حادثة التعدي على الطالب "الحميدي" .. مسؤولية من؟
فيصل تايه
05-03-2025 08:46 PM
حالة من الاستياء الشديد ، انتابت المجتمع الاردني ، بعد الواقعة المؤلمة التي تعرض فيها الطالب محمد الحميدي "لحروق" على يد زميليه داخل مدرسته في الرصيفه ، الأمر الذي دفع البعض للتساؤل عن دور ادارة المدرسة في توفير بيئة مدرسية آمنه ، ومراقبة انتظام الدوام المدرسي واحترامه ، ومسؤولية متابعة سير الحصص الصفية ومراقبة لوائح المناوبات ، ومدى التزام الطلبة بقواعد السلوك ، والتاكد من صيانة حرمة المدرسة ، والتقيد بتعليمات الانضباط العام عند كافة مكونات المجتمع المدرسي .
وزارة التربية والتعليم التي ساءها هذا الحادث ، سارع وزيرها الدكتور عزمي محافظة يرافقه الامينين العامين لزيارة الطالب المصاب في المستشفى والاطمئنان عليه وتفقد حالته الصحيه ، حيث اوعز بتشكيل لجنة تحقيق فورية للتحقيق في ملابسات الحادث وكشف تفاصيل الواقعة ، في حين أمر باتخاذ الإجراءات القانونية بحقّ المقصرين بكل حزم في حال ثبتت الوقائع بعد التحقيقات ، في رسالة واضحة الى ان الوزارة لن تتهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات التربوية التي تضمن سلامة أبنائها الطلبة ، وعدم تكرار مثل هذه الحادثة ، وتوفير البيئة المدرسية الآمنة في مدارسها كافة ، ولن تسمح بهذه السلوكات الغريبة عن مجتمعنا ان تطأ اروقتها .
من الملاحظ أن حالات التعدي من بعض الطلبة على زملائهم حالات تتكرر باستمرار في عدد من المدارس والكثير من تلك الحالات كانت تعالج تربوياً ، كما وان بعض المشكلات السلوكية عند بعض الطلبة يتم مواجهتها بالأساليب الارشادية التربويه ، ولكن ان يصل الامر الى حد جنائي في "التعدي" بصورة بليغة لم نعتدها في مدارسنا بارتكاب واقعة تمس حياة الطالب " الحميدي" ، ذلك بسكب مادة "الكاز" عليه بشكل مباشر واشعالها به وبشكل متعمد مقصود ، والمفجع ان يتم ذلك داخل "مدرسته" التي هي ملاذه ، وخلال اوقات الدوام الرسمي ، فهذا امر صادم وخطير جدا ، ما يدل على ان هذا الاعتداء "اعتداء" غريب عن سلوك مجتمعنا ومدارسنا ، وأن ما حصل ليس الا حالة فردية، يمكن ان يكون لها أسبابها وخلفياتها، لكن ليمكن ان تشكل "ظاهرة"، الامر الذي يدل على وجود سلوك انتقامي وخلل تربوي عند هؤلاء الطلبة ، يجب الانتباه له ومناقشة اسبابه ومحاولة إيجاد الحلول له.
انا اعتقد ان من مارس هذا السلوك العدائي "غير الانساني" انما هو كائن غير طبيعي وغير سوي نفسياً ويحتاج الى معالجات طبية وسلوكية فوريه ، والغريب في الأمر ان هذا الاعتداء جاء من قبل طالبين "اخوين" هما في عمر الطفوله ، اذ لم تتجاوز اعمارهما الثلاثة عشر عاماً كما علمنا ، فما قاما به من سلوك عدائي وايذاء بليغ يعتبر من أخطر المظاهر التي ينجم عنها سلوكات مرضية تنعكس بدورها على كل جوانب حياتهم ، المعرفية، النفسية والاجتماعية، وعلى المجتمع بشكل عام، ما يدفعنا الى التساؤل عن أسباب هذا السلوك العدواني المشين ودوافعه ، وتحديد أدوار ومسؤوليات كل من ولي الأمر، والمعلم، والمرشد التربوي ، والأنظمة واللوائح المتعلقة بالضبط السلوكي.
ان إظهار الطلبة ميولا عدوانية قوية تجاه أقرانهم وتهور سلوكاتهم العنيفة تحتاج الى تضافر الجهود بين أولياء الأمور والمدرسة والمجتمع ، وعدم القاء اللوم على المدرسة وحدها ، خاصة وان وزارة التربية والتعليم تمتلك ما يفوق الخمسة آلاف مدرسة حكومية، وهذا يعني ان التعليم ليس مدرسة وإنما مجتمع ، وبما ان الأسرة عماد المجتمع وهي المكان الأول للتربية والسلوك والأخلاقيات ، فأن الأسرة هي أساس حل المشكلة أو تعقيدها، كما وان غياب التربية الدينية عن بعض البيوت تكون سبباً في قسوة القلب وعداء المجتمع على توافه الأمور، وما نريده ونطالب به أن يعيد كل أب وأم النظر في القيم التي يغرسونها في الطلاب منذ الصغر .
انا ادعو كافة الادارات المدرسية الى تطبيق اللائحة السلوكية في مدارسها بكل همة ومسؤوليه ، وتفعيل الإجراءات التي من شأنها أن تساهم في تعديل سلوك الطلاب بما يخدم العملية التعليمية، والعودة باستمرار الى تعليمات الانضباط المدرسي التي صيغت بعناية لتراعي كافة ظروف الطلبة واحوالهم ، من اجل معالجة السلوك بالتربية، بحيث أيضا ننظر لمصلحة ومستقبل الطالب وعدم الإضرار به ، لكني اخشى من عدم تطبيق هذه التعليمات من قبل بعض ادارات المدارس وعدم اتخاذ الاجراءات المنصوص عليها في التعليمات ، مما يشجع الطلبه على مزيد من ارتكاب المخالفات .
دعوني وأكد على أهمية دور المرشد النفسي والاجتماعي في المدرسة، بحيث ان باستطاعته ان يقوم بالإبداع وبالابتكار في إيجاد حلول واقعية وفعالة للمشكلات السلوكية تعتمد بشكل كبير على رغبة الإدارة المدرسية في حل تلك المشكلات ، كما أنصح بضرورة الاهتمام بأقسام الارشاد النفسي في مديريات التربية والتعليم ، وتشديد الرقابة عليها فضلا عن ضرورة زيادة الكوادر، والمتابعة الميدانية لعمل المرشدين في المدارس.
واخيرا لا بد من وجود دور فعال لوسائل الإعلام في اعداد البرامج التوعويه والارشادية ، فكافة وسائل الإعلام من مكتوبة ومرئية ومسموعة يجب ان تسهم في تثقيف طلابنا وزيادة وعيهم وتهذيب سلوكهم وتنمية حسهم الوطني والإنساني وتطوير ميولهم وإتجاهاتهم ، وبالتالي علينا بذل المزيد من الاهتمام بكيفية الاستفادة منها على افضل وجه
والله ولي التوفيق