والموت واحدُ .. تأملات في فقدان الأستاذ الدكتور شاهر ربابعة
أ.د سلطان المعاني
13-03-2025 02:43 AM
الموت، هو الحدث الذي لا يقبل التأجيل، يأتي بلا استئذان، ليضع الإنسان أمام حقيقته الأكثر صلابة؛ الفناء. ومع كل رحيل، ينفتح باب التأمل حول ماهية الحياة، جدواها، وما يبقى من الإنسان بعد غيابه. وفي هذا السياق، يصبح النعي طقسًا مزدوجًا؛ فهو من جهة إعلان عن فقدان جسد، لكنه من جهة أخرى شهادة على الأثر الذي يتركه الراحلون في ذاكرة من عرفوهم.
الموت نهاية بيولوجية، ولحظة انتقال، سواء في المعتقدات الروحية التي ترى فيه بوابة لعالم آخر، أو في النظرة الوجودية التي تعتبره نقطة فاصلة بين "كان" و"لم يعد". وما بين هذين التصورين، يبقى النعي فعلًا إنسانيًا يعكس رغبة الجماعة في تخليد ذكرى من رحلوا، في محاولة لتجاوز ألم الفقدان عبر الاحتفاء بما كان عليه الراحل. إن النعي في جوهره ليس رثاءً للحياة التي انتهت بقدر ما هو تأكيد على الامتداد غير المادي للحياة في عقول من تبقى. فالإنسان لا يموت تمامًا ما دامت آثاره حيّة، وما دام هناك من يتذكره، ويحكي عنه، ويستعيد بصماته في الفكر والعمل. لذا، حين ننعى أحدًا، فإننا ننعى الغياب ونحتفي بالأثر، ونستعيد صورته، ونمنحه مساحة أبدية في الذاكرة الجماعية. وهكذا، فإن فلسفة الموت لا تكمن في كونه نهاية، وإنما في كونه لحظة امتحان حقيقي لما خلفه الإنسان وراءه، وهل كان عبوره مجرد مرور عابر، أم أنه استطاع أن يحفر في الزمن ما يستحق البقاء.
حين يباغتنا الموت، نقف أمامه مشدوهين، لا نملك إلا أن نتأمل سطوته التي لا تفرق بين صغير وكبير. والموت، إذ هو قدر محتوم، يضعنا أمام حقيقة وجودية مفادها أن كل إنسان ليس إلا رحلة مؤقتة، يحفر أثره في ذاكرة من عرفوه، ثم يغيب.
واليوم، تنعى الجامعة الهاشمية الأستاذ الدكتور شاهر ربابعة، الأستاذ في هندسة العمارة، الذي غادر الحياة تاركًا وراءه إرثًا علميًا وأكاديميًا سيظل شاهدًا على سنوات عطائه. اسماً في قائمة الأساتذة، ومعلماً عرفه طلابه بحرصه على إيصال المعرفة، وبفكره الذي شكّل رؤى هندسية امتدت إلى ما هو أبعد من جدران القاعات الدراسية.
رحل شاهر ربابعة، لكن اسمه سيظل محفورًا في ذاكرة زملائه وطلابه، وفي كل فكرة ساهم في بلورتها، وفي كل مشروع أشرف عليه، وفي كل طالب تتلمذ على يديه وخرج يحمل شيئًا من علمه ورؤيته.
إن الموت ليس إلا انقطاعًا للحضور المادي، لكنه لا يمحو الأثر، ولا يطفئ الشعلة التي تركها الراحلون في عقول من نهلوا من علمهم. وكما تحفظ الجامعة للراحل حق الذكرى، فإن العزاء الحقيقي يكمن في استمرار العطاء الذي آمن به، في حفظ قيم العلم التي حملها، وفي إدراك أن أثر الإنسان الحقيقي في بصمته التي تبقى بعده.
رحم الله الدكتور شاهر ربابعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.