facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الإنسان مازن البشير


د. صالح سليم الحموري
20-03-2025 05:35 PM

في حياة بعض الأشخاص تلتقي النُبل بالمهنة، وتتعانق الإنسانية مع الرسالة، فيصبحون نموذجًا حيًا لما يجب أن يكون عليه الإنسان قبل أن يكون طبيبًا أو قائدًا أو مؤثرًا. كان الدكتور مازن البشير واحدًا من هؤلاء، رجلًا لم يكن مجرد طبيب يمارس مهنته، بل كان إنسانًا يحمل رسالة سامية، سعى من خلالها إلى تخفيف الألم عن المرضى وجعل أيامهم الأخيرة أكثر رحمة وكرامة.

حين استمعتُ إلى والدته، السيدة هيفاء البشير، وهي تتحدث عنه في مقابلة مع الباشا سمير الحياري، هزّتني كلماتها حين وصفت رحيله بأنه كان أصعب ما مرت به في حياتها. كيف لا، وهو ابنها الذي وهب عمره لخدمة الآخرين، لكنه غادر قبل أن تكمل الأم رحلتها معه؟ كان فقده جرحًا لا يندمل، لكنه في ذات الوقت شهادة حية على أن الخير لا يُنسى، وأن الأثر الطيب يبقى خالدًا في القلوب.

عرفتُ الدكتور مازن البشير في موقف لا يُنسى، عندما أشرف بنفسه على الرعاية التلطيفية لصديق لي كان يصارع السرطان في أيامه الأخيرة. لعدة شهور، لم يكن مجرد طبيب يصف العلاجات، بل كان إنسانًا يُسكّن الألم، ليس فقط بالمسكنات والأدوية، بل باللطف والكلمة الطيبة والرعاية الصادقة. كان يدرك أن دوره لا يقتصر على محاربة المرض، بل على توفير السلام والراحة النفسية لمن لم يعد لهم من العلاج نصيب.

لم يكتفِ الدكتور مازن بممارسة دوره كطبيب، بل أسس وأدار جمعية الملاذ، وهي منظمة متخصصة في الرعاية التلطيفية، تهدف إلى تخفيف آلام المرضى وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم ولعائلاتهم. كان يؤمن أن المريض لا يحتاج فقط إلى علاج طبي، بل إلى لمسة إنسانية تحترم معاناته وتمنحه شعورًا بأن الحياة لا تزال تحتفظ بجمالها، حتى في أصعب اللحظات.

بعد 15 عامًا من العمل في المجال الطبي، أستطيع أن أكشف لكم سرًا كبيرًا: ليس كل من يرتدي المعطف الأبيض يحمل قلبًا ينبض بالرحمة. في عالمٍ يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، أصبح الروتين قاتلًا للإنسانية، واستنزف الكثير من الأطباء حتى باتت مهنتهم مجرد إجراءات، ووظيفتهم قائمة على التشخيص والعلاج، دون النظر إلى المريض كإنسان يشعر ويخاف ويحتاج إلى من يخفف عنه.

لكن الدكتور مازن البشير كان مختلفًا. كان نموذجًا للطبيب الذي لم يسمح للروتين أن يسلبه روحه الإنسانية. كان يرى في كل مريض قصة إنسانية، وفي كل ألم فرصة للعطاء، وفي كل لحظة صعبة درسًا في الرحمة والتعاطف. لم يكن مجرد طبيب يكتب الوصفات الطبية، بل كان شخصًا يستمع، يفهم، ويهتم.

رحل مازن البشير، لكن ذكراه لم ترحل. لا يزال كل من عرفه يذكره بكل حب واحترام، ولا تزال لمساته الإنسانية حاضرة في حياة من ساعدهم وساندهم. لقد أثبت أن الإنسانية لا تُقاس بما نملكه، بل بما نقدمه، وأن الطبيب الحقيقي ليس فقط من يعالج الأجساد، بل من يداوي القلوب ويخفف الألم، ولو كان يعلم أن النهاية قريبة.

مازن البشير لم يكن مجرد طبيب، بل كان إنسانًا نادرًا، عاش ليمنح الآخرين الراحة، ورحل ليترك خلفه أثرًا لا يُمحى.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :