كل يوم، عندما نستيقظ على أخبار القتل، الدمار، الجشع، والطمع، نشعر بأن شيئًا في داخلنا يتآكل، وكأن جزءًا منا قد مات، لكنه لا يُدفن، بل يبقى شاهدًا على ما نراه وما لا نريد رؤيته. نحن اليوم في مواجهة مشاهد تعصف بالإنسانية، ليس فقط من ساحات الحروب والنزاعات، بل أيضًا من طمع الإنسان وجشعه في تدمير كل ما حوله، حتى البيئة التي تحتضنه.
المدن التي كانت مليئة بالحياة أصبحت أنقاضًا، وأصوات الأطفال التي كانت تُسمع في الأزقة تحولت إلى صرخات خوف أو صمت قاتل. عندما تُهدم البيوت، لا تسقط الجدران فقط، بل تنهار الذكريات، الأحلام، والأمل في الغد. الحرب ليست مجرد تبادل للنيران، بل هي آلة لسرقة أرواح لا تُحصى، ودفن المستقبل قبل أن يولد.
ليس من الضروري أن يكون هناك سلاح مادي لقتل الإنسان، فالجشع والطمع سلاحان أكثر فتكًا. الشركات التي تستنزف الموارد دون اعتبار للتوازن البيئي، الأغنياء الذين يراكمون الثروات بينما يموت الفقراء جوعًا، السياسات التي تُدار بمصالح ضيقة دون أي مراعاة للعدالة الاجتماعية، كلها تجسد شكلاً آخر من الموت. إنه موت القيم، موت العدالة، وموت الإحساس بالآخر.
بينما تنشغل الإنسانية بالحروب والجشع، هناك موت صامت يحدث للطبيعة. الغابات تُجرف، الأنهار تُلوّث، والمناخ يختنق تحت وطأة انبعاثات المصانع. الحيوانات تنقرض، والمحيطات تمتلئ بالنفايات البلاستيكية. العلماء والناشطون البيئيون يصرخون بأعلى صوتهم، يوثقون الانهيار، لكن في كثير من الأحيان، تبدو صرخاتهم وكأنها مجرد ضوضاء في عالم أصم.
رغم كل هذا، ما زالت هناك فسحة للأمل. يمكن للوعي الجماعي أن يُحدث فرقًا، ويمكن للفكر المسؤول أن يعيد التوازن. لدينا القدرة على إيقاف النزاعات، كبح الطمع، وإعادة الاعتبار للبيئة. ربما "جزء منا قد مات"، لكنه يمكن أن يُبعث من جديد إذا استطعنا إعادة تعريف أولوياتنا، وإنهاض إنسانيتنا من تحت الأنقاض التي دفناها بها.
الموت ليس النهاية دائمًا، لكنه قد يكون بداية لصحوة جديدة، إن اخترنا أن "نرى"، أن "نفكر"، وأن "نُغيّر".
* صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية