واشنطن تزعزع النفوذ الإسرائيلي
محمد البطوش
06-03-2025 09:55 PM
يبدو أن هناك توتراً متزايداً بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن إدارة ملف المفاوضات مع حماس، وهو توتر يعكس تباين المصالح والاستراتيجيات بين الطرفين في التعاطي مع الوضع في غزة، وهذا ما تكشفه تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وفقاً لما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت، ويشير إلى أن واشنطن قررت اتخاذ خطوة غير معتادة بفتح قناة اتصال مباشرة مع حماس دون إبلاغ إسرائيل، وهو ما يسلط الضوء على تراجع مستوى الثقة بين الحليفين التقليديين، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هذا القرار الأمريكي ينبع من إدراك متزايد في واشنطن بأن إسرائيل لا تتعامل بشفافية كاملة مع جهود التهدئة، وأن الحكومة الإسرائيلية الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، قد تكون غير معنية فعلاً بالتوصل إلى اتفاق يُخرج قطاع غزة من حالة الحرب، من الواضح أن المفاوضات، سواء بوساطة قطرية أو مصرية، لم تحقق تقدماً ملموساً في المرحلة الثانية، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى البحث عن بدائل لتجاوز الجمود، بعيداً عن القيود التي تفرضها تل أبيب على سير العملية التفاوضية.
إسرائيل، من جهتها، تعتبر أن أي مسار تفاوضي لا يكون تحت إشرافها المباشر يشكل تهديداً لنفوذها الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بغزة. فمنذ سنوات طويلة، حرصت الحكومات الإسرائيلية على أن تكون الوسيط الحصري بين الفصائل الفلسطينية والمجتمع الدولي، مما يسمح لها بالتحكم في طبيعة وشروط أي اتفاق يتم التوصل إليه. لكنها اليوم تواجه واقعاً مختلفاً، حيث لم تعد واشنطن مستعدة لمنحها هذا الدور المطلق، خصوصاً في ظل تزايد الضغوط الدولية لإنهاء الحرب، وتحقيق هدنة تؤدي إلى حل سياسي طويل الأمد.
الموقف الإسرائيلي الرافض لهذه القناة المنفصلة يمكن تفسيره بعدة أبعاد. فمن جهة، تخشى تل أبيب من أن يفضي التواصل المباشر بين واشنطن وحماس إلى اتفاق يتجاوز مطالبها الأمنية، كالتأكيد على القضاء الكامل على القدرات العسكرية للحركة، أو ضمان السيطرة الإسرائيلية المطلقة على أي ترتيبات ما بعد الحرب. ومن جهة أخرى، فإن حكومة نتنياهو، التي تواجه تحديات داخلية كبيرة، ليست في وضع يسمح لها بتقديم تنازلات قد تُفسر على أنها انتصار لحماس، خصوصاً في ظل الضغوط التي تمارسها الأطراف اليمينية المتطرفة داخل الائتلاف الحاكم.
لكن التحرك الأمريكي يعكس أيضاً تحولاً أوسع في المقاربة تجاه غزة، حيث باتت واشنطن تدرك أن استمرار الحرب دون أفق سياسي لم يعد مقبولاً، لا على المستوى الإنساني ولا السياسي. فإدارة بايدن تواجه انتقادات حادة داخلياً وخارجياً بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل، وهو ما دفعها على ما يبدو إلى محاولة إعادة ضبط مسار المفاوضات من خلال إشراك حماس مباشرة. هذا التحرك قد يكون خطوة تكتيكية للضغط على إسرائيل وإجبارها على تقديم تنازلات، أو قد يكون مؤشراً على توجه استراتيجي جديد يقوم على إعادة النظر في كيفية التعامل مع الفصائل الفلسطينية خارج الأطر التقليدية التي كانت تفرضها تل أبيب.
من جهة أخرى، فإن إقدام واشنطن على هذا التحرك من دون إبلاغ إسرائيل يعكس تراجع النفوذ الإسرائيلي في صنع القرار الأمريكي، على الأقل فيما يتعلق بهذا الملف. فمن المعروف أن إسرائيل كانت، لعقود، قادرة على التأثير في السياسة الأمريكية بشكل مباشر، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن صناع القرار في البيت الأبيض باتوا أكثر استعداداً لاتخاذ قرارات تخالف الرغبات الإسرائيلية إذا تطلب الأمر ذلك. هذا لا يعني بالضرورة أن واشنطن بصدد إعادة تعريف علاقتها بإسرائيل، لكنها رسالة واضحة بأن الإدارة الأمريكية لديها أولويات مختلفة، وأن مصالحها لم تعد متطابقة بالكامل مع الأجندة الإسرائيلية.
في ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن تحاول إسرائيل إجهاض أي محاولات أمريكية لإنشاء مسار تفاوضي مستقل مع حماس، سواء من خلال تصعيد الموقف عسكرياً لفرض وقائع جديدة على الأرض، أو من خلال الضغط السياسي داخل واشنطن عبر اللوبيات الموالية لها. وفي المقابل، ستسعى الإدارة الأمريكية إلى الاستفادة من هذه القناة المستقلة للضغط على جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل، للوصول إلى صيغة تفاوضية تنهي الحرب وتضمن تحقيق الاستقرار، ولو بشكل مؤقت.
المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا التحرك الأمريكي سيفضي إلى نتائج ملموسة، أم أنه مجرد محاولة تكتيكية ستواجه عقبات كبيرة بسبب النفوذ الإسرائيلي التقليدي على مسار السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.