نحن لسنا مجرد متلقين لما يقرره الآخرون.. ولسنا مجبرين على البقاء في هذا المأزق الاقتصادي والسياسي إلى الأبد.. لكننا أيضاً.. لن نخرج منه بالتحسر والندم.. أو التمني.. بل بإعادة النظر في جذور المشكلة.. في طريقة اختيارنا لممثلينا.. في كيفية إدارة مواردنا.. في قدرتنا على اتخاذ قرارات جريئة.. تؤسس لاستقلال حقيقي.. وإلا.. فإننا سنبقى في كل مرة.. ننتظر تصريحاً جديداً.. لنعيد طرح السؤال ذاته.. من المسؤول؟!..