facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الفيل والتطوير الحكومي


د. صالح سليم الحموري
26-02-2025 10:03 AM

في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا في اجتماعات رسمية ومناقشات حكومية تتناول قضايا التنمية والإدارة، لكننا نتحاشى الحديث عن المشكلة الحقيقية التي تلوح في الأفق كفيلٍ ضخمٍ في غرفةٍ ضيقة. الجميع يراها، يدرك حجمها، ويعلم مدى تأثيرها، لكن لسببٍ ما، يفضل البعض التظاهر بأنها غير موجودة، أو الحديث عنها بعبارات عامة ومُبهمة لا تمس جوهر المشكلة. هذه الظاهرة، المعروفة بـ"الفيل في الغرفة"، تعكس تحديًا خطيرًا في كثير من الحكومات والمؤسسات، حيث يتم تجاهل المشكلات الواضحة بدلاً من مواجهتها بحلول جذرية وفعالة.

لا يمكن إنكار أن الحكومة تواجه تحديات معقدة، ولكن هناك قضايا جوهرية واضحة للعيان لا تحتاج إلى دراسات مطولة أو لجان استشارية لا تنتهي. الجميع يعلم أن هناك بيروقراطية تعرقل سرعة الإنجاز، وأن هناك أنظمة قديمة لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات العصر، وأن التأخير في اتخاذ القرار أحيانًا يكون أكثر ضررًا من اتخاذ القرار الخطأ.

نجد أنفسنا أمام ملفات تتكرر كل عام، مثل تحسين الخدمات الحكومية، وتسريع إجراءات المعاملات، وتقليل الفساد الإداري، وتطوير التشريعات لتواكب التحولات الرقمية، لكن بدلًا من العمل الفعلي على حلها، نغرق في التقارير، واللجان، والاجتماعات التي تناقش ما هو معروف مسبقًا دون اتخاذ خطوات حقيقية. يا سادة يا كرام "الفيل في الغرفة" ليس مجرد مشكلة عابرة، بل هو تحدٍ واضح، معروف للجميع، لكنه يظل عالقًا بسبب غياب الإرادة الجادة لمعالجته.

إن التعامل مع المشكلات الواضحة يتطلب "شجاعة" في الاعتراف بها أولًا، ثم اتخاذ إجراءات جريئة لمعالجتها. لكن في بعض الأحيان، تفضل الجهات الحكومية التعامل مع "الحلول السطحية" بدلاً من الدخول في عمق المشكلة، إما خوفًا من تغيير الوضع القائم، أو بسبب تعقيدات البيروقراطية التي تجعل من التغيير مسارًا شاقًا وطويلًا.
كثيرًا ما يتم تقديم "حلول تجميلية" بدلاً من "إصلاحات جذرية"، مثل تطوير منصات إلكترونية للخدمات، دون تغيير فعلي في الإجراءات التي تحكم تلك الخدمات، أو الإعلان عن مبادرات جديدة، بينما لا تزال الأنظمة الإدارية تعمل وفق منطق قديم يُعيق التنفيذ السريع والفعّال.

إذا أردنا تجاوز مشكلة "الفيل في الغرفة"، فلا بد من تبني نهج جديد في الإدارة الحكومية يرتكز على الشفافية، والمرونة، والقدرة على التكيف مع التحديات المتغيرة. وهنا يأتي دور "تصفير البيروقراطية"، وهو ليس مجرد شعار، بل "نهج إداري يهدف إلى إزالة التعقيدات الإدارية غير الضرورية"، وتبسيط الإجراءات الحكومية، وجعلها أكثر كفاءة وسلاسة.

تطوير الأنظمة والسياسات يجب أن يكون مدفوعًا برؤية واضحة تعترف بالمشكلات بدلاً من إنكارها، وتقدم حلولًا قائمة على البيانات، والتكنولوجيا، وأفضل الممارسات العالمية.
الحكومات التي تدرك أن الزمن لا ينتظر، تعمل على اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة، وتتحول من بيروقراطيات متباطئة إلى مؤسسات رشيقة وقادرة على الإنجاز الفوري.

إن تجاهل "الفيل في الغرفة" لن يجعله يختفي، بل سيكبر ويصبح أكثر تعقيدًا مع مرور الوقت. الحكومات التي تريد تحقيق "قفزات تنموية حقيقية" عليها أن تبدأ أولًا بالاعتراف بوضوح المشكلات التي تعيقها، ثم تبني "سياسات جريئة ومبتكرة" وليس حلول مستوردة تضع الحلول الفعالة قبل أن تصبح التحديات أكثر صعوبة.

لا يمكن أن نبقى عالقين في دوامة النقاشات الطويلة واللجان التي تعيد توصيات سابقة دون تنفيذ، بل يجب التركيز على "القرار السريع"، "التنفيذ الفعّال"، و"إزالة التعقيدات غير الضرورية"، لأن الفيل واضح للجميع، وحان الوقت لإخراجه من الغرفة بدلًا من الاستمرار في تجاهله. فهل تكون البداية بتحسين أنظمة إدارة الموارد البشرية؟


* صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :