أزمة الديون الأمريكية: هل يهدد تصاعد العجز المالي استقرار الاقتصاد العالمي؟
م. وائل سامي السماعين
07-03-2025 01:42 AM
في مقابلة مع قناة CNN أجراها الصحفي مايكل سيمرنكوش مع مايكل أ. بيترسون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمؤسسة Peter G. Peterson Foundation، شدد بيترسون على ضرورة معالجة تصاعد الدين الوطني الأمريكي، الذي بلغ حاليًا 36 تريليون دولار. هذه المقابلة دفعتني إلى البحث بشكل أعمق حول الأزمة المالية التي تواجهها الولايات المتحدة، والتي، في حال عدم اتخاذ إجراءات تصحيحية جذرية، قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي عالمي بتداعيات قد تفوق آثار أي حرب نووية، بل وربما بتصوري تمثل نهاية حقبة الثورة الصناعية في التاريخ البشري.
تشير التقديرات إلى أنه إذا واصلت الولايات المتحدة مسارها المالي الحالي دون تنفيذ إصلاحات اقتصادية، فإن الدين الوطني سيرتفع بشكل غير مسبوق خلال العقود القادمة. ووفقًا للتقرير المالي للحكومة الأمريكية، بلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 98% بنهاية عام 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز 200% بحلول 2049، ليصل إلى 535% بحلول عام 2099.
مع ارتفاع الدين العام، تزداد أيضًا تكاليف خدمته. فمن المتوقع أن تبلغ تكاليف الفوائد على الدين حوالي 13.8 تريليون دولار خلال العقد القادم، وفقًا لمكتب الميزانية في الكونغرس. هذه الفوائد تمثل هدراً كبيراً للمال العام، حيث تؤدي إلى تقليص قدرة الحكومة على الاستثمار في مشاريع حيوية مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.
توزيع الدين العام
1-الدين المحتفظ به من قبل Public (28.91 تريليون دولار)
يتضمن هذا الجزء الديون الفيدرالية التي يحتفظ بها الأفراد، الشركات، حكومات الولايات والحكومات المحلية، إضافة إلى الحكومات الأجنبية.
حجم ديون الحكومات الأجنبية (بحسب تقديرات عام 2023):
اليابان: 1.060 تريليون دولار
الصين: 759 مليار دولار
المملكة المتحدة: 670 مليار دولار
لوكسمبورغ: 330.1 مليار دولار
جزر كايمان: 329 مليار دولار
السعودية: 135 مليار دولار
الإمارات: 199 مليار دولار
المستثمرون المحليون (بحسب أرقام عام 2024):
صناديق الاستثمار المشترك: 3.8 تريليون دولار
حكومات الولايات والحكومات المحلية: 2.1 تريليون دولار
البنوك: 1.7 تريليون دولار
شركات التأمين: 550 مليار دولار
صناديق التقاعد الخاصة: 460 مليار دولار
كيانات خاصة وأفراد: 6 تريليون دولار (بما في ذلك 160 مليار دولار في سندات الادخار)
2- المقتنيات داخل الحكومة الفيدرالية (7.31 تريليون دولار)
يتكون هذا الجزء من سندات الخزانة المحتفظ بها من قبل الحسابات الحكومية الفيدرالية، وخاصة صناديق الضمان الاجتماعي وميديكير، حيث يتم استثمار الفوائض في سندات الخزانة لتمويل الالتزامات المستقبلية.
واما بالنسبة لأجراءات إدارة ترامب لمعالجة الدين الفيدرالي، فقد أطلقت إدارة الرئيس دونالد ترامب الحالية عدة مبادرات اقتصادية تهدف إلى تقليص الدين الوطني، ومن أبرزها:
1- وزارة كفاءة الحكومة (DOGE):
تم إنشاؤها تحت قيادة إيلون ماسك بهدف تقليل الإنفاق الفيدرالي غير الضروري وتحقيق وفورات تصل إلى 1 تريليون دولار، عبر تحسين كفاءة العمليات الإدارية وتقليص حجم القوى العاملة الحكومية.
2- برنامج التأشيرة الذهبية "Gold Card":
تم الإعلان عنه في 26 فبراير 2025، حيث يتيح هذا البرنامج منح تأشيرات للشركات الكبرى لاستقدام العمالة الماهرة مقابل 5 ملايين دولار لكل تأشيرة. وتأمل الإدارة في بيع 200,000 تأشيرة لتحقيق 1 تريليون دولار لتخفيف الدين الوطني.
3- التخفيضات الضريبية:
شملت خطة الإدارة تخفيضات ضريبية بقيمة 4.5 تريليون دولار، مقابل خفض الإنفاق بمقدار 2 تريليون دولار، بهدف تحفيز الاقتصاد. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة أثارت مخاوف كبيرة بشأن زيادة العجز المالي على المدى البعيد.
4-اتفاق مارالاغو:
يتضمن هذا الإطار النظري إعادة هيكلة النظام المالي العالمي عبر إضعاف قيمة الدولار الأمريكي، مما يؤدي إلى خفض تكاليف الاقتراض، وزيادة الاستثمارات في قطاع التصنيع، وبالتالي تقليل العجز التجاري والدين العام.
ومن أخطر الاستراتيجيات التي طرحها ترامب في اتفاق مارالاغو هي إضعاف قيمة الدولار الأمريكي، والتي قد تؤثر سلبًا على اقتصادات الدول الفقيرة. ومن أهم هذه التأثيرات:
1- ارتفاع تكاليف الاستيراد:
مع ضعف الدولار، سترتفع أسعار السلع والمنتجات المسعّرة بالدولار مثل النفط، الحبوب، والأدوية، مما سيؤدي إلى زيادة تكلفة المعيشة في الدول الفقيرة.
2- زيادة معدلات التضخم:
الدول التي تعتمد على الواردات الغذائية والطاقة مثل مصر، والاردن وغيرها من الدول ، قد تواجه ارتفاعًا حادًا في الأسعار يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
3- ارتفاع أعباء الديون:
معظم ديون الدول النامية مقوّمة بالدولار الأمريكي، وأي انخفاض في قيمة الدولار سيجعل خدمة الديون أكثر تكلفة، مما قد يؤدي إلى إفلاس بعض الدول.
4- هروب رؤوس الأموال:
مع تراجع قيمة الدولار، قد يبحث المستثمرون عن أسواق أكثر استقرارًا، مما يؤدي إلى تراجع الاستثمار في الدول الفقيرة وزيادة معدلات البطالة.
الخلاصة: هل الاقتصاد الأمريكي على وشك الانهيار؟
يواجه الاقتصاد الأمريكي اليوم أكبر تحدٍ مالي في تاريخه، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة مالية عالمية أكثر خطورة من أي حرب نووية. وبينما يحاول ترامب تقديم حلول جريئة، فإن بعض استراتيجياته الاقتصادية، مثل خفض قيمة الدولار، قد تؤدي إلى تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي.
يبقى السؤال:
هل تستطيع الولايات المتحدة السيطرة على ديونها قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة؟
وهل نحن على أعتاب انهيار النظام المالي العالمي؟