الإمبراطورية "الترامبية" الكونية
فيصل تايه
03-03-2025 11:18 AM
يتابع العالم اجمع ببالغ الاستغراب والاستهجان التصرفات والسلوكات والتصريحات المتوالية للرئيس الأمريكي "ترامب"، خاصة وان هذا "الرجل" يتصف بالتصريحات الساخنة وإثارة الجدل والهذيان، فما يقوله اليوم في العديد من القضايا العالمية يمثل صدمة لم يفق العالم منها بعد.
حين يتحدث "ترامب" يتحدث وكأنه يريد ان يعيد عقارب الساعة الى زمن هيمنة الإمبراطوريات متقمصاً شخصية "إمبراطور" من العصور الوسطى ويمتلك "إمبراطورية كونية" وليس رئيسا لدولة عظمى تدعي انها ترعى حقوق الإنسان والحريات ، متجاهلا بذلك حق تقرير المصير للامم والشعوب الذي طالما "استخدمته" أمريكا لإسقاط دول وتقسيم شعوب ، متجاهلاً القانون الدولي الذي ترعاه "المنظمة الدولية" التي هي على بُعد كيلومترات من مقر إقامته في البيت الابيض .
الكثيرون يصفون تصريحات "ترامب" المتعاقبة بأنّها تصعيد إعلامي معتاد لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مجانية، وأنّها ليست إلا مقدمة لجولات تفاوض طويلة مع الكثير من الدول بغرض كسب نفوذ ما ، أو تحقيق أهداف مرتبطة بالصراع الدولي الدائر حاليا مع الصين ، إلا أنّ اقتران التصريحات بصمت الولايات المتحدة عن عدد من مشروعات التوسع الدولية التي يشهدها العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص يعطي انطباعا عاما بأن الأمر أكبر من التفاوض والضغوط وسياسات حافة الهاوية .
من وجهه نظري وبكل الأحوال تبدو تلك التصريحات وكأنّها إعداد لمسرح حرب عالمية طاحنة وذلك للطبيعة الاستراتيجية التي تتميز بها الدول التي يستهدفها في تصريحاته ، فمن الواضح انه يستهدف الأهمية الاستراتيجية لبعض الدول لدوافع اقتصادية ، ذلك ان الدافع اقتصادي يعني الكثير لأمريكا التي عرفت طريق الأزمات الاقتصادية الطاحنة مع بداية هيمنتها وسيطرتها على العالم، ما يجعل السيطرة على اقتصاديات الدول بمثابة طوق نجاة للاقتصاد الأمريكي من الغرق، وقيمة مضافة هائلة لما تمتلك من ثروات طبيعية وموارد اقتصادية ضخمة يمكن أن تساهم بفاعلية في خروج الاقتصاد الأمريكي من النفق المظلم .
من هنا نقول ان الدلالة الأهم لهذه التصريحات أنّ هناك حالة من الطمع تجتاح العالم أجمع ، أخرجت مشروعات التوسع من دائرة السرية وأضحت أخباراً وتصريحات رسمية، فأصبح الجميع منشغلا بالاستحواذ على أراضي الغير وثرواته بدلا من البحث عن حلول عملية للأزمات الاقتصادية المتتالية، ولا يوجد وصف لحرب الوجود أفضل من ذلك، فقانون القوة اليوم هو القانون الوحيد الذي يعمل بكفاءة، فالدول التي لا تملك قرارها وقوتها الشاملة اليوم تواجه شبح الفناء في صمت كمريض في غرفة الإنعاش ، الموت أقرب إليه من الحياة .
واخيرا .. اخشى بعد كل هذا الاندفاع والتهور ان تبدأ هذه "الامبراطوية الكونية" بالتفكك والضعف حين تبدا بفقد حلفاءها وتسخر منهم وتنتقص من قدرهم وعلى رأسهم أوروبا التي بدأت تفكر جديّا في مستقبل هذه العلاقة في ظل عالم جديد "يتشكل" في وقت ستخسر فيه أمريكا سيادتها المطلقة ، بعد ما شهدناه بعد اللقاء الأخير المثيرة للجدل في البيت الابيض ، ما يدفع كل من كان يخطط لزيارة واشنطن يعيد النظر في ترتيبات زيارته.