الذكاء الاصطناعي بين الجمود والمستقبل
د. رائد عودة
12-03-2025 12:22 PM
يُهدّد الجمود في تبني الذكاء الاصطناعي مستقبل الشركات. فلم يعد الذكاء الاصطناعي مستقبلًا بعيدًا، بل أصبح واقعًا يؤثر بشكل مباشر على الشركات وطريقة عملها. ومع ذلك، لا تزال العديد من الشركات تشعر بأنها عالقة.
تواجه الشركات اليوم عدة تحديات رئيسية في تبني الذكاء الاصطناعي، من بينها الاعتماد على استراتيجيات تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كأمر ثانوي وفكرة لاحقة بدلًا من كونه محركًا رئيسيًا للنمو. كما تعاني الشركات من بيانات مجزأة وغير متكاملة، حيث تتوزع البيانات في أنظمة متعددة، ما يحدّ من إمكانية استخدامها بفعالية. من جهة أخرى، يؤدي عمل الإدارات بشكل معزول إلى عدم إدراكها الكامل لكيفية تعزيز الذكاء الاصطناعي لعملها اليومي. كما أن تركيز فرق تكنولوجيا المعلومات على مشاكل الأمس بدلًا من استغلال فرص المستقبل، والخوف من الفشل في بيئة غير مألوفة، يزيدان من تعقيد الأمور. تُضاف إلى ذلك وتيرة التغيير المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، والتي تصعب مواكبتها من قبل المؤسسات التقليدية.
لكن، ما العمل إذن؟
رغم أن معظم الشركات ليست جاهزة بشكل كامل للذكاء الاصطناعي، فإن انتظار الجاهزية التامة يُعد خطأً كبيرًا. فالبداية يجب أن تكون بالبيانات المتاحة، إذ يظن البعض أن البيانات الفوضوية الحالية لا يمكن الاستفادة منها، إلا أنه من الممكن استخراج رؤى قيمة من هذه البيانات وأتمتة مهام بسيطة، بينما يمكن العمل على تحسين جودة البيانات تدريجيًا في وقت لاحق.
ويمكن للشركات أيضًا القيام بتجارب قصيرة ومركزة لتجاوز عقبة عدم معرفة نقطة البداية. مثلًا، يمكن لإدارة الموارد البشرية استخدام الذكاء الاصطناعي لفحص السير الذاتية للمرشحين، أو يمكن لقسم المبيعات تحليل اعتراضات العملاء المتكررة من خلال تسجيلات المكالمات.
كما أن الاستعانة بالخبرات الخارجية يمكن أن تعوض نقص المهارات داخل الشركة، إذ لا تحتاج المؤسسة لبناء كل شيء من الصفر. فهناك أدوات ذكاء اصطناعي جاهزة يمكن دمجها مع العمليات الحالية، أو الاستعانة بمستشاري ذكاء اصطناعي خارجيين لتوجيه الفرق الداخلية، والاستفادة من تجارب المنافسين الذين حققوا نجاحات فعلية في هذا المجال.
ولتجاوز تحدي عدم الثقة بالذكاء الاصطناعي لدى الموظفين، يمكن للشركات تحقيق مكاسب سريعة وملموسة بدلاً من تنفيذ مشاريع طويلة الأمد. على سبيل المثال، يمكن تقديم جائزة مالية مجزية لمن ينجح في استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة مهمة رئيسية.
لكن المكاسب السريعة ليست سوى بداية. فالتبني الحقيقي والفعال للذكاء الاصطناعي يحتاج إلى رؤية طويلة المدى ترتكز على عدة محاور رئيسية. فيجب أولاً تقييم جاهزية المؤسسة للذكاء الاصطناعي من ناحية البنية التكنولوجية الحالية وجودة البيانات ومستويات مهارات الموظفين، لأن معرفة الواقع بوضوح تساعد في تحديد الأولويات بشكل دقيق.
كما يتطلب التقدم الناجح في الذكاء الاصطناعي وضع استراتيجية شاملة تربط بين المكاسب السريعة والأهداف الاستراتيجية الأوسع للشركة. يجب أن تكون مشاريع الذكاء الاصطناعي متوافقة مع أولويات العمل طويلة الأجل، وأن تخضع لحوكمة واضحة ضمن خارطة طريق متماسكة.
أما بناء القدرات فيتمثل في الاستثمار المستدام في الموظفين، عبر تطوير مهاراتهم وإدماج الذكاء الاصطناعي في عمليات صنع القرار اليومية، وتعزيز ثقافة الابتكار المستمر داخل المؤسسة.
وأخيرًا، لا يمكن تجاهل أهمية تطوير البنية التحتية التكنولوجية، بحيث تواكب تطلعات المؤسسة في مجال الذكاء الاصطناعي. وهذا يعني تطوير أنظمة بيانات مرنة وقابلة للتوسع، وإنشاء بُنى تحتية قوية للذكاء الاصطناعي، وأطر تكنولوجية قادرة على التكيف لضمان الاستفادة القصوى من هذه التقنية.
لذا، ابدأ صغيرًا، تحرك بسرعة، وضع رؤية شاملة.
*د. رائد عوده/ مساعد الأمين العام للشؤون العلمية والتكنولوجية
المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا
r.awdeh@hcst.gov.jo