لأول مرة في الأردن نشهد فريقا اقتصاديا حكوميا يقوده وزير دولة بتفويض شبه مطلق من رئيس الوزراء.
النتيجة المتوقعة لهذا التوجه أن تكون الكلمة الفصل في القرارات الاقتصادية لوزير غير مقيد بالاعتبارات والعقلية المالية التقليدية للحكومات.
وهذا مطللب طالما تناوله الكتاب والمحللون، ممن دعوا إلى اتحاذ القرارات على أساس اقتصادي، وليس على أساس مالي "محاسبي" بحت.
وعلى الرغم من أن العديد من الحكومات المتعاقبة تبنت ذات الشعار، إلا أن التطبيق العملي على أرض الواقع لم يقد إلى تغيير ملموس في آلية اتخاذ السياسات الحكومية.
وهنا وقفت الحكومات أمام معيقين. الأول عدم وجود آلية تشغيلية لمبدأ ولاية الاقتصاد على الملف المالي. والثاني وجود وزراء مالية بدعم سياسي مرتفع يمنحهم "فيتو" على قرارات الفريق الاقتصادي، وحتى مجلس الوزراء في بعض الأحيان.
الحكومة الحالية أوجدت حلا للعائق الأول من خلال فريق اقتصادي له وزير "رئيس" مستقل يحظى بدعم كامل من رئيس الوزراء. كما أن العائق الثاني يبدو متلاشيا في ظل غياب "فيتو" مالي على الكثير من التخفيضات والإعفاءات والتسويات الضريبية المنجزة منذ الربع الأخير للعام 2024.
مع أنه يحسب للحكومة نجاحها في تطبيق نموذج لطالما نادى به المحللون والمنظرون والرسميون، يحتاج رئيس الوزراء قريبا إلى وقفة مراجعة لهذه المنهجية.
وهنا لا نعني بوقفة المراجعة انتقادا ضمنيا لأداء الفريق الاقتصادي ورئيسه. ولكننا أمام تحديات مالية استثنائية حتى قبل أن تبرز التهديدات الأخيرة لتدفقات المساعدات الخارجية.
وبمعنى أننا قد نحتاج مرة أخرى لمنح المالية العامة أولوية متقدمة، ولمنح فكرة "الصمود الاقتصادي" مركزا متقدما على اعتبارات التحفيز والنمو.
وقد تزداد أهمية هذا التوجه مع زيارة بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة بعد أقل من شهرين، مع ما قد تحمله الزيارة من طلبات لتعزيز قدرة المالية العامة على احتمال ضغوط خارجية متنامية خلال الفترة المقبلة.
الخيارات المتاحة لإعادة حوكمة الفريق الاقتصادي بناء على هذه الاعتبارات متعددة: منها تمكين وزارة المالية سياسيا وفنيا، ومنها الإبقاء على الفريق الحالي دون تغيير مع التوجيه بمنح تركيز أكبر على الجانب المالي.
كما يبقى الخيار مفتوحا أمام حلول غير تقليدية مثل إعادة مسؤولية قيادة الفريق الاقتصادي لوزارة المالية، مع استحداث حقيبة وزير دولة للشؤون المالية. والهدف هنا منح المالية العامة الأولوية، مع ضمان عدم تحول الفريق الاقتصادي إلى "فريق مالي" تقوده الاعتبارات الفنية والمحاسبية.