facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




شهية البشر للتكنولوجيا


د. صالح سليم الحموري
24-02-2025 11:52 PM

منذ فجر التاريخ، والبشر متعطشون لكل ما هو جديد. فكلما ظهرت "تقنية ثورية"، لم يتردد الإنسان في تبنيها، بل سعى إلى تطويرها وتسخيرها لخدمة احتياجاته، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة اليومية. هذا الشغف المتواصل بالتكنولوجيا ليس مجرد ميل طبيعي، بل هو "سمة جوهرية" من سمات التطور البشري، حيث لعبت "الموجات التكنولوجية" المتتابعة دورًا حاسمًا في إعادة تشكيل المجتمعات، وإعادة تعريف الممكن والمستحيل.

تُعرف "الموجة التكنولوجية" بأنها مجموعة من "التقنيات الناشئة في الوقت ذاته"، مدفوعة بتقنيات أخرى ذات "أغراض عامة"، وهي تلك التي تحقق طفرات هائلة في قدرات البشر، فتغير جذريًا الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتفاعل. ومنذ بداية الثورة الصناعية، رأينا كيف أن تقنيات مثل "محرك الاحتراق الداخلي" لم تقتصر على تغيير وسائل النقل فقط، بل أثرت على "الاقتصاد والصناعة والتخطيط العمراني وحتى أنماط الحياة اليومية".

اليوم، نشهد موجة جديدة من هذه التقنيات، يقودها "الذكاء الاصطناعي، والبيولوجيا الاصطناعية، والحوسبة الكمّية"، وهي ليست مجرد أدوات مساعدة، بل "قوى كبيره دافعة" تغير كل شيء من حولنا. هذه الموجة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها الأسرع تأثيرًا في التاريخ.

يعود هذا الشغف البشري بالتكنولوجيا إلى عدة عوامل، أبرزها "الفضول الفطري"، "والرغبة في تحسين الحياة"، "والبحث عن التفوق والسيطرة"، عندما يظهر اختراع جديد، نجد أن البشر لا يتقبلونه فقط، بل يسارعون إلى "إعادة تشكيل أنماط حياتهم حوله"، وهذا لا ينطبق فقط على الأفراد، بل يمتد إلى "المجتمعات بأكملها"، حيث تتحول المدن، وتتغير الاقتصادات، ويعاد هيكلة الأسواق وفقًا لمتطلبات هذه التقنيات.

لكن "شهية البشر للتكنولوجيا" لا تتوقف عند حد التبني، بل تتعداها إلى "المطالبة بالمزيد"، فكلما اعتدنا على تقنية معينة، أصبحنا نتطلع إلى المرحلة التالية، نريدها أن تكون "أسرع، أذكى، وأكثر كفاءة". وهذا ما يفسر كيف أن الهواتف الذكية، على سبيل المثال، انتقلت من كونها مجرد أدوات اتصال إلى أن أصبحت "مراكز متكاملة لإدارة الحياة"، تجمع بين الترفيه والعمل والتواصل في جهاز واحد لا يمكن الاستغناء عنه.

عندما تتبنى المجتمعات تقنيات ذات أغراض عامة، فإن التغيير لا يكون محدودًا، بل يشمل جميع أركان الحياة، فتقنية مثل الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، لا تعيد تشكيل سوق العمل فقط، بل تؤثر على أنظمة الحكم، وأساليب التعليم، وأنماط الإنتاج، وحتى القيم الاجتماعية. وهذا ما يجعل كل موجة تكنولوجية تحمل في طياتها فرصًا جديدة وتحديات غير متوقعة.

لكن، هل يمكن أن تصبح هذه "الشهية المفتوحة للتكنولوجيا" خطرًا علينا؟ هل هناك نقطة تصبح فيها هذه الرغبة في التطور سيفًا ذا حدين؟ التاريخ يخبرنا أن "كل طفرة تكنولوجية تحمل آثارًا غير محسوبة"، ففي الوقت الذي "تحدث فيه هذه الموجات تحولات إيجابية، فإنها تخلق أيضًا اضطرابات اجتماعية وأخلاقية واقتصادية" تحتاج إلى إدارة حكيمة.

إن المستقبل لا يعد فقط بمزيد من التطورات التكنولوجية، بل بوصولها إلى مرحلة "الدمج العميق في حياتنا اليومية"، بحيث لا تعود مجرد أدوات مساعدة، بل تصبح جزءًا من نسيج وجودنا ذاته، مثل "السيارات ذاتية القيادة، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والطباعة الحيوية للأعضاء البشرية"، كلها أمثلة على تقنيات لن نكون فقط مستهلكين لها، بل سنعيد بناء مجتمعاتنا حولها.

وهنا يكمن التحدي الحقيقي: "كيف نوازن بين الاندماج الحتمي في هذه الموجات التكنولوجية وبين السيطرة عليها"؟ هل نحن قادرون على "وضع ضوابط أخلاقية وقانونية" تمنع الانحرافات المحتملة لهذه التقنيات؟ أم أننا في طريقنا إلى مستقبل حيث تصبح "التكنولوجيا هي من يحدد إيقاع حياتنا، بدلًا من أن نكون نحن من يوجهها"؟

لا شك أن شهية البشر للتكنولوجيا لن تنطفئ، بل ستزداد كلما تقدمنا في الزمن. فالتطور التكنولوجي "ليس خيارًا، بل ضرورة"، وهو الذي يحدد شكل الحضارات واتجاهاتها. لكن، بين "الفرص المذهلة والمخاطر المحتملة"، تبقى مسؤوليتنا أن نكون "ليس فقط مستهلكين للابتكار، بل صناعًا لمستقبل متوازن"، نستخدم فيه التكنولوجيا "لإثراء حياتنا، لا لإفقادها معناها".

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن قادرون على التحكم في "شهيتنا التكنولوجية"، أم أننا سنواصل الركض "ونلهث" وراء الموجات القادمة دون أن ندرك وجهتنا النهائية؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :