الاقتصاد الأردني يواجه تحديات متزايدة تتطلب إعادة النظر في النهج التقليدي لإدارة المالية العامة، والذي يعتمد بشكل أساسي على زيادة الضرائب أو خفض النفقات كوسيلة لمواجهة العجز المالي، ورغم أن هذه الأدوات قد توفر حلولًا آنية، إلا أنها ليست كافية لتعزيز الإنتاجية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، إن الحاجة اليوم ملحة لتبني سياسات اقتصادية مبتكرة تركز على الاستثمار في الإنتاجية، وتحفيز الابتكار، ودعم ريادة الأعمال، وتحسين البنية التحتية لضمان مستقبل اقتصادي أكثر ازدهارًا واستقرارًا، لقد اعتمدت الحكومات الأردنية على مدار السنوات الماضية على زيادة الضرائب والرسوم في محاولة لسد العجز المالي، مما شكل ضغطًا متزايدًا على المواطنين والشركات، كما أن سياسات خفض النفقات التي غالبًا ما تطال القطاعات الأساسية ، أثرت سلبًا على قدرة الاقتصاد على النمو والتطور، وهذه السياسات رغم كونها أدوات مالية ضرورية في بعض الأحيان، لا يمكن أن تكون الحل الوحيد، فالاقتصاد الأردني بحاجة إلى إصلاحات هيكلية تعزز من الإنتاجية وتخلق بيئة جاذبة للاستثمار وريادة الأعمال، بدلاً من الاعتماد على سياسات ضريبية تضعف القدرة الشرائية للمواطنين وتقيد نمو القطاع الخاص.

لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي ومستدام، يحتاج الأردن إلى تغيير طريقة تفكيره الاقتصادية من خلال التركيز على خمسة محاور أساسية ،أولاً: يجب على الأردن تعزيز دوره كمركز إقليمي للابتكار والتكنولوجيا، من خلال دعم الشركات الناشئة والاستثمار في القطاعات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة، إن تشجيع البحث والتطوير وتقديم الحوافز للشركات التي تستثمر في الابتكار سيساهم في رفع الإنتاجية وزيادة فرص العمل،ثانيًا:لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام دون قوى عاملة تمتلك المهارات المطلوبة لعصر الاقتصاد الرقمي،حيث يحتاج الأردن إلى إصلاح نظامه التعليمي بحيث يركز على التدريب المهني والتعليم التقني، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص لضمان أن المناهج الدراسية تلبي احتياجات السوق.

ثالثًا:تعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري لأي اقتصاد مزدهر، ويجب على الحكومة تسهيل الإجراءات البيروقراطية، وتحسين وصول الشركات الناشئة إلى التمويل، وتقليل القيود الضريبية التي تحد من نموها، كما أن تقديم حوافز للمستثمرين المحليين والأجانب سيساعد في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، رابعًا: البنية التحتية القوية هي أساس أي اقتصاد منتج، ويحتاج الأردن إلى تطوير شبكات النقل، والاتصالات، والإنترنت، والطاقة لضمان بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمارات، بالإضافة إلى ذلك، فإن التحول الرقمي وتسهيل الخدمات الحكومية الإلكترونية سيعزز الكفاءة ويقلل من البيروقراطية التي تعيق الأعمال والاستثمار، خامسًا: يتطلب الاقتصاد الحديث سياسات مرنة لسوق العمل، حيث يجب تقليل الفجوة بين المهارات المطلوبة والوظائف المتاحة، بالإضافة إلى دعم سياسات التشغيل التي تعزز من الإنتاجية بدلاً من خلق وظائف غير منتجة، كما أن تحسين بيئة العمل وتشجيع ثقافة الإبداع والتميز يمكن أن يكون لهما تأثير إيجابي على الاقتصاد بشكل عام.

تُعد سنغافورة نموذجًا متميزًا في تطبيق سياسات تحفز الابتكار والنمو المستدام، من خلال استثمارها في التعليم والتكنولوجيا، تمكنت سنغافورة من بناء اقتصاد يعتمد على المعرفة والابتكار، كما قامت الحكومة بتقديم تسهيلات تشريعية ومالية لتشجيع الشركات الناشئة وتحفيز الاستثمار في قطاع التكنولوجيا، أما ألمانيا، فقد حققت نجاحًا ملحوظًا في مجال الابتكار الصناعي، من خلال استثمارات كبيرة في التعليم المهني والتدريب المستمر، وهو ما سمح لها بالحفاظ على مكانتها كقوة صناعية عالمية، بالإضافة إلى ذلك، تشجع ألمانيا ريادة الأعمال وتبتكر في مجالات التصنيع الخضراء والتكنولوجيا.

بالنسبة للأردن، يمكن تطبيق هذه المبادئ من خلال التركيز على المجالات التي تساهم في الابتكار والإنتاجية، الاستثمار في التعليم وتطوير برامج تعليمية متقدمة تتماشى مع احتياجات سوق العمل، مثل تخصصات التكنولوجيا والهندسة، يجب تحفيز ريادة الأعمال من خلال توفير بيئة قانونية وتشريعية تدعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة، هناك حاجة ملحة لتطوير البنية التحتية التكنولوجية في المملكة، مثل توفير شبكات الإنترنت فائقة السرعة وتحسين بنية الطاقة المتجددة، إن الحلول التقليدية مثل رفع الضرائب أو تقليص النفقات ليست كافية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، يجب أن نركز على تحفيز الإنتاجية والابتكار من خلال الاستثمار في مجالات حيوية مثل التكنولوجيا والتعليم وريادة الأعمال، من خلال تبني هذه الأفكار، يمكن للأردن أن يحقق النمو المستدام ويواجه التحديات الاقتصادية بثقة.