الدراما الأردنية ونستولوجيا الحنين الى الابداع
فيصل تايه
27-03-2025 11:40 AM
لم يكن لياتي شهر رمضان المبارك الا وتكون الدراما التلفزيونية الاردنية "حاضرة" بقوة عبر المحطات التلفزيونية الاردنية والعربية ، بل وتكون عنصراً أساسياً في طقوس الشهر الفضيل من خلال الإهتمام والمتابعة التي تقدمها عند المشاهد وتبقى مستمرة طوال السنة ، ذلك ان مثل هذه الأعمال الفنيه كان لها مثول قوي في الفترة المزدهرة التي مرت بها خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، فكانت تعكس صورة الأردن الحضارية ومكانته وثقافته ، حيث شهدت نهضة حقيقية جعلت المحطات العربية تتهافت إلى شراء المسلسلات بشكل ملفت، حتى أن المسلسل الأردني كان يعرض في أكثر من خمس محطات في فترة واحدة ، حيث كانت مستندة على الدراما البدوية والاجتماعية والتاريخية الهادفة وغيرها من الاعمال الخالدة ، والتي لاقت رواجا عند الإعلام الأردني العربي وخاصة الخليجي منه .
اليوم نجد انفسنا في حضرة نوستالجيا شديدة من الحنين الطاغي إلى ذلك الاداء الفني المحفّز ، حيث نتذكر بكل اعتزاز تلك الحقبة الزمنية التي كان الفنان الأردني يتغنى بأمجاده وبازمانه الجميلة عندما كانت الدراما الاردنية المنافس الأول للدراما العربية ، الفنان الاردني المبدع الذي امتهن الفن كرسالة لها دورها العارم في رفع وعي الإنسان وتحقيق التنوير والتثقيف والارتقاء، ودوره في قلب أوضاع الثقافة والاجتماعية التقليدية ، لذلك دعوني أقول : رحم الله الفنانين الذين قضوا وافتقدناهم وانقرضوا وتركوا فراغا عميقا والذين كانوا بمثابة بشارة وأيقونة زاخرة للإصرار والأمل بالنسبة لأبناء جيلنا اليافع حينها.
اننا وفي ظل تقدم وتطور الأعمال الدرامية العربية العصرية ، لا يمكن ان ننكر ان الدراما الأردنية قد شهدت تراجعا ملحوظاً في مسيرتها خصوصاً بعد أن غمرتنا حالة الكساح والنكوص الجمعي المريع ، حيث ضعف بعض الاعمال الدرامية الفنية الأردنية على مدى العقدين الماضيين ، ذلك بتراجع المضمون الإبداعي في هذه الأعمال ، بعد ان اخذ المسلسل الأردني الصورة النمطية الهزلية والسخرية من ضعف المستوى المقدم ، اضافة الى مسلسلات ضعيفة فنياً وموضوعياً وتقنياً ، ذلك ببساطة جعلنا نتمرّغ أكثر في الغيبوبة المخجلة التي دخلنا فيها بعد انقراض جيل العمالقه من رواد الفن الاردني الاصيل ومازلنا نعاني تكرُّسها كنمط حياتي لا يتزحزح على الرغم من الاعمال الخجوله المهيبة ، ولو ان العتب الكبير على المعنيين من جهات رسميه ونقابية لادركنا ان الاعمال الفنية الاردنية يجب ان تكون على رأس مصفوفة لها اولوياتها في المتابعة .
اننا ونحن نتحدث عن هذا الموضوع الهام ، يجب ان نعترف اننا ما زلنا نراوح مكاننا رغم معرفتنا بالحقيقة ، ووعينا للدور الكبير للفنان الأردني في المشهد الوطني ، لذلك فنحن بحاجه الى ان نخرج من مرحلة الإنكار ، ونضع النقاط على الحروف ونعتبر ان علينا مسؤولية وطنية امام المناقسة المتعاظمة ونعيد ترتيب اوراقنا، لنبدأ خطة بناء فني اردني منافس نحقق من خلاله المكانة التي نجدها اولى بها ، لذلك فان "التلفزيون الأردني" والمسؤولين المعنيين بالحكومة يتحملون المسؤوليه اولاً وأخيراً ، بصفتهم المسؤولين المباشرين بما فيهم "وزارة الثقافة" ، اذ من الواجب دعم وتمويل الاعمال الفنية الوطنية بما فيها الدراما الأردنية خاصة تلك الاعمال التي تلعب دورًا جوهريًا ومحوريًا في تشكيل وجدان مجتمعنا وصياغة منظومته القيمية ، لتكون نافذة ثقافية تعكس المبادئ والقيم التي تربينا عليها ، وتؤثر في سلوكياتنا وتوجهاتنا ، وتسهم في إحياء الوعي الفكري والإنساني لدى المواطن الاردني الذين هو اغلى ما نملك .
لذلك فبدلاً من المصروفات الباهظة التي تدفع لشراء الاعمال الدرامية غير الاردنية ، خاصة تلك الاعمال الفنية المدبلجة "التركيه" منها وغيرها ، والتي هي بعيده كل البعد عن قيمنا وهويتنا الاصيلة ، ولا تحاكي قضايا مجتمعنا الاردني برؤية ناضجة، ولا تعكس رؤية فنية متفردة، ولا تحمل بصمة فنية خالدة ، لكنها قادرة على ترك أثرها السلبي في وجدان ابائنا وبناتنا ، ما يحتاج التزاماً أخلاقياً ومسؤولية مجتمعية تجاه ما يُعرض على الشاشة بعين المسؤولية الوطنية ، فلماذا نذهب الى تلك الاعمال ونشتريها "بالدولار" ، ونستنزف ميزانيه "التلفزيون" بل ونرهقها بشكل كبير ، والتي كانت من المفترص أن تذهب لشراء ودعم الانتاج الدرامي الاردني وغيره من الاعمال الفنية الأردنية ، والتي لا تقتصر على تحقيق النجاح المحلي، بل تصبح قادرًا على المنافسة عربياً .
وفي الحين نجد التذرع والشكوى من المسؤولين بعدم وجود الميزانيات وقله الدعم الحكومي ونقص في الايرادات والتي من المفترض ان تعوض من خلال انتاج اعمال فنيه ضخمة يمكن ان تجلب الايرادات الربحية الكبيره حتى لو كانت اعمال مشتركة ، اضافة الى الرسوم "مجهوله المصير" المفروضة على المواطنين لكافة مشتركي الكهرباء ، والتي تاتي تحت بند "رسم التلفزيون" في فاتورة الاستهلاك ، فكما هو رائج ومعروف انها استحقاق مطلوب مقابل الخدمات التي تقدمها مؤسسة التلفزيون الأردني ، والتي من المفترض ان تصل لتدعم ميزانية التلفزيون لتغطيه النفقات المطلوبه ، لكن العصف التساؤلي الذي بطرح نفسه ، اين تذهب كل تلك الاموال في ظل العجز الحاد الذي يعاني منه التلفزيون الأردني والذي أوصلنا الى هذا الحال !؟ .
ننتظر أن تقف الدولة الأردنية "وبقرار سياسي" للانتصار على حالة الهشاشة الجامحة وان تنقذنا من جذوة النكوس ، فدعونا نوجه "نداء استغاثة" الى اعلى المستويات لعودة الاهتمام بالعمل الدرامي سواء من ناحية الإنتاج او التشجيع على الإنتاج أو تسويق الأعمال الدرامية ، سواء في وسائلنا الإعلامية المحلية أو من خلال التفاهمات العربية على المستوى الرسمي ، وبمتابعة مع الجهات المختصة في العمل الإعلامي والثقافي .
واخيرأ فاننا بحاجة ماسة الى استثمار حقيقي لاستعادة هيبه الفن الاردني تطلُّعاً إلى الاردن بلد الفن والفنانيين والأكثر مراهنة عليه ، وهذا يحتاج ان نمنح الفنانين الرواد معطيات نفسية تخلق جواً مشبعا بالراحة للانطلاق باعمال ابداعية خلاقة ، بعيدا عن اية متاهات تعطّل العمل وتنقذ الفن الاردني الاصيل ، مع شكرنا العميق لبعض شركات الانتاج الخاصة التي عملت على الوقوف الى جانب الفنان الاردني ودعمه باعمال فنيه متميزة .
وللحديث بقية ..
والله ولي التوفيق