facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين الجرأة على المعرفة والركون إلى المألوف


أ.د سلطان المعاني
12-02-2025 10:07 AM

يأتي موضوع تفاوت الأمم بين الجرأة على المعرفة والركون إلى المألوف، واحدًا من أبرز القضايا التي تحلل التطورات الثقافية والفكرية عبر التاريخ، إذ يعكس هذا التفاوت عمق الفجوة بين الأمم التي اختارت أن تتجاوز حدود المعرفة المألوفة نحو اكتشافات وإبداعات جديدة، وتلك التي تفضل الركون إلى الثبات والتقليد حفاظًا على استقرار ثقافتها وأعرافها.

تتجلى الجرأة على المعرفة في العديد من الحضارات العظيمة التي تبنت أسلوب التساؤل والتجريب ووضعت نصب عينيها البحث عن الحقيقة كهدف أسمى، فكان الإغريق مثالًا على أمة تقدس العقل والمنطق، حيث ظهرت الفلسفات التي قامت على الجدل الحر ومواجهة الأفكار التقليدية، وقد قادهم هذا الشغف للمعرفة إلى نهضة فلسفية وعلمية أثرت في العالم بأسره. كذلك الحال في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، التي انطلقت فيها حركة الترجمة والبحث العلمي، فانكب العلماء على دراسة مختلف العلوم، وحققوا إنجازات عميقة أثرت على الإنسانية بأسرها.

وفي المقابل، هناك أمم اكتفت بما هو مألوف، محتمية بتقاليدها وخائفة من التغيير، مما قاد إلى جمود فكري وعلمي أحيانًا، وربما فقدان القدرة على مواكبة التطور. قد يكون هذا الركود مبررًا في بعض الأحيان، إذ ارتبط الحفاظ على القيم والتقاليد بالخوف من ضياع الهوية، غير أن هذا الثبات تحول في بعض الأحيان إلى قيد يقيد الإبداع ويعيق الانفتاح على الآخر.

إن السؤال الأساسي الذي ينبثق من هذا التفاوت هو: ما الذي يدفع أمة للجرأة على المعرفة، بينما تفضل أخرى الركون إلى المألوف؟ لعل الإجابة تتعلق بطبيعة العقل الجمعي لهذه الأمم، وقدرتها على قبول الاختلاف والنقد، ومدى تأثير القيادة الفكرية التي تضع الرؤية والمعرفة كهدف جوهري للتقدم. فالأمم التي تؤمن بأن المعرفة قوة، وتعتبر التعليم والبحث العلمي من ركائزها الأساسية، تجد نفسها أكثر استعدادًا لكسر المألوف والولوج إلى مجالات غير مكتشفة.

ويبدو أن جرأة الأمم على المعرفة هي السبيل لنقل الحضارات إلى مستويات أعمق من التطور، حيث تتعزز هذه الجرأة بالإيمان بقيمة التساؤل والانفتاح على الجديد، في مقابل التمسك بالمألوف الذي قد يعوق مسيرة التقدم ويغلق الأبواب أمام الإمكانيات البشرية الواعدة.

حينما تحدث الفيلسوف إيمانويل كانط، عن "الجرأة على المعرفة"، فتح أفقًا جديدًا لتحرر الإنسان من أغلال الجهل والتقليد. هذه الجرأة شكلت خطوة نحو اكتساب المعلومات، وغدت دعوة إلى إطلاق العنان للعقل والوعي، والولوج إلى عوالم التساؤلات الكبرى التي تؤسس لإدراك أعمق للوجود والفكر، فالمعرفة في هذا السياق هي تراكم للمعارف، وتجلي في القدرة على التحرر من السائد، والانخراط في مواجهة نقدية مع الأفكار التي تقيّد العقل وتجعل من التقليد مرجعًا وحيدًا.

ولا يرتبط الجهل الثقافي هنا بمجرد غياب المعرفة، وإنما هي حالة ذهنية واجتماعية من الركون إلى المألوف والموروث دون القدرة على تجاوزه أو إعادة تشكيله، وهذا قبول ضمني بالجمود، ورفض للإبداع، وهو ما يجعل الأمة التي تقع في شباك هذا الجهل حبيسة الماضي، غير قادرة على الإسهام في تشكيل ملامح الحضارة الإنسانية. فالأمة التي لا تجرؤ على التفكير في أسئلة جديدة أو طرح رؤى بديلة تفقد تدريجيًا قدرتها على قيادة نفسها، فتظل في حالة استهلاك دائم لما تنتجه الأمم الأخرى، مكتفية بدور المتلقي الذي يقبل ما يُملى عليه.

في ظل هذا الجمود الفكري، تتحول الأمة إلى كيان هامشي في معترك الأفكار، بلا قدرة على التأثير أو الإبداع، وتفقد مكانتها في معركة الحضارة، لأن الجهل الثقافي يمنعها من استيعاب معطيات العصر ومتغيراته. وهنا تكمن المعضلة الكبرى: أن الأمة التي تفقد الجرأة على المعرفة تفقد حقها في تقرير مصيرها، وتصبح رهينة لأفكار وقيم موروثة تُعَطِّل حركتها نحو المستقبل، حيث يتحول الماضي إلى سجن للعقول بدلاً من أن يكون منطلقًا للإبداع.

إن هذا التمسك الأعمى بالماضي دون نقد أو تطوير يعمق الفجوة بين الأمة والحاضر، فتظل أسيرة لقيم وأفكار عفا عليها الزمن، دون محاولة لإعادة تفسيرها بما يتناسب مع مستجدات العصر. إن هذا الجمود الفكري الذي ينتج عن تقديس التراث وتحويله إلى قوالب ثابتة يمنع الأمة من تجاوز ذاتها، ويقيد عقولها داخل أسوار الماضي. فالأمة التي تفشل في استشراف مستقبلها، ومعالجة ماضيها بنظرة نقدية، تصبح عالقة في حلقة مفرغة من التكرار، مترددة في الانطلاق نحو أفق جديد من الفكر والإبداع.

إن الهزيمة الحقيقية التي تُمنى بها الأمة تكمن في فقدان الثروات أو خوض المعارك المادية، وتتعرض إلى هزيمة فكرية وثقافية. وتعد خسارة القدرة على التفكير النقدي والإبداعي الخسارة الأعمق، لأنها تقتل روح الأمة، وتضعف قدرتها على التجدد. الأمة التي لا تُبدع ولا تُفكر تفقد تدريجيًا إنسانيتها؛ تتحول إلى كيان خاضع لمؤثرات خارجية، عاجز عن التحرر من قيود الجهل التي تحكم قبضتها على العقل والإرادة. والجهل هنا هو غياب الحرية الفكرية التي تتيح للفرد والمجتمع الخروج من دائرة التكرار والجمود.

إن المعركة الأساسية التي تواجهها الأمة معركة فكرية وحضارية بامتياز. ويتحقق لها النصر الحقيقي عندما تستعيد قدرتها على التفكير الحر، والإبداع، وإنتاج معرفة تنبع من ذاتها. إن الجرأة على المعرفة شعار فلسفي، وضرورة وجودية، وحضارية يجب أن تتحول إلى منهج حياة، يُترجم إلى حركة مستمرة نحو التجديد والابتكار. والأمة التي تجرؤ على التفكير بحرية، وتواجه تحديات الحاضر والمستقبل بشجاعة، هي الأمة التي تُسهم فعليًا في رسم مسار الحضارة الإنسانية، وتحدد مصيرها بيديها، لا بيد الآخرين.

ومن نافلة القول، إن إنتاج المعرفة واستيرادها ليسا وجهين متساويين لعملة واحدة، إنهما مساران مختلفان، يحمل كل منهما دلالاته الخاصة في رحلة الحضارات. فإنتاج المعرفة يعكس الروح المتجددة، ويعزز القدرة على الابتكار والإبداع، حيث يتفاعل الإنسان مع محيطه وظروفه، لخلق فكر جديد، نابع من تجربة ذاتية، ومنطلق من تفاعل أصيل مع العالم. أما استيراد المعرفة، فهو في جوهره قبول ضمني بالتبعية الفكرية، هو انفتاح على ما يُنتجه الآخر، دون محاولة حقيقية لاكتشاف الذات، أو استنطاق إمكانياتها الكامنة. إنه يشبه من يمسك مرآةً ليراقب صورًا تعكس ما يحدث خارج نفسه، ولكن، دون أن يتجرأ على النظر بعمق إلى انعكاس ذاته في تلك المرآة. تلك المرآة تُظهر له الأشياء بوضوح، لكنها لا تعكس ذاته الحقيقية، ولا تحفز في داخله القدرة على التفاعل الإبداعي أو التعبير عن جوهره.

إن استيراد المعرفة، وإن بدا وسيلة للتعلم والانفتاح، يظل في عمقه عملية تغذية ذهنية مؤقتة، لا ترتقي إلى مستوى النمو الفكري الأصيل. وكما يتغذى الجسد على طعام غريب، دون أن يتمكن من تحويله إلى جزء من نسيجه الحي، يبقى الذهن خاضعًا لفكرة مستوردة، لا يستطيع هضمها أو تحويلها إلى فكر ينبع من ذاته. هذه العملية تشبه استهلاكًا سريعًا للفكر الخارجي، دون أن يكون هناك عملية تحويل داخلية أو تفاعل حقيقي مع البيئة الثقافية التي ينتمي إليها الإنسان.

أما المعرفة المنتجة ذاتياً فتعكس جوهر التفاعل الخلاق بين العقل والبيئة، حيث تندمج التجربة الفردية مع التراث الثقافي والمستقبل المشترك، لتولد فكرًا جديدًا نابضًا بالإبداع. ويأتي هذا الإنتاج إضافة إلى المخزون الفكري، ويعيد تشكيل الواقع، وهو تحدٍ دائم لما هو مألوف، يبين قدرة الإنسان على الابتكار ومواجهة التحديات. ويتحول الإنسان من خلال إنتاج المعرفة، من مستهلك للفكر إلى منتج ومصدر للإلهام، ويصبح الفاعل الحقيقي في تشكيل مجتمعه ومستقبله. إنه فعل تحرير الذات من قيود التبعية الفكرية، وبناء هوية فكرية تعبر عن رؤى الأمة وتجربتها الخاصة.

إن الحضارات التي نجحت في إنتاج المعرفة تمكنت من ترك بصمة دائمة في مسار التاريخ. لم تقتصر على استيراد الأفكار، بل صاغت رؤاها الخاصة، وأنتجت فكرًا ينسجم مع تطلعاتها وتجاربها. وكانت هذه الحضارات، بفضل إبداعها الفكري، قادرة على قيادة مسيرة الإنسانية، لأنها أسست لنفسها مسارًا فكريًا مميزًا يعبر عن هويتها الحقيقية.

بهذا النهج، تصبح المعرفة المنتجة امتدادًا للوجود الإنساني ذاته، وتجسيدًا لقدرة الإنسان على التطور والتجديد. إنها تعبير عن الاستقلالية الفكرية التي تُمكّن الإنسان من تشكيل مصيره والابتكار في مواجهة التحديات. هذا النوع من المعرفة يتجاوز حدود التلقي ليصبح وسيلة للتحرر والإبداع، حيث يعكس العقل المتجدد قدرة المجتمع على قيادة مسيرته نحو مستقبل أفضل، بعيدًا عن التبعية الفكرية والتقليد الأعمى.

إن التفاعل الخلاق بين العقل والبيئة، وبين الماضي والمستقبل، وبين الفرد والمجتمع، هو عمل فكري وروحاني في آن واحد، يعيد من خلاله الإنسان صياغة نفسه وفهمه لمحيطه ولتاريخه. وتنبثق الولادة الفكرية الجديدة من هذا التفاعل استجابة للتحديات الراهنة، وعودة أصيلة إلى الجذور، والانطلاق منها نحو آفاق جديدة مفتوحة على المستقبل. ففي هذه الولادة، يتحرر العقل من كونه مجرد مستودع لأفكار الآخرين، ليصبح قوة خالقة قادرة على إضاءة طريق الفكر والإبداع للأجيال القادمة.

ولا يستمد الإنسان هنا قوته من تراكمات الآخرين أو تجاربهم، بل من تأملاته العميقة في ذاته وفي بيئته. فهو يستلهم ماضيه ليخلق مستقبلًا يتماشى مع طموحاته وتجربته الاستثنائية، في عملية مستمرة من إعادة اكتشاف الذات وتحريرها من القيود الفكرية والجمالية التي تحد من إمكانياتها.

إن الحضارة التي تنتج المعرفة، تدخل في حوار دائم مع ذاتها ومع العالم، ولا تكتفي بما يُمنح لها من الخارج، بل ترد بإبداع خاص يعكس عمق تجربتها، حيث تكسر القيود الجامدة، وتعيد صياغة القوالب، باحثة عن المعاني التي تناسبها. وفي هذا المستوى، تصبح المعرفة تراكما فكرياً، وتتحول إلى نبض حيوي يعيد تشكيل الوجود باستمرار، رافضًا الركود أو الجمود. وهنا، يصبح إنتاج المعرفة فعلًا تحرريًا، يعبر عن قدرة الأمة على الانعتاق من القيود التي يفرضها الآخرون، ويفسح لها المجال لصنع رؤاها وبناء مصيرها الحضاري الخاص.

وفي ظل الجهل، تصبح اللغة مجرد أداة ضعيفة، وتتحول إلى سطحية تفرغها من عمقها ومعناها. ويغيب فيها التأمل، ويُستبدل بالتكرار الممل، كما لو أن الكلمات تفقد بريقها ووزنها، فتتجول بلا هدف في أزقة الجهر. تلك الأزقة هي فضاء واسع للخطابات المبتذلة، حيث يفتقد الفكر إلى ظلاله، ويضيع الصوت بين ضجيج التكرار الممل، والجمل المستهلكة. ويفرض الجهل المباشرة في الطرح، لأنه يقف على عتبة الفهم دون أن يتجرأ على الدخول في أعماقه، وتصاغ الأفكار على غفلة وعجلة، فلا تُعطى الوقت الكافي للنضوج أو التكوين. إن المباشرة في الطرح هو انعكاس لغياب التأمل والفهم. إنها اختصار للقفز على المعاني الكبرى. إن المباشرة تعني استبدال الفكر المركب، بفكرة ساذجة، تكرس الاستسهال، وتخشى التعقيد.

إن اللغة المستهلكة انعكاس لبيئة تُحجم عن التساؤل العميق والبحث النقدي، ويصبح الجهل هو الحاكم الخفي الذي يفرض قواعده على الفكر. في ظل هذا الهيمنة، يتراجع العقل إلى ما هو سطحي وعابر، ويُقمع أي نزوع نحو التجديد والإبداع. إن مفهوم "الجرأة على المعرفة" الذي طرحه الفيلسوف إيمانويل كانط يمثل خطوة جوهرية لتحرير العقل من هذا التراجع، وحثّ على الشجاعة في مواجهة الأفكار السائدة والجرأة على اقتحام المجهول، وتفكيك المألوف.

يمثل تقديس الماضي، وجمود الفكر أمامه عائقًا رئيسيًا أمام التقدم والابتكار. ومن أبرز الأمثلة على هذا الجمود، ما شهدته الحضارة العربية في فترات معينة من التاريخ، حيث أصبح اجترار المعارف التراثية، وتعظيمها بغير نقد أو تفكيك سببًا في تقييد الفكر وإغلاق أبواب التجديد. وفي هذه الفترات، سواء في المجال الثقافي أو الديني، تحولت السلفية الفكرية إلى معيار قسري يحدد ما هو صحيح أو مشروع، مما أدى إلى إقصاء أي فكر مختلف أو حضارة أخرى. هذا التمترس خلف الأفكار المتقادمة لم يؤدِّ إلا إلى عزل الأمة فكريًا وتقنيًا، ودفعها إلى حالة من التخلف المعرفي.

وتُعَدُّ الفترة العباسية مثالًا واضحًا لهذا الاتجاه؛ فقد شهدت الحضارة العربية الإسلامية ازدهارًا معرفيًا نتيجة انفتاحها على معارف الشعوب الأخرى، كالتراث اليوناني والفارسي والهندي، في بداياتها. وقد أسهم هذا الانفتاح على الأفكار الجديدة في إثراء الفكر وتطوير العلوم، إلا أن هذا الزخم بدأ بالتراجع عندما تم تقديس المعارف القديمة والسلفية وتحويلها إلى قواعد ثابتة. وقد أوقف هذا الجمود عجلة الابتكار، حيث انحصر الفكر في نطاق التقليد والتكرار بدلاً من التجديد والتفكير النقدي.

أدى التمسك غير النقدي بالنصوص التراثية الفقهية إلى توقف العقل العربي عن الإبداع، وعزز من حالة التبعية والتخلف. تلك النصوص التي كانت نتاجًا لعصور وبيئات محددة، تحولت إلى عائق أمام التفاعل مع التحديات الحضارية للواقع الحديث. وهنا يكمن خطر تقديس الماضي؛ حين يتحول إلى مرجع قسري، يتوقف الفكر عن النمو، وتغيب روح المغامرة العقلية التي كانت سببًا في النهضة والابتكار.

ويعد موضوع "تفاوت الأمم بين الجرأة على المعرفة والركون إلى المألوف" واحدًا من أبرز القضايا التي تحلل التطورات الثقافية والفكرية عبر التاريخ، إذ يعكس هذا التفاوت عمق الفجوة بين الأمم التي اختارت أن تتجاوز حدود المعرفة المألوفة نحو اكتشافات وإبداعات جديدة، وتلك التي تفضل الركون إلى الثبات والتقليد حفاظًا على استقرار ثقافتها وأعرافها.

تتجلى الجرأة على المعرفة في العديد من الحضارات العظيمة التي تبنت أسلوب التساؤل والتجريب ووضعت نصب عينيها البحث عن الحقيقة كهدف أسمى، فكانت الإغريق مثالًا على أمة تقدس العقل والمنطق، حيث ظهرت الفلسفات التي قامت على الجدل الحر ومواجهة الأفكار التقليدية، وقد قادهم هذا الشغف للمعرفة إلى نهضة فلسفية وعلمية أثرت في العالم بأسره. كذلك الحال في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، التي انطلقت فيها حركة الترجمة والبحث العلمي، فانكب العلماء على دراسة مختلف العلوم، وحققوا إنجازات عميقة أثرت على الإنسانية بأسرها.

وفي المقابل، هناك أمم اكتفت بما هو مألوف، محتمية بتقاليدها وخائفة من التغيير، مما قاد إلى جمود فكري وعلمي أحيانًا، وربما فقدان القدرة على مواكبة التطور. قد يكون هذا الركود مبررًا في بعض الأحيان، إذ ارتبط الحفاظ على القيم والتقاليد بالخوف من ضياع الهوية، غير أن هذا الثبات تحول في بعض الأحيان إلى قيد يقيد الإبداع ويعيق الانفتاح على الآخر.

إن السؤال الأساسي الذي ينبثق من هذا التفاوت هو: ما الذي يدفع أمة للجرأة على المعرفة، بينما تفضل أخرى الركون إلى المألوف؟ لعل الإجابة تتعلق بطبيعة العقل الجمعي لهذه الأمم، وقدرتها على قبول الاختلاف والنقد، ومدى تأثير القيادة الفكرية التي تضع الرؤية والمعرفة كهدف جوهري للتقدم. فالأمم التي تؤمن بأن المعرفة قوة، وتعتبر التعليم والبحث العلمي من ركائزها الأساسية، تجد نفسها أكثر استعدادًا لكسر المألوف والولوج إلى مجالات غير مكتشفة.

يبدو أن جرأة الأمم على المعرفة هي السبيل لنقل الحضارات إلى مستويات أعمق من التطور، حيث تتعزز هذه الجرأة بالإيمان بقيمة التساؤل والانفتاح على الجديد، في مقابل التمسك بالمألوف الذي قد يعوق مسيرة التقدم ويغلق الأبواب أمام الإمكانيات البشرية الواعدة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :