facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المركز والهامش في التصنيفات الأكاديمية


أ.د سلطان المعاني
14-03-2025 01:30 PM

تبرز التصنيفات الأكاديمية، في عالمٍ يتنامى فيه التنافس المعرفي، باعتبارها أداة معيارية تقيس جودة المؤسسات البحثية والتعليمية، غير أنها في جوهرها تتجاوز مجرد التقييم الفني إلى أبعاد تتداخل فيها الاعتبارات الثقافية والسياسية والاقتصادية. فالتصنيفات الجامعية، رغم استنادها إلى معايير محددة كالإنتاج البحثي والاستشهادات العلمية والسمعة الأكاديمية، تظل محكومة بسياقات أوسع تُعيد تشكيل المشهد الأكاديمي وفق أنماطٍ قد تكرّس الفجوة بين المركز والأطراف، وتجعل من التصنيف ذاته سلطة معيارية تفرض منطقها على المؤسسات التي تسعى إلى التكيف معها.

هذه التراتبية التصنيفية تندرج على الجامعات، وتمتد إلى المجلات العلمية التي تخضع بدورها إلى معايير تصنيفية تُحدّد مدى نفاذها داخل المجتمع الأكاديمي. ومع شيوع المؤشرات الببليومترية، مثل عامل التأثير وعدد الاستشهادات، غدا النشر العلمي محكومًا بمنطق الكم على حساب الكيف، حيث أضحى التقييم الأكاديمي مدفوعًا بهاجس الأرقام، وهو ما ولّد ظواهر إشكالية كالتضخم البحثي وتكريس النشر في دوريات بعينها على حساب التنوع الفكري. وفي هذا السياق، أصبحت المجلات ذات التصنيف العالي لا تعكس بالضرورة عمق الطرح العلمي بقدر ما تعكس اندماجها في منظومة متطلبات السوق الأكاديمي.

باتت التبعية التصنيفية، سواء على مستوى الجامعات أو النشر العلمي، قضية تفرض نفسها على الفضاء الأكاديمي العالمي، حيث تحولت إلى معيار يُحدّد فرص التمويل، وحركة الباحثين، واتجاهات البحث العلمي نفسه. فبينما تُعلي بعض الأنظمة التصنيفية من شأن مؤشرات معينة، فإنها تهمّش أخرى، الأمر الذي قد يُفضي إلى إعادة إنتاج أنماط معرفية مهيمنة تحظى بالقبول والتقدير، في مقابل أخرى تُصنّف خارج دوائر التأثير. وهكذا، لم يعد التصنيف محض أداة تقييمية، وبات بمثابة قوة ناعمة تُعيد هيكلة المشهد الأكاديمي العالمي، بما يتناسب مع أنماطٍ معيارية تتطلب من المؤسسات والباحثين التكيّف معها لضمان الاعتراف بوجودهم داخل هذا النسق.

إن النزعة الاستعلائية التي تتجلى في ممارسات الهيمنة الثقافية والفكرية لا تأتي في سياقٍ محايد أو بمعزل عن تاريخٍ طويل من تشكيل المركزيات المعرفية التي تُحكم قبضتها على إنتاج الخطاب وتوجيهه. فكلما ترسخت معايير بعينها لتحديد الشرعية الأكاديمية والثقافية، تعاظمت معها مركزية جديدة تتغذى على التراتبية والتهميش، حتى تغدو المعرفة خاضعة لمصفوفة من القيم التي تدّعي العالمية بينما هي في حقيقتها إعادة إنتاج لمفاهيم مُعينة تُكرّس نمطًا أحاديًا يُضيّق على التعددية الفكرية والخصوصية الثقافية.

ولا تكتفي هذه المركزية بإحلال ذاتها في قلب المشهد، وإنما تعمل على إعادة تشكيل الهوامش بما يجعلها امتدادًا للمركز بدل أن تكون ذات كيان مستقل أو رؤية متمايزة. فهي لا تستمد قوتها من فرض مباشر أو صريح، وإنما من منطق داخلي يسري في بنى الخطاب الأكاديمي والثقافي، حتى يصبح الانخراط في هذا النظام التصنيفي أو التقييمي ضربًا من الضرورة التي لا يُمكن الفكاك منها دون أن يكون الثمن هو العزل أو التهميش. ومع هذا التكيّف القسري، تتبدد الخصوصية شيئًا فشيئًا، حيث تُعاد صياغتها ضمن قوالب مهيأة سلفًا تتناسب مع متطلبات القبول والاعتراف.

تكمن المفارقة في أن هذه النزعة، التي تقترب من محو الهوية، لا تُمارَس بشكل فجّ أو تعسفي، بل تتمظهر على هيئة معايير موضوعية، ومقاييس علمية، وأدوات تقييمية تُعزز منطقًا يبدو محايدًا لكنه في جوهره امتدادٌ لرؤية تُعيد إنتاج السلطة المعرفية وفق تصورات المركز. وهكذا، فإن هذه الديناميكية لا تُفضي إلى اندماج متكافئ بقدر ما تُنتج حالة من الاستتباع المنهجي، حيث لا يُترك للهامش سوى خيار الانصياع أو الاضمحلال تحت وطأة معايير لا تعترف بتعدديته، وإنما تعمل، عن وعي أو دونه، على طمس معالمه ضمن شبكة من الاعتبارات التي يُعاد من خلالها ترسيم حدود ما يُعد مشروعًا، وما يُعد خارجًا عن نسق المعرفة المقبولة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :