ازمة الاختراق الفكري والثقافي والعقائدي
فيصل تايه
17-03-2025 10:41 AM
لم يعد الصراع مع المشروع الإسرائيلي محصورًا في حرب المواجهه أو في الدهاليز السياسية، بل هو في الاساس ينتقل باستمرار إلى ميادين أكثر خطورة وأشد فتكًا، حيث تُخاض حروبٌ شرسة على العقول والثقافات والعقائد، تُستخدم فيها الأدوات الإعلامية والتكنولوجية لاختراق الوعي الجمعي للأمة ، فهم ينشطون بشكل مكثف لاختراق الفكر والثقافة والعقيدة، مستخدمين وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمؤسسات الثقافية، لبثّ سمومهم الفكرية، وإعادة تشكيل وعي الشعوب بما يخدم مشروعهم ومصالحهم .
اننا وحبن نتابع العديد من وسائل الإعلام العالمية المعروفة نلاحظ انها تقع تحت سيطرة تامة للصهيونية العالميه ، وان تحكّمها فيها وبأدواتها ليست وليدة العصر الحديث، بل هي امتداد لاستراتيجية قديمة اعتمدت على السيطرة على الصحف والمؤسسات الإعلامية الكبرى، والتأثير على الرأي العام العالمي. فمنذ بدايات القرن العشرين، عملت الحركة الصهيونية على توظيف الصحافة الغربية لترسيخ فكرة “الشعب المختار” و”المظلومية اليهودية”، ممهّدة بذلك لإنشاء كيان الاحتلال على أرض فلسطين.
لقد اتخذت هذه الاستراتيجية بُعدًا أكثر تعقيدًا، من خلال الشبكات الإعلامية الضخمة، مثل (CNN وBBC وFox News) ، والتي تسيطر عليها ، حيث تعمل ليل نهار على تشويه الحقائق، وتلميع صورة الكيان الإسرائيلي ، وتقديم الرواية الإسرائيلية باعتبارها “الحقيقة المطلقة”. ولا يقتصر الأمر على الإعلام الغربي، بل تمتد الهيمنة إلى بعض الوسائل الإعلامية العربية التي تتبنى خطابًا منحرفًا يهدف إلى تمييع القضايا المصيرية، وتغييب الوعي المضاد ، وترويج ثقافة الانهزام والاستسلام.
ان الصهيونية العالمية ومن خلال ادواتها المنتشرة في مختلف دول العالم تستخدم إلى جانب الإعلام التقليدي، "قوة ناعمة" لاختراق المجتمعات العربية ولإسلامية عبر أدوات الثقافة والفنون ، فالمسلسلات والأفلام التي تنتجها هوليوود تحمل رسائل خفية تخدم المشروع الصهيوني، حيث يتم تصوير العرب والمسلمين على أنهم "إرهابيون ومتطرفون"، بينما يتم تقديم اليهود على أنهم ضحايا مسالمون أو عباقرة ساهموا في تقدم البشرية.
كما أن بعض الإنتاجات العربية الممولة من جهات غربية، تعمل على ترسيخ التطبيع الثقافي، من خلال الترويج لفكرة “التعايش السلمي”، في محاولة لإعادة تشكيل وعي الشعوب بحيث تتقبل الوجود الإسرائيلي كأمر واقع ، ناهيك عن أدوات الاستعمار الرقمي في "عصرنا الرقمي" ، والتي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا له يستخدمه اللوبي الصهيوني لاختراق العقول والتأثير على الرأي العام ، فمن خلال التحكم بالخوارزميات، يتم الترويج للمحتوى الداعم للصهيونية، بينما يتم حجب أو حذف أي محتوى يكشف جرائم الاحتلال أو يدعم المقاومة.
كما وان من أبرز الأساليب المستخدمة في هذا المجال "الرقابة الرقمية" حيث يتم حظر الحسابات التي تنشر حقائق عن إسرائيل ، كما حدث مع العديد من الناشطين العرب الذين مُنعت منشوراتهم أو أُغلقت حساباتهم على "Facebook وTwitter" ، وكذلك بث ونشر الأكاذيب والشائعات
عبر "التضليل الإعلامي" الممنهج ، والتلاعب بالمعلومات لصالح الكيان الإسرائيلي ، ناهيك عن إغراق الفضاء الرقمي "بالمحتوى التافه " بهدف إبعاد الشباب عن قضايا الأمة وإشغالهم بثقافة الاستهلاك والتفاهة .
وإلى جانب السيطرة على الإعلام والثقافة، تسعى الصهيونية إلى ضرب العقيدة الإسلامية من الداخل من خلال "الاختراق العقائدي" عبر نشر أفكار منحرفة تستهدف زعزعة الإيمان، وإضعاف الارتباط بالهوية الإسلامية ، فمن أخطر هذه المخططات التشكيك بالفرائض وتصويرها على أنها “إرهاب” يجب التخلص منه.
ان احد الادوات الخطيره المستخدمة لضرب الامه في عمقها "الترويج للعلمانية المتطرفة" ، وذلك من خلال نشر فكرة أن الدين لا علاقة له بالحياة العامة، وأن الحل الوحيد لمشاكل المسلمين هو تبني القيم الغربية ، بتفكيك "المنظومة الأخلاقية" عبر نشر ثقافة الانحلال، والترويج لمفاهيم غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية، بهدف إضعاف النسيج الاجتماعي وتفتيت الهوية الإسلامية.
وأخيرا فان ما تواجهه أمتنا اليوم ليس مجرد محاولات اختراق عابرة، بل هو جزء من حرب فكرية شاملة تستهدف جوهر الأمة، فتسعى إلى تفكيك بنيتها العقائدية والثقافية ، لذلك فإن الموجهة الفكرية والإعلامية هي السلاح الذي يحمي العقول من السقوط في فخ التضليل والانحراف.
والله المستعان