facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التعاون من أجل عصر ذكي


د. صالح سليم الحموري
18-02-2025 02:08 PM

في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي بوتيرة غير مسبوقة، حيث يهيمن الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على المشهد العالمي، يأتي شعار مؤتمر دافوس "التعاون من أجل عصر ذكي “كنداء ملحّ لإعادة التفكير في كيفية عملنا معًا لتحقيق مستقبل مستدام ومزدهر. هذا الشعار ليس مجرد عبارة رنانة، بل يعكس رؤية عميقة تسعى إلى تعزيز الشراكات بين الدول، المؤسسات، والمجتمعات لمواجهة التحديات العالمية المتشابكة.

"العصر الذكي" ليس مجرد مرحلة متقدمة من التطور التكنولوجي، بل هو حقبة تتكامل فيها التكنولوجيا مع الذكاء البشري لتحسين جودة الحياة، حيث يعتمد هذا العصر على الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء لاتخاذ قرارات دقيقة وسريعة تسهم في حل المشكلات العالمية. لكن التكنولوجيا وحدها لا تكفي. فبناء عصر ذكي يتطلب "تعاوناً دولياً ومؤسسياً" يضمن أن تُستخدم هذه الابتكارات بشكل أخلاقي وعادل.

يتطلب بناء عصر ذكي جهودًا مشتركة تتجاوز الحدود الوطنية والمؤسسية للتصدي للتحديات الكبرى التي يواجهها العالم اليوم، مثل تغير المناخ، الأمن السيبراني، عدم المساواة، والهجرة، حيث لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة التعامل معها بمفردها. لذلك، "التعاون والتكامل ومد الجسور" ليس خيارًا، بل ضرورة لتحقيق تأثير ملموس ومستدام.

لقد أثبتت المبادرات العالمية أن التعاون يمكن أن يكون القوة الدافعة وراء التغيير الإيجابي. على سبيل المثال، في مجال "الطاقة النظيفة"، اجتمعت الحكومات والمؤسسات الدولية لتطوير حلول مستدامة مثل مزارع الرياح والطاقة الشمسية. لم يكن هذا التعاون مقتصرًا على تطوير التكنولوجيا فحسب، بل شمل تبادل الخبرات لضمان استخدام الموارد الطبيعية بكفاءة ومسؤولية.

وفي المجال الصحي، كان "التعاون الدولي في إنتاج وتوزيع لقاحات كوفيد-19"إنجازًا ملهمًا. عملت الحكومات والشركات والمؤسسات غير الربحية معًا لتطوير لقاحات في وقت قياسي وتوزيعها عالميًا، مما أنقذ ملايين الأرواح. هذا الإنجاز لم يكن فقط انتصارًا علميًا، بل تجسيدًا للإرادة الجماعية وقدرة الإنسانية على مواجهة الأزمات.

على الرغم من الفوائد الواضحة للتعاون، إلا أن هناك تحديات كبيرة تهدد تحقيق هذه الرؤية. أول هذه التحديات هو "الفجوة الرقمية" في حين يتجه العالم نحو الاعتماد على التكنولوجيا، لا تزال العديد من الدول النامية تفتقر إلى البنية التحتية الرقمية. هذه الفجوة لا تؤدي فقط إلى تفاقم عدم المساواة، بل تعرقل أيضًا الجهود الرامية لتحقيق عدالة رقمية.

التحدي الثاني يكمن في "التنافس الاقتصادي والجيوسياسي". الصراعات بين الدول والمنافسة على الموارد والأسواق تخلق بيئة تعيق التعاون الدولي. بدلاً من بناء جسور التواصل، نجد أن التوترات الجيوسياسية تساهم في رفع الجدران التي تفصل بين الدول.

أما التحدي الثالث، فهو "التحديات الأخلاقية والقانونية" المتعلقة باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. مع تقدم هذه التقنيات، تظهر مخاوف بشأن الخصوصية، والتحيز الخوارزمي، وسوء استخدام الأدوات التكنولوجية. هذه القضايا تتطلب تعاونًا دوليًا لوضع سياسات تضمن الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا.

رغم هذه التحديات، فإنها تمثل فرصًا لإعادة صياغة أساليب التعاون التقليدية. التكنولوجيا التي قد تبدو في بعض الأحيان عاملاً مسببًا للتباعد، يمكن أن تتحول إلى أداة لتعزيز التواصل والشفافية.

على سبيل المثال، يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين التعليم عبر توفير منصات رقمية تصل إلى المناطق النائية، مما يسهم في سد الفجوة في الوصول إلى المعرفة. كما يمكن تعزيز التعاون الاقتصادي من خلال الابتكار الرقمي، مثل دعم التجارة الإلكترونية وتطوير اقتصاد المعرفة.

أما على الصعيد الجيوسياسي، فإن تعزيز الحوار بين الدول وبناء منصات تعاون مشتركة يمكن أن يسهم في تقليل التوترات. مثل هذه المنصات يمكن أن تركز على تحقيق أهداف مشتركة، كالتصدي لتغير المناخ وتعزيز الأمن الغذائي.

نؤكد على أن التجارب العالمية أثبتت أن التعاون ليس مجرد وسيلة لتحقيق النجاح، بل هو أساس لإحداث "تغيير إيجابي مستدام". ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس. لتحقيق ذلك، يجب على العالم أن يعمل على "تعزيز الحوار العالمي بين الحكومات والمؤسسات والشركات الخاصة"، لا سيما الكبرى والعابرة للقارات، والمنظمات العالمية، بهدف تحديد أولويات مشتركة تخدم الإنسانية وتحقق التنمية المستدامة.

لا يمكن تحقيق التقدم دون تمكين الأفراد، وذلك من خلال توفير فرص تعليمية وتدريبية تتيح لهم أن يكونوا جزءًا فاعلاً من العصر الذكي، حيث يصبح الإنسان محور التطور التكنولوجي لا مجرد متلقٍ له. إلى جانب ذلك، يجب وضع سياسات شاملة تضمن الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتكنولوجيا، مع تحقيق العدالة الاجتماعية، لضمان ألا يكون التطور على حساب الفئات المهمشة أو البيئة.

"العصر الذكي" يفتح آفاقًا جديدة للإبداع والابتكار، لكنه في الوقت ذاته يفرض علينا مسؤوليات جسيمة. ومن خلال التعاون العالمي، يمكننا بناء مستقبل يتوازن فيه التقدم التكنولوجي مع الحفاظ على القيم الإنسانية والبيئية. إن شعار "التعاون من أجل عصر ذكي" ليس مجرد دعوة عابرة، بل هو وعد بمستقبل أفضل، يتحقق عندما تجتمع الجهود ويتم تحويل الرؤية إلى عمل مشترك. إن هذا التعاون هو الأمل الذي يمكن أن يقودنا نحو عالم أكثر استدامة وعدلاً، حيث تستفيد الإنسانية جمعاء من ثمار التقدم.

* صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :